تخفي جبال جهة تادلا أزيلال كشكولا من مشاكل التعليم التي لا تنتهي، تساوي بين المسؤول الذي يتلقى، في كل لحظة، رخصة ولادة من أستاذة توشك على الوضع ويشرع في البحث عمن يعوضها وبين أستاذ التعليم الابتدائي الذي يقطن بسكن وظيفي دون مرحاض ويعاني مع قسم سلسلة شبيه بالسلاسل الجبلية، أو يقدم شهادة طبية في أسوأ الحالات. لكن الضحية هو تلميذ المناطق النائية الذي لا يتساوى مع أقرانه في إتمام مقرره الدراسي . قدم حوالي 20 شخصا من ساكنة دوار تلغمت التابع لجماعة واولى إلى مقر عمالة إقليم أزيلال يطالبون بلقاء عامل الإقليم ليشتكوه أوضاعهم المزرية، فانتظروا استقباله لهم، غير أن مصيرهم كان هو مصير «المساء» التي انتظرت لقاء العامل زهاء ثلاث ساعات دون أي جواب، ففضل هؤلاء أن يتركوا رسالة تحمل مطالبهم المتمثلة في «فك العزلة عن المنطقة وتوفير الإنارة والماء الصالح للشرب والمستشفى»، ولم ينس هؤلاء الرجال موضوع التعليم، حيث كتبوا «نطالب بإيجاد معلمين بمدرسة أطفالنا». يقول محمد الشباب (والد التلميذ مصطفى): «بالمدرسة أستاذتان لكنهما تغيبان كثيرا، وأبناؤنا يدرسون حوالي أربعة أشهر في السنة، نتفهم حصار الثلوج وانقطاع الطرق، لكن في الأيام العادية تغادر المعلمتان المدرسة قبل حلول وقت العطلة الرسمية». وبلغ عدد أيام الغياب بإقليم أزيلال 40 ألف يوم خلال الموسم الدراسي 2007 و2008، حسب مسؤول بالنيابة. ومن أجل الحد من الغياب، تلجأ النيابة إلى المراقبة الإدارية والطبية. يقول محمد أعبو، مدير الموارد البشرية بنيابة التعليم ببني ملال “هناك من يدلي بشهادة يدعي فيها مرض الحساسية من أجل الانتقال إلى مدينة أخرى، لذلك نلجأ إلى المراقبة الإدارية والتربوية، وبالفعل ضبطنا حالات تخالف القانون وكمثال على ذلك هناك أساتذة قدموا شواهد طبية ولما قمنا بإجراء المراقبة وجدناهم غادروا التراب الوطني”. النقابة تقاوم عبر هشام أحرار عضو جمعية آباء وأولياء التلاميذ بمدرسة أزلافن بمدينة أزيلال عن تفهمه لكثرة الغياب في المناطق النائية، لكن لم يستسغ غياب الأساتذة بالمدار الحضاري. يقول أحرار «لا يمر شهر دون شواهد طبية لأساتذة المدرسة، وهذا تحايل على القانون، والتلميذ هو الضحية، وإذا أراد مدير المؤسسة تطبيق القانون فإن النقابات التي يحتمي بها الأساتذة تقاوم إجراءاته مقاومة شديدة». غير أن النقابيين يرون عكس ذلك. يؤكد محمد لحرش، عضو المكتب الجهوي للنقابة الوطنية للتعليم التابعة للكونفدرالية الديموقراطية للشغل، أن وزارة التربية الوطنية شددت إجراءات مراقبة الغياب، ويعزي غياب الأستاذة إلى ندرة وسائل النقل، وبعد المدارس كثيرا عن المدار الحضاري، إلى جانب عدم توفرها على سكن وظيفي، علاوة على ضعف البنية التحتية. يقول لحرش «إن الثلوج إذا حاصرت الطرق المؤدية إلى هذه المؤسسات فإن مصالح كل الناس تتوقف، ومن ثم تصبح المؤسسات شبه مغلقة لشهور». تأنيث التعليم رجال تعليم مستوى الابتدائي الجدد للموسم الدراسي الحالي بإقليم أزيلال بالمناطق النائية كلهم «إناث»، يقول عبد الواحد المزكلدي، رئيس قسم الشؤون التربوية والخريطة المدرسية والإعلام والتوجيه بجهة تادلا أزيلال. تأنيث أطر تعليم المناطق النائية يعرقل المسيرة الدراسة بالجهة. وحسب إطار تربوي، فإن إقليم أزيلال يعرف ارتفاعا في نسبة الخصوبة، مما يضع نيابة التعليم في بحث مستمر عن تعويض الأستاذات، موضحا أن السنة الماضية استفادت 36 أستاذة من رخصة الولادة. وبإقليمبني ملال أيضا تعتبر رخص الولادة، تحديا أمام المسؤولين. يقول محمد أوعبو مدير الموارد البشرية بنيابة التعليم ببني ملال «إن رخصة الولادة هي حق من حقوق الأستاذة، لكنها تجعلنا دائما نتخبط في مشاكل التعويض، فمثلا هناك مؤسسة وضعت بها ثلاث رخص للولادة». أكنس القسم بمجزرة بالقرب من مجموعة مدارس واولى جلس مجموعة من التلاميذ يراجعون الدروس في انتظار أن يحين وقت الحصة المسائية، ومنهم من فضل اللعب. يقطع هشام من دوار تفدجنا مسافة ثلاثة كيلموترات مشيا على الأقدام من أجل الوصول إلى المدرسة. يدرس ساعتين في الصباح، وينتظر ثلاث ساعات ليدرس الحصة المسائية. يتحمل هشام ألم الجوع إلى حين عودته إلى بيته لتناول الخبز والشاي، فحصته من المطعم المدرسي لا تسد رمقه. أما عبد الله زنيبر (تلميذ يدرس بالثامنة)، فيفضل العودة إلى منزله قصد تناول الغداء ليعود في المساء، وعندما سألناه عما إذا كانت مسيرة ثلاث ساعات ذهابا وإيابا سترهق جسده النحيل، أجاب ساخرا «أعتبر نفسي محظوظا لأن هذه المسافة عادية مقارنة مع زملاء لي يقطعون مسافة خمس ساعات مشيا على الأقدام». عندما يسقط المطر بدوار تمرجرجت التابع لمنطقة تمصيت ببني ملال، ينقطع الأطفال عن الدراسة، لأنهم لا يتحملون مسيرة أربع ساعات على الأقدام للوصول إلى مدرسة مودج، فيفضلون اللعب بالقرب من مساكنهم أو مساعدة أسرهم في رعي الماشية. عندما سألنا تلميذ، يدرس بالمستوى الثالث الابتدائي، عن محتوى المقرر الذي يدرسه أجاب بكل براءة «أكنس القسم». وعن أسباب عدم توجهه إلى المدرسة، قال هذا الطفل «لا نذهب إلى المدرسة عندما يسقط المطر لأننا لا نستطيع أن نقطع كل هذه المسافة». قسم السلسلة يطلق اسم «القسم السلسلة» على الفصل الواحد الذي يضم تلاميذ مستواهم الدراسي من الابتدائي إلى السادس، ويوجد بإقليم أزيلال 54 قسم سلسلة، حسب مصدر مطلع. وليوسف أعراقي، أستاذ التعليم الابتدائي بمجموعة مدارس آيت سعيد أساكا، التابعة لجماعة أكودي الخير، بإقليم أزيلال، تجربة مع القسم السلسلة. يضم القسم 47 تلميذا، من مختلف المستويات الدراسية، فيضطر الأستاذ لأن يمنح لكل مستويين متقاربين حصة من الزمن. سئم أعراقي هذه الوضعية ف«كل فريق متجانس ينتظر دوره في التدريس: المستوى الأول والثاني يشكلان فريقا، والمستوى الثالث والرابع يشكلان فريقا، والمستوى الخامس والسادس يشكلان فريقا». يقول هذا الأستاذ «لا يمكن أن ندرس كل مستوى على حدة لأن المدرسة هي عبارة عن قسم واحد يضم عددا قليلا من التلاميذ، مستوياتهم الدراسية مختلفة، إضافة إلى سكن صغير لا يتوفر على أدنى الضروريات: لا ماء ولا كهرباء ولا مرحاض». إلى جانب الأقسام السلسلة، هناك الأقسام المشتركة بإقليم أزيلال، وهي التي تضم كل مستويين متجانسين، إذ يجزم مسؤول بنيابة التعليم بأزيلال أن 90 في المائة من أقسام المستوى التعليم الابتدائي بإقليم أزيلال هي أقسام مشتركة، و100 في المائة من الأقسام بالمناطق النائية مشتركة. رفض الالتحاق «ثلاث أستاذات لم يلتحقن هذه السنة بعملهن بمدارس جماعة آيت عبدي، فبمجرد ما تم تعيينهن وعرفن أنهن سيدرسن بجماعة آيت عبدي لم يلتحقن»، يقول إطار تربوي بإقليم أزيلال فضل عدم الكشف عن اسمه. هذه الجماعة تضم أربع مدارس فرعية، ثلاث منها مغلقة بصفة نهائية منذ سنتين بفعل وعورة المسالك، لأن الوصول إليها يتطلب المشي على الأقدام لمدة زمنية ما بين سبع ساعات و14 ساعة، حسب القرب أو البعد من مركز الجماعة، حسب المصدر ذاته. وكل وافد جديد على جماعة آيت عبدي بأزيلال من رجال التعليم تروى له قصة الأستاذ الذي حاصرته الثلوج سنة 1988 داخل القسم لمدة 20 يوما وعندما زالت الثلوج أصيب بالعمى. مصطفى خلفاوي (أستاذ بالابتدائي) يعيش رفقة زملائه بمنزل بزاوية أحنصال بإقليم أزيلال، يفتقر لأبسط شروط الراحة، فالمياه تتسرب عبر سقف المنزل إلى داخل البيت فتبلل كل أغراضه. يقول خلفاوي، في تصريح ل«المساء» عبر الهاتف “إن زواية أحنصال من النقط السوداء بالإقليم، فحوالي 86 كيلومترا من الطريق غير معبدة، وهناك دواوير معزولة عن محيطها الخارجي وهناك أطفال بدون تمدرس، إضافة إلى أن مجموعة مدارس زاوية أحنصال لم يتوصلوا بحصة الطعام المدرسي الذي من المفروض أن تحصل عليه خلال شهر شتنبر أو أكتوبر الماضيين رغم حاجة التلاميذ إليه». ومن المعيقات أيضا يقول خلفاوي «عدم التواصل مع المفتشين، وعدم انعقاد مجلس التدبير وعدم حصولنا على حطب التدفئة خلال الفترة الممتدة ما بين 2002 و2006، وبعد شكايات متكررة توصلنا بحصتنا من الموسم الدراسي الماضي». العودة إلى المدينة تحسنت وضعية زهور بعد انتقالها إلى مجموعة مدارس واولى، فقد كانت في كل يوم تقطع مسافة ثلاث ساعات على قدميها من أجل تدريس التلاميذ بفرعية تاغية تابعة لمجموعة مدارس وازنت، وسط مخاوف سقوطها في الوادي. تقول زهور «التدريس في المناطق النائية التي تتميز بصعوبة التضاريس مخاطرة خاصة بالنسبة للفتاة. في العطل والمناسبات أستغرق يومين قصد الوصول إلى مدينة أبي الجعد فأضطر للمبيت عند بعض السكان. ومازالت زهور تطمح إلى أن تنتقل إلى جنة رجال التعليم، وهي مدينة بني ملال لأنها المنطقة المفضلة بالنسبة للجميع. يقول مسؤول بنيابة أزيلال «إن الجميع يهرب من المغرب غير النافع إلى المغرب النافع، ف80 في المائة من الأساتذة يشاركون في الحركة الانتقالية، وأؤكد أن أساتذة التعليم الابتدائي يفضلون الخصم من رواتبهم مقابل التوجه إلى مدينة بني ملال». ويعتبر إقليم أزيلال محطة لعبور رجال التعليم، ولا أحد يفكر في الاستقرار به. يقول رئيس قسم الشؤون التربوية والخريطة المدرسية والإعلام والتوجيه بأكاديمية جهة تادلا أزيلال «في كل سنة نحتاج لأن نعوض منصب 100 مدرس، لأن إقليم أزيلال هو المزود الرئيسي لباقي جهات المغرب بالمدراء، فكل مدرس جديد يكون له طموح من أجل الترقية لمغادرة الإقليم، ويثابر ويجتهد لأجل ذلك». «الحاجة أم الاختراع» كما يقال، لذلك فمدير الموارد البشرية بنيابة إقليمبني ملال يقترح أن يحدث منصب يحمل اسم الأستاذ المتنقل، والذي يكون لديه عمل إداري بالنيابة ويكون رهن إشارتها من أجل تعويض أي أستاذ ويخضع لتكوين متعدد التخصصات من أجل حل مشكل الخصاص الذي تعرفه النيابة خاصة على مستوى الابتدائي.