"في أفق الانتخابات القادمة، يبرز دور الشباب المغربي في الساحة السياسية على أكثر من مستوى، ... هل ستكون هذه الاستحقاقات الانتخابية فرصة للشباب للعب دور أكبر؟ وهل الظروف مواتية أمام هؤلاء الشباب؟ وهل تدفع الأحزاب السياسية بشبابها إلى الواجهة؟"، أسئلة كان المفروض أن تؤطر نقاش وتحليل موضوع حلقة الثلاثاء 24 فبراير 2015 "الشباب والسياسة" ضمن برنامج "قضايا وآراء" الذي تبثه القناة الأولى؛ وباستحضار الذكرى الرابعة لحركة 20 فبراير، من جهة، وانتهاء عملية تحيين اللوائح الانتخابية، وانطلاق حُمى الاستحقاقات الجماعية خريف السنة الجارية هذا إذا لم ترجأ مرة أخرى بدعوى تزامنها مع عيد الأضحى لأكثر من سبب تتوفر كل الشروط ليكون النقاش قيما ومفيدا وممتعا، وربما يشكل فرصة مواتية لإقناع الشباب بالانخراط في الحياة السياسية، غير أن ظني وربما ظن نسبة مهمة من المشاهدين خاب، حيث زاغ النقاش عن المسار المحدد واستحال تقاذفا سياسويا عقيما يؤكد بؤس المشهد السياسي ويرسخ ألا جدوى من المشاركة في لعبة انتخابية، لم يرق بعدُ الوعي السياسي لدى النخب الشابة هذه المرة ولم يبرحْ سطحية مزمنة تستغفل ذكاء الشعب. نشير بداية إلى ملاحظة جوهرية تتعلق بطبيعة المدعوين لهذه الحلقة، فعلى أي أساس تم الاختيار ووجهت الدعوة لممثلين حزبيين: العدالة والتنمية والحزب الاشتراكي من الأغلبية، وحزب الاستقلال والأصالة والمعاصرة من المعارضة، وكأن المشاركة السياسية تختزل في الهيئات الحزبية؟ ولماذا تم تغييب الهيئات المقاطعة للانتخابات والفاعلين في هيئات المجتمع المدني، مثلما تم تغييب الباحثين والأكاديميين؟ ألا يمكن أن يُسهم التنويع في إغناء النقاش؟ وحتى إذا سلمنا بحضور ممثلين حزبيين، فالأولى أن يتخلصوا من ذواتهم الحزبية ويتحدثوا باسم الشبيبات جميعها وأن يعكسوا نبضها، وإلا فالمنطق يقتضي تخصيص حلقات أخرى لتمكين بقية الهيئات في إطار تكافؤ الفرص ورفض الإقصاء لتدلي بآرائها في الموضوع. "الشباب والسياسة" محور حلقة كان مقررا أن تسلط الأضواء على موقف الشباب من السياسة انخراطا وعزوفا، غير أنه سرعان ما أخذ النقاش مسارا مخالفا للمتوقع، وراح كل متدخل يتغنى بِليْلاه مغتنما الفرصة للدعاية لحزبه موجها وابلا من الاتهامات لغريمه، فممثل العدالة والتنمية يثمن أداء الحكومة، ورئيسها تحديدا الذي في نظره أسس لخطاب سياسي واقعي تجاوب معه المغاربة متجاوزا الخطاب الخشبي المعهود منذ سنوات، وممثل الحزب الاشتراكي يمجد مدرسة الحزب التي خرّجت أطرا سياسية تمرست على معانقة هموم الشعب، وممثل شبيبة حزب الاستقلال يزهو بتاريخ الحزب وتغلغله في وجدان الشعب المغربي، تؤكد ذلك نتائج ورتب الحزب في جميع الاستحقاقات، من جهته، ممثل حزب الأصالة والمعاصرة، ركز على عثرات أداء غريمه التقليدي ومحذرا من أخْوَنتِه للدولة والمجتمع. على امتداد زمن الحلقة، وبغض النظر عن صحة ما تدُووِل من اتهامات واتهامات مضادة، كان الضحية هو محور الحلقة: "الشباب والسياسة"؛ الشباب الذي يُعول عليه ليكون أمل بلاده، ما السبيل لتأهيله ليضطلع بما يُنتظر منه من مهام وتحديات مستقبلية؟ وما الجهات المعنية بهذا التأهيل؟ وهل المؤسسات الحزبية شبيباتٍ وجمعياتٍ ونوادٍ تجذب الشباب بحيويتها ونجاعة برامجها؟ وما نسبة الشباب في الهياكل الحزبية العليا؟ والضحية الثانية السياسة بما هي تدريب وممارسة للمواطنة الحقة إفادة من طاقات الشعب، كل الشعب، حتى لا تحتكر السياسة من طرف فئة محدودة يُتوارث ريعها بين الأبناء والحفدة: اللوائح المخصصة للشباب والنساء نموذجا. السياسة تدريب على المسؤولية وترسيخ للإيجابية بالاقتراح والنقد والتوجيه. وعليه، ما الذي أحال الفعل السياسي المغربي عقيما، حتى شبّه الملك الراحل الحسن الثاني البرلمان بالسرك؟ وما السبيل لاسترجاع الفعل السياسي جاذبيته وتنافسيته على أساس البرامج وخدمة مصالح الشعب، عوض التهافت على الحظ من كعكة الريع السياسي؟ أكيد أن المشهد السياسي يشكو الكثير من الأعطاب والعلل، وعلى رأسها العطب الدستوري الذي لا يلغيه اجترار خطاب مفاده أن دستور فاتح يوليوز2011 منح للجهاز التنفيذي صلاحيات واسعة: رئاسة الحكومة نموذجا، حيث تغدو الاستحقاقات البرلمانية تحديدا شكلية مطلوبة لذاتها لتسويق صورة مزيفة للديمقراطية، ذلك أنها تفرز برلمانا وحكومة مشلولة وبصلاحيات شكلية. ومنها ما هو حزبي، حيث تغيب الديمقراطية الداخلية ويُهيمن منطق "الكَوْلَسَة" وإقصاء المنافسين، الأمر الذي يفضي للتفريخ الحزبي وما ينتج عنه من إضعاف للأحزاب. ومنها ما هو تنظيمي يؤول إلى القوانين المنظمة للانتخابات بدءاً بالتقطيع ونهاية بالعتبة التي تذكر بالخريطة المدرسية، حيث يسمح بالانتقال دون تحصيل الكفايات المطلوبة، ولو في حدها الأدنى. ومنها ما هو إداري قضائي، إذ لا ترتبط المسؤولية بالمحاسبة، وإلا متى توبع مسؤول سامٍ لتقصيره في مهامه؟ ومتى استقال مسؤول اقتناعا منه أنه أخفق في واجبه؟ ألم يُصرح رئيس الحكومة غداة حادثة سير "تيشكا" المفجعة قائلا: "إن الحكومات في البلاد الديمقراطية تستقيل على أقل من هذا". أو كما قال. قد يقول قائل: وما قولك في موقف وزير الشباب، ألم يلتمس الإعفاء من مهامه ارتباطا بما يُعرف ب"السطل والكراطة"؟ الجواب: الوزير المعني اضطُر لطلب الإعفاء أو أمِر بذلك رضوخا لتعليمات الجهات العليا، في وقت كان حزبه يستعد للتهديد بمغادرة مركب الحكومة إذا استمر الضغط استمرار الضغط وليس المتابعة على وزيره، قبل دخول الديوان الملكي على الخط، والملك يومها كان خارج البلاد. وخلاصة القول: إن أداء ممثلي الشبيبات في البرنامج زكّى بؤس الواقع السياسي، ما دام ممثلو الشبيبات الحزبية نسخا للزعامات الحالية المسؤولة بنسب متفاوتة عن التردي السياسي قبل غيره من المجالات، كما أن البرنامج أخطأ الهدف والغاية: ترغيب الشباب في العمل السياسي وتسويق صورة مغرية ومشرقة لمغرب ما بعد فاتح يوليوز، حيث هامش ما زلنا في الهوامش، ولم نلج بعد الحلبة الحرية قد اتسع، وفرص الانخراط في الإصلاح قد توفرت. والعُهدة على الخطاب الرسمي. إذن، والحالة هذه، لم يجِدّ في الحياة السياسية ما يُغري الشباب بولوج هذا المعترك، ولعل نسب الإقبال على التسجيل في اللوائح الانتخابية تحمل رسالة بليغة للعازفين على وتر الإصلاح من داخل المؤسسات تسويقا لنموذج الاستثناء المغربي خصوصا، ولمن يُهمُّهم أمر البلد ومستقبله عموما.