لا تزال قصة الأستاذ لطفي العشيري تتفاعل داخل فضاءات النقاش التعليمي والمحلي بطنجة ، بعدما تحولت قضيته من قضية سطو على السكن الوظيفي الذي كان يقطن به رفقة زوجته بفرعية اعراوة بمجموعة مدارس الحد القديم ، إلى قضية رأي عام محلي تناقلتها عدد من الصحف المحلية . في هذا الإطار تمكن الأستاذ لطفي العشيري من مقابلة النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بطنجة ، في مناسبتين كانت آخرهما الأسبوع الماضي ، تلقى خلالها بعض التطمينات بخصوص قضيته . فيما عبر رئيس مصلحة الموارد البشرية بنيابة طنجة عن تضامنه مع معاناة الأستاذ وزوجته ، واستعداد النيابة لوضع تصور لحل مشكلته الاجتماعية على طاولة اللجنة المشتركة ، التي تبدأ خيوطها الطويلة إلى سنة 2004م مع بداية المرض المزمن الذي تعانيه زوجة الأستاذ لطفي ، وما تلى ذلك من عدد من التدخلات الطبية المستمرة ( عملية جراحية ... ) ، قبل أن تتحول عملية السرقة التي تعرض لها سكنه الوظيفي ، إلى النقطة التي أفاضت كأس المعاناة الطويلة ، من خلال كابوس من الرعب انطلق بمجرد تصريحه بالسرقة لدى مركز الدرك بأصيلة . وهكذا بدأ ل.ع في تلقي سيل من التهديدات الخطيرة من المشتبه فيهم بالسرقة ، ولتتخلى كل الأجهزة وكل السلطات عن دعمها لحالة الأستاذ وزوجته، بل أكثر من ذلك ، فإن التكليف المؤقت الذي تلقاه رفقة زوجته ، تم إلغاؤه بشكل سريع أوقعه في قرار العودة مجددا للفرعية موضع التهديدات . مسلسل من المعاناة أدت بالزوجة الأستاذ س.ي إلى حالة انهيار عصبي حاد ، ناتجة عن رفض لقرار العودة إلى فرعية ، خارج التاريخ ، بعدما تجاوزها الزمن ، وتجاوزتها الإصلاحات ، لتبقى معزولة في مكان بعيد وراء طريق شاقة غير معبدة ، تمر بالتأكيد في فترة الشتاء بواد لا يمكن تجاوزه إلا عبر حصان مدرب . وقد لا يصدق المرء نفسه حينما يرى صورة المعاناة اليومية لهذين الأستاذين ، التي ربما ليست غريبة عن صورة نمطية لمعاناة عدد من الصامتين الصابرين المرابطين بعدد من الفرعيات المعزولة بالمغرب . لكن الصورة ربما تختزل مسارا من الإهمال ، والتواطؤ من المنتخبين المحليين ، الذين قصروا لاشك في الدفاع عن حقهم وحق أبنائهم في بنيات تحتية سليمة بمدشر اعراوة المعزول ، ولا شك أنه كان من بينها مدرسة تليق بتربية أبنائهم وقنطرة تحفظ كرامتهم ، وطريق معبدة لراحلتهم . لا يهمنا مما سبق سوى أن ملف الأستاذ لطفي مثل غيره من ملفات معاناة الأساتذة ، لا يعدو بالنسبة لعدد من المسؤولين سوى حدث مثير تتناوله بعض الجرائد باهتمام برهة من الزمان ، ثم لا تفتأ العاصفة أن تهدأ ، وتستمر المعاناة ويستمر الإهمال . ربما نقول بقرار اللاعودة إلى اعراوة ، بشكل تضامني إنساني أولي ، قبل أن تسارع كل النقابات التعليمية بطنجة إلى إبداء تضامنها المطلق مع الملف الاجتماعي للأستاذ لطفي بعيدا عن كل مزايدة نقابية . وإذا كنا لا نحاول استباق مواقف مختلف المكاتب النقابية وتسريب عدد من التصريحات ، فإننا نقتصر في هذا الباب على تصريحين لكل من الأستاذين الطيب البقالي ومحمد البخاري ، وهكذا عبر الأستاذ الطيب الكاتب الإقليمي للجامعة الوطنية لموظفي التعليم بطنجة عن تضامن نقابته المطلق مع الملف الاجتماعي للأستاذ لطفي ، وأكد أن اللجنة الإقليمية المشتركة ستحاول البحث عن حل منصف يراعي النظرة الشمولية لملف حركة سد الخصاص ، ويأخذ بعين الاعتبار وضعيته الحرجة التي تقتضي تضامنا كاملا ولا عودة إلى الوراء. من جانبه أكد الأستاذ البخاري ( الكاتب الإقليمي لقطاع التعليم بالاتحاد المغربي للشغل بالفحص أنجرة قبل التقسيم الإداري الأخير ) باسمه عن اهتمام نقابته بالملف وأنه لابد من وضع تصور معقول لحل هاته الأزمة ، بشكل يفترض أن مثل هاته المحن قد تصيب أي فرد من أسرة التعليم بطنجة ، وأن منطق الواجب يقتضي منا التضامن السنوي مع كل الملفات العادلة ، بشكل يعيد الاستقرار لكل الاجتماعي لكل أفراد الأسرة التعليمية بطنجة ، مما يجعل الوظيفة الاجتماعية للنقابة في صلب وظائفها وأدوارها التي ينص عليها القانون . وسط هذا الخضم من المعاناة والتصريحات والتضامن ، تستعد اللجنة الإقليمية المشتركة لعقد أول اجتماع لها بخصوص حركة سد الخصاص وإعادة الانتشار ، مساء اليوم بالمركب الثقافي لأسرة التعليم بطنجة ( جوار مسجد محمد الخامس ) ، بعدما تم تأجيل موعد انطلاقته من يوم الخميس الماضي ليقوم النائب الإقليمي بترأس جلسته الافتتاحية ، والبث في مختلف القضايا العامة التي يمكن أن تعوق انطلاقة النظر في طلبات الانتقال المعروضة على اللجنة المشتركة ، والتي تتطلب وضع تصور شامل لطريقة تدبير الحركة بشكل يضمن حقوق الجميع وفق معيار التنقيط ويسهل عملية إعادة الانتشار بشكل سلس يتفادى أية طعون أو أخطاء قاتلة . وإذا كانت حركة انتقال السلكين الثانوي والإعدادي لا تطرح عقدا كثيرة بحكم قلة الطلبات ( 69 طلب ) ووفرة المناصب و قلة عدد الموارد البشرية والمؤسسات التعليمية ، فإن اللجنة الإقليمية المشتركة تواجه هاجسا كبيرا يتمثل في مباشرة طلبات كثيرة جدا لسد الخصاص للتعليم الابتدائي بحكم كثرة المؤسسات التعليمية وكثرة الفائض ( ج الشرف السواني +36 ، ج الشرف مغوغة +9 ، ج بني مكادة -3 ، المجموع العام بنيابة طنجة +37 ) وكثرة المشاكل الناجمة عن بعض الأخطاء المادية للإدارة ، الامتداد القروي الواسع لنيابة طنجة والذي يصل إلى حدود الساحل الشمالي في مقابل حدود مدينة العرائش من جهة البحر . وباستقراء سريع للطلبات المعروضة على النيابة فإنه بإمكاننا ملاحظة جملة من الأمور : اعتبار عدد من المؤسسات محورية في طلبات أغلب الأساتذة بطنجة ومن بينها الثلاثي المهم : م الحسن الثاني ، معاذ بن جبل ، ومدرسة الأمل بمسنانة . هذا الأمر قد يحيلنا على عدد من التصورات الأولية المرتبطة بوقوع هذه المؤسسات وسط الاهتمامات الجغرافية لأسرة التعليم بطنجة ، بحكم قربهما من عدد من المحاور الطرقية والمجمعات السكنية الكبرى ، جمالية بناء هاته المؤسسات ، حسن الإدارة ، مستقبل التدريس بهاته المؤسسات والذي يبشر بعدم التفييض بحكم قربها من عدد من مناطق الهجرة والنمو الديموغرافي ... لكن كثرة الاهتمام بهاته المؤسسات ربما صرف النظر عن مناصب شاغرة بمؤسسات تعليمية أخرى ، ستكون بالتأكيد من نصيب بعض المحظوظين ممن أحسنوا تصنيف المؤسسات في طلباتهم . مدرسة الواحة وسط المدينة قدمت للحركة 15 طلبا ، وهو مؤشر على الرغبة الأكيدة من الإطار التعليمي العامل هناك على الخروج من المستنقع الذي تقع به أسفل هضبة مغوغة ، غير أن نوعية الطلبات هناك بالمقارنة مع قلة النقط وكثرة المنافسة على المؤسسات المطلوبة لديهم ، ربما يعطل الاستجابة لعدد من طلباتهم ، ويعطل في نفس الوقت عددا من طموحات أساتذة عدة من البادية ومن داخل الوسط الحضري بطنجة في الانتقال للواحة . ومع وجود هذا التعطيل لا ينبغي للنيابة بطنجة أن تصرف نظرها عن هذا المؤشر الذي ينبغي أن يكون داعيا لمزيد من الاهتمام بحل مشاكل هاته المؤسسات وكل المؤسسات التي تشبهها في المعاناة . كثرة الطلبات ومن كل جماعات طنجة ومن كل المؤسسات تقريبا ، قد تكون مؤشرا أوليا يفرض على مصلحة الموارد البشرية بطنجة واللجنة الإقليمية المشتركة بمافيها من التمثيليات النقابية ، الاعتراف بشكل موضوعي بالتقصير في تدبير الموارد البشرية بطنجة بشكل شمولي ، وليس تجزيئيا كما يحصل كل سنة . الأكيد أنه لبلوغ هذا التصور الشمولي كان من المفروض توفير عدد من الحلول الشاملة ومن بينها عدد من الخيارات الكبرى بعدد من الإنشاءات في مجال البناء المدرسي ، خاصة بمناطق التجمعات السكانية الجديدة والكبرى . والأكيد أن مقاربة ملف الفائض بطنجة مقاربة تفوق قدرات اللجنة المشتركة، ونطاق تدخلاتها ، مما يجعلنا نقف في الأخير على ولادة عدد من المشاكل الاجتماعية بدل حلها . غير أن تصور نهاية الحركة لهذه السنة ربما يكون أرحم بالمقارنة مع السنة الماضية بحكم تجاوز عدد الفائض لعدد المناصب الشاغرة ، مما يفترض منذ البداية نهاية ليست بالتعيسة لكل العاجزين والعاجزات من كبار السن من أسرتنا التعليمية ، ويقصي أي إمكانية للتعويض في مؤسسات بعيدة ببني مكادة كما حصل السنة الماضية . هذا التصور الشمولي ، يطرح إشكالات عميقة مرتبطة بالتوجهات الجديدة للاستقرار بالنسبة لأسرة التعليم بطنجة ، والتي يبدو أن شهيتها قد انفتحت بشكل مفاجئ نحو مجموعة مدارس الزياتن وكل المؤسسات التعليمية الواقعة على نفس الخط ، وإذا كان منطقيا عدم القدرة على الاستجابة لكل الطلبات ، فإنه من واجب النيابة والسلطات العمومية ، إلزام المجمعات السكنية الجديدة هناك بالوفاء بالتزاماتها في مجال البناء التعليمي والبقع المخصصة لذلك. كما أنه على النيابة والأكاديمية المبادرة دون تأخير لبناء المؤسستين التعليميتين الابتدائية والإعدادية المقررتين على خط مسنانة ، خاصة مع استلام عدد من أفراد الأسرة التعليمية بطنجة لشققهم بمؤسستي الضحى والجامعي في الأيام الأخيرة ، والتوسع الديموغرافي للساكنة بمنطقتي مسنانة وبوخالف . على الخط المقابل ، وفي المدخل الآخر لطنجة يتم بناء عدد من المجمعات الضخمة على مدخل طنجة من جهة مدينة تطوان ، وإذا كان مجمع أناس قد افتتح قبل سنوات فإن مجمع الضحى ومجمعات أخرى هي موضع اهتمام واقتناء من لدن أفراد كثر من الأسرة التعليمية بطنجة ، وهو ما يستشف من خلال الطلبات الكثيرة للانتقال لمؤسسة بنعجيبة والمؤسسات المجاورة ، أمر سيرفع الاهتمام أكثر بمدرسة مشلاوة في حال استقرار بنيتها وثبات فرعيتها واستلام أفراد الأسرة التعليمية لمفاتيحيها . وهنا نجد أنفسنا أما إشكال رغبة عدد من أساتذة م/م مشلاوة في الانتقال مع فقد الإمكانية للتعويض حاليا ؟ البادية الإشكال الكبير الأكبر ، البادية التي ستنال حظها بالتأكيد من كعكة الانتقال ، بالرغم من أنه تم التقزيم من حدود هذا الحظ بلفظة في حدود الممكن ، لكن النقط العالية لعدد من الأساتذة هناك لم يتم تقزيمها وستتيح فرصا سانحة للانتقال لعدد من الأساتذة على سبيل المثال فقط أستاذين طال بهما المقام بالبادية واستعدا للرحيل وهذا من حسنات هذه الحركة ، والمثال كما قلت لأستاذ بدار الشاوي والدعيدعات قضيا سنوات عديدة جدا من عمرهما في التدريس بالعالم القروي. العالم القروي الذي أصبح يستفز شغيلته أكثر بحكم المعاناة المستمرة مع ضيق الأفق ، خاصة أن الحصول على بطاقة النجاة من هذا المستنقع ربما أصبحت تتطلب بطاقة للإقامة قد تتجاوز عشرين سنة في معدل العمل بتراب البادية. وهذا أمر مجحف للغاية ، كان السبب الرئيس وراء ولادة تنسيقية محلية لأساتذة التعليم الابتدائي الأسبوع الماضي بمقر الكنفدرالية الديموقراطية للشغل بطنجة يوم الأربعاء الماضي . ويبدو من استقراء طلبات الحركة أن البادية ستنال حظها كما يبدو في الانتقال ، مع التأكيد أن استمرار مشكل عدم وجود إمكانيات التعويض سيكون السلسلة التي تطوق رقبت عدد الراغبين في الانتقال . وفي النهاية ينبغي القول بأن تصور اشتغال اللجنة الإقليمية المشتركة هو نتاج معادلة صعبة ، بين حماس النقابات لكل الملفات بما فيها النظرة العادلة لمعايير الانتقال وفق التنقيط ، و ملف البادية والملفات الاجتماعية وملفات الفائضين ... وعقلانية الإدارة ورغبتها في التوافق وعدم التشدد وركوب الأبراج العاجية.