في الآونة الأخيرة ، وبمناسبة العواصف الثلجية التي اجتاحت أغلب مناطق هذا الإقليم العزيز، وما صاحبها من برودة وانقطاع للطرق والمؤن والماء والكهرباء والتواصل والمواصلات ... ، قرأت في أكثر من مقال لأصحابهم في هذه البوابة كيف أن بعض من أوكل إليهم أمر الشأن المحلي تهاونوا وتقاعسوا في الاستجابة لطلبات ونجدة بعض السكان المتضررين والمرضى ، يستحبون مكاتبهم المكيفة ويستحلون كراسيهم الجلدية وسياراتهم الفارهة ومساكنهم الجميلة. ذنب هؤلاء الآدميين السقُم هو حظهم النحس وقدرهم السيء الذي انتمى وعلا وصعد بهم قمم الجبال ، ذنبهم أيضاً وحسبهم على آبائهم وأجدادهم الذين استوطنوا الأعالي قديماً ولزموها ووطّنوا فيها أبناءهم الوديعين ، يأكلون ويشربون ويتناسلون ويتكاثرون ويموتون فيها ولايبرحونها أبداً ، يسكنون مآوي طينية بالكاد تقيهم غضب الفصول المتعاقبة ، فيمَ فضل قدَر غيرهم أحياء المدن وهوامشها والأراضي المنبسطة والدافئة والقريبة .... ، أغلب هؤلاء الجبليين يحيون حياة ما منها إلا العوز ، والشقاء الأبدي في بلدهم الغني. وبالمقابل ، أسوق حادثة قد تبدو غريبة ، على الأقل بالنسبة إلينا نحن عامة الناس ، ذلك وأنا أتجول في إحدى الحدائق ، رأيت الناس يتجمهرون في إحدى الأركان ، اقتربت من المكان وتوقعت رؤية شخص مصاب ونازف ، هكذا عادتنا نحن دائماً في بلادنا ، نحتشد في المظاهرات والإضرابات والشجارات وحوادث السير فقط ... وصلت الساعفة مطلقة صفارة التنبيه ، فسح المحتشدون السبيل ورأيت المكان فارغاً إلا من قطة صغيرة . نزل المسعفون من السيارة ونقلوا القطة في صندوق بلاستيكي جميل بعد رشها ومسحها من الأتربة وضمها في منشفة قماشية ، سألت شخصين كانا يتكلمان اللهجة اللبنانية ، عرفت أحدهما من شارة الأرز يحملها على صدر معطفه ، أجابني أحدهما بأن الساعفة حضرت لنقل قطة مهملة وستتم إذاعتها في الأخبار التلفزية المحلية المسائية لعل صاحبها يتعرف عليها فيحضر لتسلمها . إن كان الأمر هكذا سيتم لومه وتوبيخه ، وقد يؤدي غرامة مالية جزاء إهماله للقطة ، حدث هذا في إحدى دول البحر المتوسط ويحدث دون شك في البلاد الأخرى . هكذا فعلوا لإسعاف قطة صغيرة ، ما بالنا بإسعاف الناس.... نحن أيضاً لدينا مسعفون يعملون لإنقاذ أرواحنا العزيزة عليهم ، ولكنهم يحضرون في كثير من الأحايين بعد أن يحصل البأس وتحل الفأس في الرأس ويعزون أسباب التأخير إلى العدم في كل شيء....، عندما يصلون يفوت الأوان وتكون الأرزاء ثقيلة وعميقة ما على المصابين إلا جرع مرارتها . ثم نلجأ إلى القدر والمكتوب والغيب وننتصح ونوصي لبعضنا بالصبر واحتساب الأجر وانتظار الخلف والعوض والبدل حتى يسود هولنا ونألف حالنا من جديد . وهكذا في كل مرة ، تعود المصيبة ويتكرر معها كل شيء ، إلا من صادفته في طريقها. وإنني أغتنم كتابة هذا المقال لأتوجه بالتقدير إلى السيد مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين على جهة تادلا-أزيلال الذي لا يتهاون ولا يتأخر في زيارة المواطنين الذين تصيبهم وتلحقهم مختلف الأضرار ، زياراته العديدة لهم على تراب الجهة عنوان للمواساة والمساعدة والإنسانية ، والواجب الوطني قبل كل شيء.