«تزوجت المرا الاولى بلا رسم ولدت معاها 4 وطلقتها، والثانية بلا رسم ولدت معها 3 وطلقتها، والثالثة بلا رسم ولدت معاها 2 وطلقتها والرابعة هذي بغيت ندير معاها الرسم عندي معاها 2 دراري» بعفوية شديدة وببساطة أهل الجبال كان يتحدث ابراهيم، بعنفوان سنه الأربعين وبصرامة سحنته التي نحثتها قساوة العيش في الجبال. لم يكن أمام الأستاذة نعيمة عام، المحامية بهيئة البيضاء إلا أن تسأله عن وضعية الأبناء 11«حتى حد ما حاطو في الحالة المدنية» لكنها أكدت على ضرورة تسجيلهم في الحالة المدنية لإثبات هويتهم ولتساعدهم في حياتهم الدراسية والعمليةوعليه أن يثبت نسب أبنائه وأن تقر الأمهات المطلقات بأنهن الأم الحقيقية لهذا الإبن أو البنت، وفي حالة وفاتها يجب إحضار 12 شاهدا وتسلم وثيقة الإقرار بالبنوة لضابط الحالة المدنية ليعتمد عليها في إنجاز الكناش مع شهادة ثبوت الزوجية أو الإقرار بالزواج مع الأمهات السابقات وطلاقهن، بدا الأمر مستحيلا على ابراهيم وهو يستحضر في لحظة كيف يطلب من أزواج زوجاته المطلقات أن يسمح لهن بإثبات زواجهن منه وأن ينجز إقرارالنسب الذي يتطلب مبلغ 600 درهم ،فما كان منه إلا أن هز رأسه في حيرة «دابا نشوف» مع العلم أنه «لن يشوف» أبدا، بل أن يستمر على العيش في هدوء من ألم التفكير في إثبات هوية نسب وزواج لا يقصر له مسافة 14 كلم التي يقطعها كل سبت للتسوق وسط الجبال والوديان. هذا هو حال سكان الجبال، كما وقفنا عليها في إطار مرافقتنا للقافلة التي نظمتها «مؤسسة يطو لإيواء وإعادة تأهيل النساء ضحايا العنف» ما بين 1/2/3 أكتوبر 2009 الى جبال الاطلس وتحديدا جماعة تامدا نومرصيد، جماعة آيت عباس وجماعة آيت محمد بإقليم أزيلال، من أجل توثيق عقود الزواج في هذه المناطق. وهي القافلة التي ضمت بالإضافة الى أعضاء الجمعية ومتطوعيها 14 المحامية نعيمة عام،من هيئة الدار البيضاء والمساعدة الاجتماعية رجاء من جمعية التضامن النسوي اللتان سهرتا على عملية التوثيق،أيضا وسائل الاعلام الوطنية المكتوبة وممثلين عن الجمعية الفرنسية لمساعدة النساء ضحايا العنف وخصوصا النساء المغاربيات المهاجرات في فرنسا. «كيصوبوا لنا لاكارط غير في الانتخابات» منهم عدد كبير، شباب حجوا حيث خيمة القافلة من أجل الحصول على البطاقة الوطنية،أغلبهم لا يتوفر على الحالة المدنية وآباؤهم لا يتوفرون على رسم الزواج ولا حالة مدنية أيضا. لكن بعضهم مع ذلك يتوفر على البطاقة بدون هذه الوثائق، وهم الذين يريدونهم أن يصوتوا في الانتخابات. حيث تصبح البطاقة جاهزة يوم السوق دون عناء، حتى أن أغلبها لا يطابق المعلومات الحقيقية في بعض الاحيان، كأن يتم تقدير السن في غياب عقد الازدياد والتناقض في الإسم العائلي ، لينتهي هذا «الكرم» مع انتهاء الحملة. طارحا أمامنا سؤالا كبيرا حول من يتحكم في العملية الانتخابية وفي إرادة الناخبين القاطنين هناك عاليا في قمم الجبال. مشاكل البطاقة الوطنية تتعدد هنا، أولها ضرورة الحصول على عقد الازدياد الذي يكاد ينعدم عند أغلبهم، فيطلب منهم إحضار شهادة إثبات النسب التي تتطلب هي الأخرى إثبات الزواج بين أم وأب غالبا ما تكون الأم مطلقة ومتزوجة لرجل آخر في دوار آخر، مما يتعذر إحضارها لإثبات زواجها مع الزوج الاول ليثبت الاثنان ان هذا الإبن أو البنت ابناءهما، أما في حالة وفاة أحدهما، فالأمر لا يتطلب غير إحضار 12 شاهدا من الدوار يوثقون بواسطة عدل شهادة إثبات البنوة والزواج. وهي أمور تتطلب من كل واحد من هؤلا قطع مسافة طويلة مشيا بين الجبال للوصول الى الطريق المعبد، قد تصل الى ساعات ثم انتظار وسيلة نقل قد تأتي ولا تأتي لتقله الى مقر الجماعة أو الى أزيلال مع أداء مصاريف الرسوم. وهو ما يجعلهم يعفون أنفسهم من عنائه. وهو الأمر أيضا الذي تكاثفت من أجله جهود قافلة يطو ورئيس جماعة آيت عباس وقايدهاوالشيخ والمقدم، حيث وضعوا مكتبهم في الخلاء قرب خيمة يطو لتسهيل كل هذه المساطر ، نفس الوضع بجماعة آيت محمد التي حضر رئيس جماعتها والقايد وموظفي الحالة المدنية وجمعيات محلية ومسؤول كبير من محكمة أزيلال. حضروا الى خيمة القافلة حيث سهلوا عملية إنجاز هذه الوثائق في حينها مع إيجاد حلول للحالات المعقدة من أجل تسهيل عملية توثيق العقود، كما أعفاهم المسؤول في محكمة أزيلال من أداء مبلغ الرسوم والإكتفاء بإحضار شهادة الاحتياج، وهي المبادرة التي عكست بالفعل رغبة مسؤولي هذه الجهات في حل هذه المعضلة التي يساهم فيها المواطن أيضا بجهله للقانون أولا، بقلة ذات اليد ثانيا، وصعوبة التنقل بين المقرات الادارية ومحلات السكن النائية التي تقطع فيها الطرق والمسالك شهورابسبب الثلوج . حتى يتنساو الامر كما عبر عن ذلك أغلب المواطنين « كتقطع الطريق في البرد،و كتدينا الوقت من حاجة لحاجة وكنساوا داك الشي». في حين رفضت جهات أخرى التعامل وتصر على أن يعم هذا الجهل ويعمر، كما لامسنا ذلك في جماعة تامدانومرصيد، حيث امتنعت الجهات المسؤولة عن إخطار السكان بالحضور يوم الخميس لمقر الجماعة وهو يوم السوق حيث تتواجد القافلة. مع العلم ،تقول نجاة إيخيش،رئيسة جمعية يطو أنها أخبرت رئيس الجماعة والقايد وطلبت منهم إخبار الناس في السوق السابق للموعد، مما اضطرها لتطلب من القافلة النزول الى السوق ودعوة السكان للالتحاق بها مع تحسيسهم بالموضوع الذي لقي استحسانا من طرفهم وعبروا عن أسفهم لعدم إبلاغهم بالأمرمن قبل ليحضروا ما عندهم من وثائق، وقد سجل هذا التعامل السلبي استياء مع موضوع يخدم صالح المواطن أولا وأخيرا. «عمري 16 عام ومراتي 14 عام،بغيت نديرالْرسم». تقدم أمام المحامية تسبقه براءة طفل، يحاول أن يستعين بنبرة حازمة ليثبت رجولة سرقت منه شغبا طفوليا مازال يشع من عينين جميلتين، بلكنة عربية ركيكة ممزوجة بالكثير من تاشلحيت قال «بغيت ندير الرسم أنا ومراتي» - شحال فعمرك -« 16 وهي 14» - انت صغير وهي صغيرة بزاف -لا هي عامرة تكول عندها 18 عام». سكتت الاستاذة نعيمة عام طويلا وهي تنظر للزوج الشاب، ربما تراءت لها صورة أحد أبنائها، أو قارنته بشباب الجمعية الذي قدم من الدارالبيضاء، يتناقلون أغاني الراب «بالبلوتوت» في نشوة. لتقول بعد برهة لا يمكن فعل شيء، فالقاصران معا لم يبلغا السن القانوني لعقد الزواج. حالة الشاب ليست بالفريدة، فأغلبية -الى جميع النساء يتزوجن ما بين 11/14 سنة. مما اضطر معه الساهرون على عملية التوثيق بإثبات الزواج وتسهيل الحصول على العقد في حالة وجود أبناء من أجل إنجاز كناش الحالة المدنية. عديدة جدا هي الحالات التي أظهرت استفحال ظاهرة زواج القاصرات بشكل كبير جدا، بل إن من عادات السكان في هذه المناطق أن يضعوا وشما في وجه الطفلة ابتداء من تسع أو 10سنوات، وشم بين الحاجبين وآخر في الدقن ، ُيثقب الجلد بالإبرة وتحك فوقه أوراق النبات خضراء. وقد عاينا طفلات يلهون بوشمهن الأخضر، وتطلب منا الوقت كثيرا أن نستوعب كيف يجرؤ رجل أن يغتصب/ يتزوج طفلة...! الإشكالية التي تطرح نفسها هنا وهي أن كل طلبات توثيق عقود الزواج التي درستها مؤسسة يطو والجماعات الثلاث المذكورة ستوضع في ملف بمحكمة أزيلال في انتظار الإذن بالبت فيها -قد يطول أو يقصر -حسب نظر أهل القرار. ذلك أن التمديد الذي حدده قانون الأسرة استثناء من أجل إثبات الزوجية لمدة خمس سنوات من تاريخ المدونة انتهى منذ شهر أبريل 2009. و الاشكالية المطروحةأمام القضاء هل سيستمر العمل بالتمديد أولا. وفي انتظار قرار وزارة العدل بهذا الشأن فإن كل الطلبات هي مقبولة مبدئيا مع وقف التنفيذ. ظهر المرا بحال ظهر البهيمة قناعة يتداولها رجال الجبال فيما بينهم، وهو أن «ظهر المرأة وظهر البهيمة سواء» قناعة لا تسمعها فقط، بل تعاينها وتكون شاهدا عليها بمرارة كبيرة، تخرج النسوة في الصباح الباكرحاملات مناجلهن للغابات لقطع أغصان الاشجار، أو لزرع وحصد بعض المحاصيل، ثم يعودون مساء محملات بالحطب للتدفئة والطبخ والعشب للماشية وأكياس المحاصيل فوق ظهورهن من مساحات بعيدة ينحدرن من قمة جبل لأسفله ويصعدن آخر مسافة تطول كلمترات وتدوم ساعات ، يبدون للناظر ككتل حطب متحركة، بينما يجلس الرجال في البيوت مجتمعين على كؤوس الشاي والحديث، يذهبون للسوق للتجارة أو يرعون القطيع... في انتظار أن يعدن مساء ليعجن ويطبخن و... الرجل في الجبال لا يحمل الاثقال أبدا وإذا اضطر لذلك فإنه يستعين بظهر حمار في غياب ظهر زوجته أو زوجاته. وما يدعو للغرابة أن هؤلاء الرجال بنظرتهم هذه للمرأة، فإنهم فضلوا أن ينتخبوا امرأة شابة لتمثلهم في الانتخابات الجماعية الماضية ،حيث صوتوا بنسبة 1575 صوت على «بنت البلاد» عائشة آيتعلا ، شابة ذات 24 سنة ،مرشحة الاتحاد الاشتراكي. هل هي نظرة الرجل بدأت تتغير، أم بداية وعي، أم صدفة...؟ معلمات يقطعن 15 كلمترا مشيا على الاقدام بين الجبال وتلاميذ لا يرون معلميهم إلا مرتين في الاسبوع. أول ما يشتكي منه سكان الجبال هو المستشفى والمدرسة. «بغينا اولادنا يقراوا، المعلمين ماكاينش.. كايجيوا يومين في السيمانا» هكذا يعبرون كلهم، يتبرومون من الغياب التواظل للمعلمين ، يحكي الصغار انهم يقطعون مسافة طويلة للالتحاق بالمدرسة، لكنهم لا يجدون المعلمين أما في العطل فيمتد الغياب لضعف مدة العطلة المقررة،علما ان المستوى التعليمي للتلاميذ متدني جدا، حيث ان تلميذ السنة السادسة يعرف بالكاد القراءة باللغة العربية، فكيف درس حتى المستوى السادس، أما الفرنسية فيجهلونها تماما. مما يطرح مشكلا كبيرا لأساتذة السلك الاعدادي عندما ينزح بعض التلاميذ الى المراكز لمتابعة دراستهم ،وهو ما أكده لنا أحد الأساتذة الذي التقيناه في جماعة آيت محمد حيث تتواجد الاعدادية، بأنهم يجدون صعوبة كبيرة في مسايرة هؤلاء التلاميذ خصوصا في المواد بالفرنسية. تجنبا للتحيز لطرف دون الآخر التقينا ببعض المعلمات اللواتي يدرسن في قمم الجبال. ينتمين لمدن الجديدة، آسفي، بني ملال. (واحدة من بينهن أم لطفين مع والدهما في الجديدة) كانت مفاجأتنا أنهن لن ينفين هذا الواقع، بل أكدوه ولكن بمبررات أشد إيلاما، كان عنوانها محفورا في أياديهن وأرجلهن، حيث كشفوا عنها لإبراز بعض ما يعانوه للوصول الى هذه المدارس، بمرارة كبيرة يفسرن الوضع، نأتي من مدننا الى أزيلال بعد نهاية الأسبوع أو العطلة، نبحث عن وسيلة نقل بالكاد تقلنا الى إكمير، لأن السوق يكون يوم الجمعة وهو اليوم الذي يتوفر فيه النقل، أما باقي الأيام فلا سيارة تعبر إلى هناك. ثم ننزل في الطريق المعبد، لنسلك 15 كلمترا مشيا على الاقدام محملين بالماء والمواد الغذائية وحاجياتنا على الأكتاف، ننزل الجبال حتى الواد ثم نصعد الجبال الأخرى مدة أزيد من 4 الى 5 ساعات ، وحيدات.. نسقط من أعلى الجبل، أحيانا ونسقط غالبا عندما نريد قطع الواد لصعوبة المسلك وضيقه (مسرب) ولأننا نكون محملين بالأثقال، لا نكاد نصل حتى تنقطع أنفاسنا، في كوخنا في المدرسة تنعدم التدفئة، لا نعرف كيف نوقد الخشب، حفرنا المرحاض بأيدينا، لا نتوفر على آلة الطبخ بالغاز لأنه يصعب حمل قنينة الى هنا ولا نستطيع شرب الماء الملوث، حيث ماء الواد ملوث وهو مصدر الماء هنا، لانستطيع شربه إلا بعد تركه 3 أيام حتى يصفى.. إذا ذهبنا الى منازلنا في العطل وسقط الثلج نبقى هناك، و التلاميذ هم أيضا لا يأتون في هذه الظروف، لا يمكن للعملية التعليمية يتابعن -أن تعطي نتائج إيجابية أبدا لأن كل فرعية بها غرفتين أو قسمين قسم يضم المستوى الاول والثاني والثالث، والغرفة الاخرى تضم المستوى الثالث، الرابع، الخامس، السادس، يدرسون في نفس الوقت اللغة العربية والفرنسية، حللوا أنتم هذه الوضعية. مشاكل أخرى يعيشها تلاميذ الاعدادي والاساتذة في المركز في جماعة آيت محمد، حيث يضطر الآباء لإرسال أبنائهم من آيت محمد، آيت عباس زاوية احنصال لمتابعة السلك الإعدادي، ويتمثل في توفير الإيواء، ولحسن حظهم أن الجماعة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية أسست دار الطالب والطالبة والتي لم تتسع للعدد الكبير للتلاميذ الذكور مقارنة مع البنات (30 تلميذة) مما اضطر معه رئيس الجماعة الى فتح إحدى قاعات الجماعة في وجه 47 تلميذا، بينما ينام البعض في المقاهي الشعبية بالسوق الاسبوعي والتي هي عبارة عن دكان به حصير يشغل كل مكتري فراش على الارض بمقابل مادي. وحسب أحد الاساتذة، يصل عدد التلاميذ الذين ينتقلون الى السلك الثانوي %40 حيث يتطلب الامر منهم النزوح الى أزيلال لمتابعة دراستهم الثانوية، في انتظار سنة 2010 لتحقيق مشروع تحويل إعدادية الى ثانوية وبناء إعدادية مع تسهيل عملية النقل بواسطة حافلة النقل المدرسي التي ساهمت بها جمعية يطو للنهوض بالعملية التعليمية، والحد من الهدر المدرسي الذي تكون أسبابه الأساسية البعد عن المدرسة. كما ان الجماعة حصلت على الارض لبناء بيت الطالب وبيت للطالبة في انتظار بنائها في إطار المبادرة. ظاهرة أخرى تستحق الالتفات والتعميم ، هي أن عملية تيسير التي تساعد في إطارها العائلات على تمدرس أبنائها، تمثل حافزا قويا على إقبال الآباء على تدريس أبنائهم وخصوصا الفتيات.مما يعد مؤشرا على الحد من الهدر المدرسي. تُحمل الحامل في نعش أكثر من 5 ساعات حتى الطريق في انتظار وسيلة نقل أو ألم حتى الوفاة. اعتاد سكان الجبال على مشهد رهيب، خاصة عندما يصبح كل الفضاء بلون الحداد عندنا حيث يضطرون لحمل مرضاهم أو موتاهم ،سواء، في «المرفع» النعش. خاصة عندما يصعب على الحامل الولادة ويستعصى على القابلات بكل ما أوتين من خبرة توليدهن. يضعونها في نعش يغطونها بميكة (البلاستيك) ثم يقطعون بها المسالك الجبلية و الوديان حتى إذا ما بلغوا الطريق المعبدة وقفوا لساعات ينتظرون سيارة قد تأتي وأحيانا كثيرة لا تأتي، فيعودون بالحامل من حيث أتوا حتى إذا ما اقتربوا تكون هي قد فارقت الحياة. أكثر ما يفتقد إليه سكان الجبال هو هذه السيارة اللعينة «الإسعاف» التي تضع هنا حدا لحياتهم هباء. لاحظنا كيف أنهم يطالبون بتوفيرها حد الرجاء وكأنها كل الحياة، هي أول مطلب ينطقون به في تامدا نومرصيد وخصوصا آيت عباس التي تبعد كثيرا عن أزيلال، أما آيت امحمد فهي الاكثر حظا مما رأينا ،حيث تتوفر على سيارة إسعاف في خدمة باقي الدواوير،وعلى محطة لسيارات الأجرة الكبيرة وأيضا قربها من أزيلال، كما أنها عمدت الى حل مشاكل باقي الجماعات بتشييد دار للأمومة وهي عبارة عن محل للإقامة، تلجه المرأة الحامل من باقي الدواوير بأيام قبل الولادة حتى تضع حملها ثم تغادر، تجنبا لما تم ذكره سابقا. كما تتوفر الجماعة على مستشفى تشغله طبيبة و3 ممرضين ومولدة. أما جماعة آيت عباس فتتوفر على مستوصف لا يعرف الطبيب أبدا، يتواجد به نادرا ممرض. لا يتوفر حتى على «الدواء الاحمر» وقد صادفنا أنه حتى يوم السوق (الجمعة) الذي يؤمه السكان من باقي الدواوير وهو يوم الزيارة بامتياز، مغلق أيضا، عكس مستوصف تامدا، حيث يحضر الممرض ويغيب الطبيب الذي انتقل في انتظار أن يعوض ذات سنة. بالوقوف على خصائص وحاجيات السكان الملحة التي عايناها في إطار مرافقتنا لقافلة يطو، يمكن للمرء أن يسجل بارتياح أيضا بروز بذرة الوعي في المناطق النائية هذه،حيث أضحى بإمكانهم الحديث والتعبير دون خوف من السلطة على مشاكلهم. . وقد شهدت المنطقة في السنوات الاخيرة العديد من المسيرات الاحتجاجية الحاشدة ضد الجوع والتهميش، أيضا بدا جليا دور بعض المسؤولين - وليس الكل - وجمعيات المجتمع المدني في العمل على تحسين ظروف الساكنة، جماعة آيت محمد نموذجا حيث الكهرباء يعم جميع الدواوير، كما تم تفويت تزويد الساكنة بالماء ل ONEP . يجب الإشارة إلى الدور الذي لعبته منذ سنوات وتلعبه جمعية يطو في نشر الوعي والتحسيس ومحاربة الهدر المدرسي والمساعدة الطبية من خلال تنظيم القوافل الطبية وتوزيع الأدوية على المستوصفات مما جعل السكان يستبرون خيرا بها، وقد عاينا كيف يرحبون بالقافلةحد أنهم أصبحوا ينادون رئيستها نجاة إيخيش «يطو» وكأنها المنقذ لأوجاعهم أو صلة الوصل بينهم وبين مغرب لا يعرفونه. هناك انتظارات كبيرة يتطلع إليها السكان: أهمها توفير سيارة الإسعاف لكل جماعة شبكة المياه. لأن جل الدواوير تشرب من العيون والوديان. والدواوير المتضررة هي القريبة من الواد الخضر شديد التلوث، علما ان المنطقة غنية بالماء، لكن الفيضانات التي تضرب بين الحين والآخر تعكر صفاء المياه. تحسين ظروف إقامة المعلمين والأساتذة ومراعاة صعوبة تأقلمهم مع طبيعة العيش الجبلية القاسية وتوفير حطب التدفئة ووسائل النقل خاصة في نهاية وبداية الاسبوع لضمان استمرار العملية التعليمية. مطالب بسيطة لأناس بسطاء،تضمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة التي تنادي بها دولة المؤسسات والجمعيات الحقوقية والمدنية، وتسعى لتطبيقه بالفعل ،لكن في «لوطا» في مراكز الضوء القريبة، أما القابعون هناك حيث المسالك الوعرة، فقد يصلحون فقط ليؤثثوا صورة سياحية بامتياز لأطلس تتغنى بسحر جماله الدنيا،وينغمس أهله في أدنى مراتب الدونية. من جنَّد محمد وحموش في آيت بوكماز سنة 1967؟ اقتربا مني بخجل جبلي وقور، يهمس الواحد في أذن الآخر بتشلحيت، يقفان، يضع محًّمد يده فوق فمه كمّن يغالب نفسه في أن يتكلم أو يتراجع، أخيراً جرّني من يدي ليبعدني حتى لا يسمع أحد بالأمر، «بغيت نكوليك واحد الحاجة قديمة، طاحت لِنا دابَا فالراس»، نطقها بعربية ركيكة ، أما حموش فلا يعرف العربية أبداً، «كنا صغار كنخدمو في الفلاحة، جاوا كالو لينا باغتو تخدمو وتربحو الفلوس، قلنا لهم إيه، جمعونا في الكاميو وداونا لآيت بوكماز واعطاونا السلاح، كالو لينا ما تمشيوا من هنا حتى تعلموا تطيحوا الطيارة». أوهموهم أنهم سيذهبون للعمل في أوراش، فوجدوا أنفسهم في معسكر للتدريب بآيت بوكماز، حيث خضعوا لتدريب قاس جداً، كان السلاح متوفراً بكثرة حسب قولهما ثم لقنوهم كيف يسقطون الطائرات، بعد أكثر من 4 أشهر مقطوعين تماما عن الناس. حملوهم ثانية في شاحنة ووضعوهم حيث حملوهم. هم 90 فرداً من آيت عباس و 180 من آيت بوكماز .. قالوا لهم سننادي عليكم فيما بعد . منذ سنة1967 وهم ينتظرون الى اليوم ولا صوت منادٍ. هما محمد عادْل، عامل من مواليد 1953 بدوار كلابو، أيت محمد. وحموش ابراهيم، فلاح من مواليد 1955 بدوار كلابو أيضاً. انتظرا هم والمجموعة طويلا، ثم ذهبوا جميعا لأزيلال كتبوا طلبا، لم يدروا لأي جهة بعثوه، وجاءهم القايد بعد شهر «بورقة حمرا» لم يعرفوا القراءة، طلبوا ذلك من القايد أيضا لم يعرف، للشيخ، المقدم، لا أحد يعرف القراءة. طافوا بها كل المعارف لا أحد فك حرفا مما كتب في «الورقة الحمراء» فما كان من محمد وحموش إلا أن طويا الورقة ووضعاها في جيبهم وعادا لحفر لقمة العيش من صخر الجبال. لا أحد من أصحاب الرشاش والرصاص عاد لينادي ثانية عليهما. لكنهما اليوم، تذكرا.. وهما يتحسسان الشيب في لحيهم وتجاعيد الزمن التي حفرت أخاديد في وجوههما ، تذكرا أنه ذات يوم من سنة 1967 كانا هما أيضا شابين كهؤلاء «البيننا» جاءهما من انتزع فترة من حياتهما دون أن يشركهما فيها. استعملهما ثم أعادهما لقواعدهما سالمين، هما الآن لا يطمعان في التجنيد ولا في العمل، ولكن يريدان فقط أن يعرفا من أخذهما لآيت بوكماز أكثر من أربعة أشهرمنقطعين عن الأهل، من دّربهما على حمل السلاح، من أعادهما دون أن يعود إليهما. فمن يريد أن يعيد قطعة (البوزل) إلى مكانها لتكتمل الصورة لمحمد وحموش؟