دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    طنجة.. توقيف شخص بحي بنكيران وبحوزته كمية من الأقراص المهلوسة والكوكايين والشيرا    عمره 15 ألف سنة :اكتشاف أقدم استعمال "طبي" للأعشاب في العالم بمغارة الحمام بتافوغالت(المغرب الشرقي)    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        الإسبان يتألقون في سباق "أوروبا – إفريقيا ترايل" بكابونيغرو والمغاربة ينافسون بقوة    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    أخنوش: حجم الواردات مستقر نسبيا بقيمة 554 مليار درهم    الجديدة.. ضبط شاحنة محملة بالحشيش وزورق مطاطي وإيقاف 10 مشتبه بهم    استطلاع رأي: ترامب يقلص الفارق مع هاريس    هلال يدعو دي ميستورا لالتزام الحزم ويذكره بصلاحياته التي ليس من بينها تقييم دور الأمم المتحدة    النجم المغربي الشاب آدم أزنو يسطع في سماء البوندسليغا مع بايرن ميونيخ    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا الخميس والجمعة المقبلين    حصيلة القتلى في لبنان تتجاوز ثلاثة آلاف    سعر صرف الدرهم ينخفض مقابل الأورو    البحرية الملكية تحرر طاقم سفينة شحن من "حراكة"    استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب    الجفاف يواصل رفع معدلات البطالة ويجهز على 124 ألف منصب شغل بالمغرب    المعارضة تطالب ب "برنامج حكومي تعديلي" وتنتقد اتفاقيات التبادل الحر    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    إعصار "دانا" يضرب برشلونة.. والسلطات الإسبانية تُفعِّل الرمز الأحمر    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فؤاد يقول: ما العيب في ألا نكون متزوجين.. وسعيدة تبوح: بعض المرات خاطرك تيضرك وكتكول آش هادشي تندير
رجال ونساء مغاربة يعيشون تحت سقف واحد بدون زواج
نشر في المساء يوم 02 - 08 - 2009

يعتقد أغلب المغاربة أن لا شيء يمكن أن يجمع رجلا بامرأة يعيشان سوية في منزل واحد سوى الزواج، وغير ذلك يعتبر زنا من الناحية الدينية أو فسادا، حسب القانون الجنائي المغربي، لكن نسبة
داخل المجتمع المغربي بدأت تنزع نحو المعاشرة خارج مؤسسة الزواج، إما بداعي الحرية الشخصية أو بمبرر اقتصادي. بعض علماء الاجتماع المغاربة يفسرون هذا الميل نحو المعاشرة الحرة بدون أي قيود
أو التزامات اجتماعية إلى التغيرات الاجتماعية التي بدأ يعرفها المجتمع المغربي، موضحين أن هذا النوع من العلاقات ما يزال يتم في سرية و تكتم نظرا لطبيعة المجتمع المغربي الذي ما تزال تتحكم فيه بنيات تقليدية، رغم وجود إرهاصات بالتحول.
«والله ما كنت حاسباهم في الأول غير مزوجين. مولات الدار كالت لي أول مرة باللي هي مزوجة بكاوري. من بعد 3 شهور لقيتها غير صاحبتو وعايشة معاه في دارو.آش نكول ليك؟ صدمتني والله العظيم». تحكي السعدية التي كانت تعمل خادمة في إحدى الشقق بشارع الحسن الثاني بالدار البيضاء. تضيف والدهشة تملأ عينيها «كانو عايشين بحال إيلا مزوجين بالمعقول! ما تشكش ولو دقيقة وحدة فيهم : يخرجو بجوج، يتقداو بجوج، يزوروهم اصحابهم وحتى عائلتها هي... الجيران حتى هما معتبرينهم مزوجين!»
تركت السعدية عملها خادمة في ذلك المنزل بعد مدة قصيرة، لكن سؤالا واحدا ظل كما الغصة في حلقها كلما تذكرت ذينك «الزوجين»: «والله لحد هاد الساعة ما زال ما تصرطاتش ليا كيفاش وحدة مسلمة عايشة مع واحد نصراني في دار وحدة بلا زواج بلا والو؟!»
بالنسبة إليها، لا شيء يمكن أن يجمع رجلا بامرأة يعيشان تحت سقف واحد سوى الزواج، و«غير داك الشي حرام». مثل هذا الرأي لا تعتقده السعدية وحدها، بل شريحة واسعة في المجتمع المغربي نتيجة مرجعيته الثقافية والعقائدية، إذ «يتم عادة النظر إلى الاقتران عن طريق الزواج باعتباره استثمارا اجتماعيا تنظمه التزامات وواجبات متفَق بشأنها يعاقب التشريع الإلهي والوضعي كل إخلال بها» يقول الباحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والحضرية مراد الريفي. غير أن النظر إلى مؤسسة الزواج من هذه الزاوية بدأ يعرف نوعا من الرفض والتمرد من قبل فئات اجتماعية تنزع نحو العيش تحت سقف واحد بدون أي عقد أو التزام.
الخروج عن القاعدة
في شقته بالمعاريف، ظل فؤاد (فنان تشكيلي-35 سنة) يعيش أكثر من عام ونصف مع خليلته الفرنسية. ولم تكن هذه أول مرة يعيش فيها مع امرأة دون أن يربط بينهما عقد زواج، إذ سبق له أن فعل ذلك أكثر من مرة طيلة العشر سنوات الأخيرة. بالنسبة إلى فؤاد، المسألة ترتبط أساسا باختيار شخصي «أنا في الأول والأخير إنسان راشد، واع، ولدي الحرية التامة في اختيار الطريقة التي تناسبني في علاقاتي ما دمت لا أؤذي أحدا وما دامت المرأة التي أختارها هي الأخرى راشدة، واعية ولها نفس الرغبة في العيش معي بدون أي التزامات. ما دمنا متفقين، إذن، ما العيب في ألا نكون متزوجين؟ نحن في الأخير لا نسرق ولا نؤذي أحدا. هذه حياتنا الخاصة ولا دخل لأي أحد فينا. أنا أعيش منذ مدة في هذه الشقة. الجيران يعرفونني ولم يشتك أحد يوما من تصرفاتي. الناس هنا ما سوقهومش فيك. لا يهمهم أن تكون لديك زوجة أو خليلة، المهم أن تحترمهم فقط» قبل أن يضيف وهو يشعل سيجارة: «أنا لست الوحيد من يفعل ذلك. 90 في المائة من أصدقائي مثلا لهم خليلات يعشن معهم دون أي عقد زواج، وكلهم جاؤوا من خارج الدار البيضاء.أحدهم تجاوز الأربعين و مازال يعيش مع خليلته دون أي عقد زواج. المغرب تغير كثيرا وقيم عديدة بدأت تُتَجاوَز».
سعيد هو الآخر يعيش مع امرأة بدون زواج، لكن ما يهمه في «الكونكِبِناج» هو الجانب المادي أساسا «لأنه ببساطة بدون تبعات مادية أو اجتماعية. في الزواج أنت مضطر لتحمل أعباء ومصاريف الزوجة والأولاد، وإذا وقع الطلاق ستكون مجبرا على دفع مصاريف النفقة ولا أدري ماذا أيضا. وربما تكون مجبرا كذلك على اقتسام ثروتك مع مطلقتك. من يدري؟. لكن في «الكونكِبِناج» كل شيء سهل. أنا أدفع قسطا من مصاريف المنزل وهي الأخرى تفعل ذلك، لكننا نعيش مثل زوجين بدون أي تعقيدات. هي تتفهم الوضع وتتقبله».
وعن بداية علاقته بخليلته، يحكي سعيد «تعرفت عليها عن طريق إحدى صديقاتي. كانت تعمل في قسم الموارد البشرية بشركة للتأمينات و تبحث عن منزل تكتريه، وكنت أنا أكتري شقة بثلاثة آلاف درهم في بوسيجور، فاتفقنا أن تسكن معي مقابل أن نقتسم سوية مصاريف الكراء. في الأول، كانت مجرد جارة تقتسم معي فضاء الشقة كما هو شائع عند الكثيرين، لكن في ما بعد تطورت الأمور وأصبحت خليلتي. الآن نحن نعيش مثل الأزواج، في الصباح، يذهب كل واحد إلى عمله، في الظهيرة نتغدى أحيانا سوية، والمساء نقضيه مع بعض: إما نخرج معا أو نشاهد التلفزيون أو نفعل أي شيء آخر... طبعا هناك مشاكل.. هذا شيء طبيعي بالنظر إلى علاقة مثل هذه..آخر مرة حملت فاضطررت إلى إجهاضها. كان لابد أن نفعل ذلك درءا للمشاكل».
بالنسبة إلى حسن (40 سنة)، لا يعتقد أن يكون هناك سبب محدد حتى يختار الإنسان هذا النوع من العلاقات. المهم بالنسبة إليه هو التجربة في حد ذاتها. لم يمض حسن سوى عامين مع خليلته «كانا من أجمل ما عشته في حياتي». كانا يعيشان معا في نفس العمارة التي تقطن بها عائلته. مع مرور الوقت صارت الخليلة فردا من العائلة. بقية التفاصيل يرفض حسن الكشف عنها. لماذا؟ «هذه أمور شخصية ليس لأحد الحق في معرفتها» يقول حسن.
تكتم و حذر
مثل هذا التصرف تكرر أكثر من مرة مع أشخاص آخرين رفضوا هم أيضا الحديث عن تجاربهم، والسبب دوما هو أنها أمور شخصية بالدرجة الأولى.
الباحث الاجتماعي علي الشعباني يفسر لجوء هؤلاء إلى التكتم « بكون الظاهرة غير معترف بها قانونيا و تتم في الخفاء لأن القانون و إن غض الطرف عنها فهو لا يسمح بشيوعها، إذ هي ظاهرة لا تزال غير مقبولة اجتماعيا و تدخل ضمن العلاقات المحرمة دينيا و المنبوذة أخلاقيا». نفس الأمر أشار إليه الباحث مراد الريفي، الذي أوضح أن الأشخاص الذين يختارون العيش خارج إطار الزواج يفضلون أن يوجدوا لأنفسهم موقعا غير مرئي، أي غيرَ مكشوف وبعيدا عن الأعين، في انتظار أن يصبح هذا الاختيار مقبولا اجتماعيا بسبب أن مؤسسة «الكونكِبِناج» لم تضمن لنفسها بعدُ موقعا معترفا به داخل البنية الاجتماعية.
ترمومتراللجوء إلى التكتم والاحتراس ترتفع درجته أكثر حينما يتعلق الأمر بالطرف الآخر للمعادلة، أي الخليلة، رغم أن المرأة تظل حلقة رئيسة في هذه العلاقة، وإن كانت الحلقة الأضعف فيها بحكم طبيعة المجتمع المغربي الأبيسية، كما يقول مراد الريفي، الذي يوضح أن احتراس المرأة، التي تعيش مع شخص بدون عقد زواج، يعود بالأساس إلى خوفها من المشاكل التي يمكن أن يجرها عليها إعلانها عن وضعيتها وتبعات ذلك على مستوى محيطها الأسري والاجتماعي والوظيفي كذلك. تقول بشرى التي تعيش مع خالد بدون عقد زواج في حي شعبي بمدينة الرباط: «حينما تسألني إحدى الجارات عن زوجي وكيف حاله أجيب بطريقة مقتضبة: لا باسْ عليهْ»، مضيفة: «أشياء كثيرة عن الزواج أكون مجبرة على الإجابة عنها لكن دائما باحتراس». نفس الاحتراس تبديه سعيدة، التي تعيش مع إبراهيم بدون زواج في غرفة بديور المساكين بحي الداوديات في مراكش، رغم أن نوعية الجيران وكذا عملهما معا بأحد الفنادق يجعلانهما بمنأى عن نظرات الفضول. لكن ما يقلق سعيدة أكثر هو خوفها من الحمل وأن يفتضح أمرها مع عائلتها. تعترف قائلة : «الإنسان بينو وبينْ راسو فاش تيفكر تتبانْ ليهْ شي حوايجْ ما هياش. مثلا أنا ديما رادّة البالْ مع الفانيدْ ديالْ الحمل، ودارْنا حتا هوما ما عارفينيشْ آشْ تنديرْ وأنا ما نقدرشْ نكولها ليهوم. وعاد تيكون بعضْ المراتْ خاطرك تيضرك وتتكول آش هادشي تنديرْ وحتى لينْ».
استقرت سعيدة في مراكش عام 2005 قادمة إليها من الجديدة بعدما فشلت في دراستها. في مدينة البهجة اشتغلت في أحد الفنادق حيث تعرفت على إبراهيم. في البدء كان مجرد صديقها وكانت هي تسكن رفقة أخرى في غرفة بحي شعبي، وحين تخاصمتا غادرت المنزل وأخبرت صديقها بالأمر فعرض عليها السكن معه فما كان منها سوى أن وافقت، «هو في الحقيقة والله ما ختارينا ما والو. كونْ ما تصادعتش مع ديك اللي كنت كارية معاها كون راه حْنا باقين غير كيما كنا مصاحبينْ حتى يسهل الله». لا تعلم سعيدة شيئا عن «الكونكبناج» ولا تدري أن هناك أشخاصا آخرين في المغرب يعيشون سوية بدون عقد زواج ولا أن امرأة فرنسية تدعى سيغولين روايال كانت ستصبح رئيسة فرنسا تعيش أيضا رفقة خليل لها بدون زواج. كل ما تعرفه سعيدة هو أن صديقتها وحدها تعيش مثل وضعها «مصاحبة مع واحدْ ساكنْ معاها وعايش بعرق كتافْها». كما أنها تعرف أن الوضع الذي تعيش فيه مؤقت، لكنها في الآن نفسه تخاف أن يتركها خليلها ويتزوج بأخرى «إيلا دارْها غادي يْجيب ليا الدبوحْ. نهارْ يديرها نقجّو».
وضع مثل هذا يبدو لنادية(موظفة) غير طبيعي وغير مفهوم، إذ «ما الذي يجبر امرأة على أن تعيش مع رجل بدون عقد زواج وتغامر بسمعتها وشرفها؟. ربما تكون دوافعه هو مفهومة، لكن بالنسبة إليها، هي، ما هي دوافعها؟. إنها الخاسر الأكبر في هذه العلاقة، فهي قد تصبح حاملا، مثلا، كما يمكن أن يتخلى عنها خليلها في أي لحظة دون أن تستطيع الدفاع عن حقوقها أو المطالبة بأي شيء مادام ليس هناك ما يوثق هذه العلاقة. على الأقل في حالة الطلاق تضمن المرأة حقوقها، لكن خارج إطار الزواج من سيضمن لها هذه الحقوق؟».
حالة سعيدة أو بشرى أو غيرهما تظل حالات محدودة في المجتمع المغربي، حسب الباحث السوسيولوجي علي الشعباني، الذي يرى أن «ليس كل النساء يرغبن في الدخول في مثل هذه العلاقات، فالعلاقة التي لا ضمان لها لا مستقبل لها»، وإن كان غياب دراسات سوسيولوجية و أيضا ميدانية حول المعاشرة بدون زواج في المغرب يجعلنا لا نعرف بالتحديد نوعية الفئات الاجتماعية التي تقبل على هذا النوع من العلاقات، هل هي فقط الفئات المتعلمة، المتحررة، المتحدرة من وسط متوسط أو راق، كما يقول بذلك بعض علماء الاجتماع المغاربة أم أن المعاشرة بدون زواج تستهوي أيضا الفئات الاجتماعية الفقيرة وغير المتعلمة؟. في غياب إذن هذه الدراسات يظل كل شيء قابلا للتأويل.
«كونكِبِناج» على الطريقة المغربية
رغم تعدد حالات «الكونكِبِناج»، فإن المجتمع المغربي ما زال حديث العهد بهذا الاختيار، يقول الباحث مراد الريفي، موضحا أن «غالبية هذه الحالات لا تمثل فعلا ذلك الاستسرار (concubinage) الذي نلاحظه في المجتمع الغربي» بسبب اختلاف الصيرورة الثقافية والاجتماعية لكلا المجتمعين. ف«الكونكِبِناج» في الغرب لا تحكمه عوامل اقتصادية كما هو الأمر في المجتمع المغربي حيث «يمثل الالتزام داخل مؤسسة الزواج عبئا ماديا لا يمكن التخلص منه لأنه يدخل في إطار المسؤولية، وهو ما يشجع على الاستسرار باعتباره اتفاقا مبدئيا على استحالة التحمل المادي من طرف شخص واحد» يقول نفس الباحث، الذي يعتبر من هذا المنظور أن «الكونكِبِناج» المغربي ليس قناعة تحررية راسخة وإنما هو اختيار مؤقت أو تكتيك من أجل الوصول إلى الزواج في انتظار تحسن الأوضاع المادية والاجتماعية عكس «الكونكِبِناج» الغربي الذي تحكمه فلسفة تحررية ويتميز بطابع الاستمرارية، مستفيدا من مجموعة من الامتيازات، كما هو الأمر مثلا في هولندا وفرنسا (الميثاق المدني للتضامن PACS )، ما دام سلوكا معترفا به عكس ما هو عليه الحال في المغرب حيث يضطر الأشخاص الذين يرفضون مؤسسة الزواج ويختارون «الكونكِبِناج» إلى إيهام المحيطين بهم بأنهم متزوجون، وهذا نوع من التناقض يعيشه «الكونكِبِناج» المغربي، حسب الباحث مراد الريفي، نتيجة رفض المنظومة المجتمعية لوضعية «الكونكِبِناج»، لأن المجتمع المغربي في آخر المطاف ما يزال مجتمعا تتحكم فيه بنيات تقليدية رغم وجود إرهاصات بالتحول. لكن إلى أية درجة ستظل هذه البنيات صامدة أمام سيل العولمة الجارف الذي ارتمى فيه المغرب؟
ومن «الكونكبناج» ما قتل... جرائم قتل سببها المعاشرة بدون عقد زواج مثل كل العلاقات تنتهي المعاشرة خارج مؤسسة الزواج أحيانا نهاية مأساوية. نساء أجهضن وأخريات تخلى عنهن خلانهن بعدما اكتشفوا حملهن، وبعضهن وجدن أنفسهن خلف قضبان السجن بتهمة الفساد... لكنْ حين تدفع هذه المعاشرة نحو القتل، ينكشف الوجه الآخر ل«الكونكبناج» المغربي، الوجه الدامي.. يقتلها ابنها بسبب خليلها في 10 يناير 2007، عثر رجال الأمن بفاس على امرأة مقتولة بفناء منزلها، بعدما اكتشفت ابنتها الصغيرة جثتها حين عودتها من المدرسة. بعد معاينتها، تبين للشرطة القضائية أن الضحية لا تحمل أي آثار تعذيب وأنها ماتت مخنوقة. كل الاحتمالات كانت واردة، لكنْ لا أحد كان يتوقع أن الضحية لفظت أنفاسها الأخيرة على يدي ابنها الذي كان غائبا عن المنزل حين اكتشاف الجريمة. وحدها شهادة إحدى الجارات التي رأت الابن يغادر المنزل مرتبكا في منتصف النهار، وقت وقوع الجريمة، ستُدخل الشاب قفص الاتهام. أوقف رجال الشرطة المتهم وحققوا معه. وفي الأخير اعترف أنه قتل أمه كي ينتقم منها! السبب؟... يحكي الابن القاتل أن أمه المطلقة مرغت سمعته في الوحل بسبب تصرفاتها المشبوهة، وأنه اكتشف بعد عودته من تطوان حيث كان يعمل بناء أن أمه تعيش بدون عقد زواج مع سائق شاحنة وأنها أنجبت منه طفلة. حاول الابن إرغام أمه على إيقاف علاقتها بخليلها، لكنها رفضت وطردته من المنزل، فرجع مرة أخرى إلى تطوان، وفي نهاية 2006 عاد من جديد إلى فاس وحاول إعادة المياه إلى مجاريها وإقناع أمه من جديد بوقف علاقتها بخليلها، لكنها ظلت متشبثة بهذه العلاقة، رغم ما كانت تجلب له من عار، وهو ما دفعه إلى التفكير في الانتقام منها. اشترى حبلا من أحد الباعة وظل يترقب الفرصة المناسبة لتنفيذ جريمته، وهذا ما حدث بالفعل يوم 10 يناير، إذ كان المنزل خاليا سوى من أمه، فانقضّ عليها وخنقها بالحبل الذي اشتراه إلى أن سقطت جثة هامدة. بعد اعتراف الابن بجريمته، أحالته الشرطة على العدالة بفاس بتهمة القتل العمد في حق الأصول. فتيحة تقتل على يد خليلها «فتيحة» هي الأخرى وجدت مقتولة بأحد أحياء الدار البيضاء سنة 2007. القاتل هذه المرة كان خليلها. تعرفت عليه الضحية سنة 2006 بالحي المحمدي. كانت تبلغ آنذاك 36 سنة وكان هو يكبرها بعشر سنوات. كانت «فتيحة» بدون مأوى قار فاقترح عليها (ع.ر) العيش معه بمنزله فوافقت وأصبحت منذ ذلك الوقت خليلته. قضت معه حوالي سنة إلى أن قبض عليه رجال الأمن بتهمة المتاجرة في الحشيش، فتركها وحدها بالبيت. لكنْ بعدما أُفرج عنه وجدها قد غادرت المنزل وباعت كل أثاثه. بعد أسابيع قليلة فقط التقى بها، وبعد مواجهتها بالأمر أنكرت فصحبها إلى منزله حيث قرر الانتقام منها. وبعد أن لعبت الخمر برأسه، شرع يعذبها بحرق أعضاءَ من جسدها، ثم هوى في النهاية بكرسي على رأسها، أنهى كل علاقة لها بالحياة. ألقت الشرطة القبض على (ع. ر) وقدمته للمحاكمة وكان المؤبد هو نصيبه. وهيبة تقتل رضيعتها بسبب تخلي الخليل عنها لا تكون الخليلة دوما هي الطرف الضعيف في المعادلة. إذ في عدد من الجرائم، التي ارتكبها أشخاص يعيشون سوية خارج مؤسسة الزواج، تتحول الخليلة من مجرد ضحية إلى مجرمة أو تلعب الدورين معاً كما حدث ل«وهيبة» (من مواليد 1985) التي ألقت برضيعتها يوم 26 شتنبر 2007 في بئر بدوار مشيشي ناحية عين السبع بالدار البيضاء بعدما تخلى عنها خليلها. في اليوم الموالي اكتشف سكان الدوار جثة الرضيعة طافية على سطح ماء البئر فأعلموا المصالح الأمنية بدائرة أناسي. وفي نفس اليوم ألقي القبض على الأم القاتلة وهي تحوم حول مسرح الجريمة. وأمام سيل أسئلة رجال الأمن التي حاصرتها، انهارت «وهيبة» واعترفت بأنها هي من ألقت بابنتها في البئر، وأنها كانت تعيش مع خليلها في منزل عائلته بالحي المحمدي، بعدما تعرفت عليه قبل سنتين ونصف، و أنها حملت منه، ووضعت ابنتها في مستشفى محمد الخامس، لكن لما عادت للعيش من جديد مع أسرة خليلها بدأت المشاكل تتناسل بكثرة، وساءت علاقتها بأفراد العائلة نتيجة الشجارات المتكررة معهم، فأدركت أنها أصبحت غير مرغوب فيها فغادرت المنزل بعد أن تخلى عنها خليلها وأسرته. قررت «وهيبة» التوجه بعد ذلك إلى الحي الصناعي بحثا عن مكان خال لتنفيذ جريمتها، وهناك وجدت بئرا كانت مناسبة للقيام بمهمتها . بعد اعترافها بالجريمة، توبعت «وهيبة» بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والفساد الناتج عنه حمل. كما ألقي القبض على خليلها وتمت متابعته بالفساد. تطعن خليلها في القلب بعدما رفض الزواج بها عكس «وهيبة»، ارتأت «ح.ل» أن تصفي حسابها مع خليلها شخصيا بعدما رفض الزواج بها. «ح. ل»، التي تبلغ من العمر 31 سنة، وتعمل نادلة في أحد الملاهي الليلية، كانت تعيش مع خليلها، الذي يعمل في أحد الفنادق، في شقة وسط المدينة الجديدة بفاس، وصباح الأربعاء 28 نونبر 2008 فاجأت المتهمة خليلها وهو مستلق على سرير النوم فطعنته بسكين في قلبه انتقاما منه على رفضه الزواج بها. وعشية اليوم نفسه اعتقلت الشرطة المتهمة وأحالتها على النيابة العامة بتهمة الفساد والقتل العمد. تتنوع مثل هذه الحكايات، تتبدل تفاصيلها وكذا الأمكنة والأشخاص، لكن يبقى دوما هناك مجرم و ضحية، و إن كان القانون يضعهما سوية في قفص الاتهام ماداما يعيشان معا خارج مؤسسة الزواج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.