لماذا لا يقتنع الرجل بإمرأة واحدة يا شهرزاد؟ لم أملك سوى إبتسامة مقتضبة وأنا أجيب عن هذا السؤال الذي يحمل أبعادا كثيرة قائلة: ليس كل الرجال بالتأكيد! لكن ضيفتي أصرت بغضب لا.. كل الرجال.. كلهم لا يقتنعون بإمرأة واحدة، منهم من يتزوج ثانية وثالثة ورابعة. ومنهم من يتجول بين بنات حواء بلا زواج رغم إنه متزوج ومنهم من يتجول في عالم الأنوثة وهو موغل في عزوبيته! او سعيد بها! تابعت: أراك لا تجيبين؟ وجدت نفسي أنني سأدخل في معمعة نقاش لن نصل فيه الى نتائج فرضخت للسكوت وأنا أنظر في عينيها طالبة منها الهدوء. لم تهدأ ضيفتي إحتست فنجان قهوتها وغادرتني بكلمات أخيرة: أنت أيضا تخافين من نقمة الرجال وسيطرتهم، أتحداك أن تكوني صريحة في إجابتك! ألست شهرزاد، أم أنك تتلبسين إسمها فقط؟؟ وأعترف بأنني لست شهرزاد الأسطورة لكنني أنا وكثيرات شهرزاد العصر. وان الحداثة التي نعيشها هي نتاج عصارات متداخلة لعصور قديمة متجددة، فالمرأة هي المرأة والرجل هو الرجل والقضية بينهما ليست معركة أو صراعا. القضية بينهما هي الحياة كيف يعيشانها معا. فمقولة لا يمكن للرجل الإستغناء عن المرأة ولا يمكن للمرأة الإستغناء عن الرجل بديهية وليست نظرية؟ لا أعرف لماذا يحاول البعض إقحامها في جدول النظريات؟ وأعود للسؤال لماذا لا يقتنع الرجل بإمرأة واحدة؟ هل القضية نفسية أم جسدية أم تراكم عقد مختبئة، نتائجها الغرور والكراهية او الحب الشديد او الإنتصار على الآخر أو.. أو..؟ لمناقشة أية قضية علينا تحليل الأسباب والنتائج وأمامنا حكايا كثيرة جدا قد تصل نسبتها إلى نسبة تعدادنا نحن البشر.. ان كلاً من المرأة والرجل خاسر في قضية التعدد. أما على الصعيد النفسي او المادي او حتى الجسدي! ما هي إلا أيام متعة روحية او جسدية لمن يبحث عن التعدد لينكفئ على ذاته ويشعر بخسران وضعه النفسي والمادي وأكثرهم صراحة يضيف الخسران الجسدي!! فلماذا نعيش زمن الخسائر المتراكمة. ونبدأها بترتيب الخسارة الأولى حين لا نختار بأنفسنا رفيق الدرب والحياة؟ تحدث أحد الأصدقاء وفي صوته بحة المرارة والألم قائلا: شهريار كان مكتفيا بإمرأة واحدة لولا خيانتها الفظيعة فانتقم لنفسه بقتل عرائسه، تتهمون الرجل دوما وتنصبون له مشنقة الحكم من دون ان تتركوا له حرية التعبير او حتى الإمتعاض، حين تخرجت في الجامعة فرحا مقبلا على الحياة مصمما على الإرتباط بمن أحببت في تلك الفترة هالتني مشنقة الأهل التي أعدوها لخنقي، كانت المشنقة عروسا من إختيارهم، إبنة عمي الوحيدة، تحت شعار التخلف القبلي الذي نعيشه، “إبنة العم لإبن العم فكيف إذا كانت وحيدة وغنية”؟ لم يكن لتلك الصبية تأثير في حياتي لا من قريب ولا من بعيد لم تكن سوى إبنة عمي! تمردت في البداية، رفضت لكن تمردي ورفضي قوبلا بالإستهجان والتهديد، ما زاد في مشكلتي ان أهل حبيبتي رفضوني أيضا لأسباب غير منطقية، وفي وسط ذهولي وضعفي وخيبة أملي بمن حولي، وجدت نفسي أمام عروس خجلة مطأطأة الرأس تنتظرني كي أنزع عن وجهها برقع الحياء لتكون زوجتي.. وكانت للأسف مصيبتي لم أشعر ان في حياتي إمرأة تزرع في حناياي اللهفة والجمال والإصرار على ان أكون مختلفا. إنكفأت على ذاتي وأصبحت كالملايين من أمثالي مجرد رجل بيت لا يسكن البيت! كيف تريدون مني ان أقتنع بإمرأة لا تشعر بخلجات قلبي ولا آلامي، ولا تفهم معنى للحياة سوى ان أكون لها رجلا ينفذ طلبات البيت التي لا تنتهي! هربت من واقعي الأليم الى واقع سخيف بدأت أرتاد المقاهي التي يكتنفها الفراغ الثقافي وتعلو فيها أصوات النرد وكركرة الأرجيلة ، حتى أبنائي الذين أنجبتهم من إبنة العم كان إحساسي بهم عاديا هم مجرد أبناء! هل مات الإحساس في داخلي؟ قد يكون ذلك وان أشعر ان المجتمع كله وكل من حولي هو أشبه بشهريار! غادرت البلاد للعمل في بلاد أخرى حين تدهور الوضع الإقتصادي وهناك في البلد الغريب رأيتها، فتاة من بلادي كانت جزء من أحلامي التي ظننت أنها ماتت، رائعة بما تحمله من جمال خارجي وداخلي، تيمت بها وأحسست أنني ولدت من جديد، ومن وراء أسوار مجتمعي وبلادي قررت ان أكون لذاتي، تزوجتها وعشت معها أحلى أيامي، لم يرزقنا الله طفلا، كان يزعجها هذا الأمر لكن سعادتي بها أنستني مدى أهمية الطفل في حياتها، تركتها هناك لفترة وعدت لبلادي لأكتشف أنني لست هنا، مازلت ا هناك مع من أحب، وفوجئت ان زوجتي إبنة عمي تطالبني بالبقاء او بأخذها معي هي والأولاد، ونصبت لي محاكمة عشائرية غريبة! الكل تدخل والكل أخذ يدلو بدلوه وأنا لا أستطيع ان أتخذ القرار، هل أنا ظالم يا شهرزاد أم مظلوم؟ لست أدري، لم أجد مناصا من أن أكون صريحا مع الجميع بعد هذا العمر. أخبرتهم بأنني تزوجت.. الأهل والعشيرة تقبلوا الأمر وطلبوا مني إحضار زوجتي الثانية الى البلاد، لكن المذهل ان زوجتي الأولى تمردت على نفسها وعليّ وعلى كل أهل العشيرة وطلبت مني الإختيار، تحولت هذه الزوجة التي لا تفهم الى قطة شرسة والى شهريا آخر في حياتي، وجدت نفسي ضائعا محتارا بين زوجة فرضت عليّ، لديها مني ثلاثة أطفال وبين زوجة أحبها تبكي طفلا. لم تكن الضغوط النفسية التي أعيشها مسألة سهلة، إحساسي بالمعاناة يزداد وأنا أمام قرار جماعي بمنعي من السفر. كلهم شهريار كلهم ظالمون وأنا مجرد ريشة في مهب الريح. أتعرفين يا شهرزاد ماذا كانت نهايتي؟ ببساطة شديدة، طلقت زوجتي التي أحببت وعدت لزوجتي الأولى وعدت لحياتي اللامبالية الخالية من أي معنى صباحا في العمل ومساء في المقاهي أجلس لساعات طويلة، أشرب أقداح الشاي، وأصاب بالصداع من أصوات النرد وصراخ الجالسين، وكركرة الأركيلة. ""