إن الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني لا تحصى، إلا أن بعض تلك الجرائم تؤرخ من باب غرابتها أو القتل من اجل القتل وهذا ما حدث مع شاب من القدس قتل يوم الجمعة قبل الماضي. ففي ذلك اليوم رشق عدد من الفتيان الفلسطينيين قوات الاحتلال الإسرائيلي بحي واد الجوز بالقدس، ولاذوا بالفرار فما كان من جنود الاحتلال إلا إطلاق النار على شاب كان يقود سيارته في تلك المنطقة. وأكدت مصادر حقوقية الثلاثاء بأن زياد محمد بدوي الجولاني الذي استشهد يوم الجمعة 13 يونيو الجاري بينما كان يقود سيارته في حي واد الجوز بالقدس قتل برصاصتين أطلقهما جندي إسرائيلي بعد أن وضع فوهة سلاحه على ذقن ذلك الجريح الذي كان ملقى على الأرض جريحا. وأكدت وحدة البحث والتوثيق في مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية بأن إفادات شهود العيان تؤكد بأن الشهيد الجولاني قتل بدم بارد ومن مسافة صفر بعد إطلاق النار عليه وإصابته، وبدلا من اعتقاله قام أحد الجنود الإسرائيليين بالإجهاز عليه، فيما منع الجنود إسعافه واعتدوا على قريب له بالضرب العنيف عندما حاول مساعدته وتقديم الإسعاف له، فيما سادت حالة من الإرباك بين الجنود وانتابت بعضهم حالة من الهستيريا. ونقل المركز الحقوقي رواية شاهد العيان اسمر عزمي صبحي قطينة المعروف بأحمد قطينة حيث قال: في يوم الحادث كنت اجلس في شقتي الواقعة في الطابق الثالث من المبنى الواقع في حوش الهدمي في حي واد الجوز- بالقدس- كانت الساعة 13:45 بعد الظهر، وفجأة سمعت أصوات صراخ باللغة العبرية، لم أفهم ما قيل خلال هذا الصراخ، فصعدت إلى سطح المبنى، وشاهدت سيارة تندر ميتسوبيشي ماغنوم بيضاء اللون تتوقف في الثلث الأول من مدخل حوش الهدمي عند نافذة دار العكرماوي، أي على بعد 15 مترا من منزلي. ترجل من السيارة شاب طويل القامة، ابيض اللون، يرتدي قميصا مخططا ابيض واحمر، لم يطفئ محرك السيارة عندما نزل منها وترك بابها مفتوحا، وكان يركض باتجاه داخل الحوش، وعلى بعد 3- 4 أمتار ثلاثة من جنود حرس الحدود كانوا يركضون خلفه وهم يطلقون النار. وبعد أن قطع الشاب مسافة 3 أمتار تقريبا حيث أصبحت حركته بطيئة واختل توازنه، واعتقد انه أصيب برصاصة، وعند دار هشام أبو غزالة، وقع أرضا على الجانب الأيمن على ما اعتقد، وعلى الفور وقف عند رأسه احد الجنود الثلاثة وكان حليق الرأس، ضخم البنية، طويل القامة، ووضع هذا الجندي قدمه اليمنى على رقبة الشاب الملقى أرضا، كما وضع فوهة السلاح - الذي لا اعرف نوعه ولكنه كان سلاحا طويلا - مباشرة على ذقن الشاب، وكان يقف خلفه الجنديان الآخران، حيث قام ذلك الجندي بإطلاق رصاصتين على ذقن الشاب دون فاصل زمني بين الطلقتين، وعلى الفور قام احد الجنود بالجلوس على الأرض قرب منزل دار قرش، بينما انتابت الجندي الذي أطلق النار على الشاب حالة من الهستيريا، وأصبح شديد العصبية وبدأ يصرخ بكلمات لا اذكرها، ثم وجه سلاحه نحو الناس الذين كانوا يقفون على أبواب المنازل وعلى النوافذ، طالبا منهم الدخول إلى منازلهم، بينما العرق يتصبب من جبينه، وأخذ يقفز من مكان إلى آخر. أما الجندي الثالث فكان يصرخ على الناس ويردد «ادخلوا إلى بيوتكم». واعتقد أن الجنود الثلاثة كانوا يشعرون بالخوف لأنهم وحيدون داخل الحوش، بينما كانوا يحاولون التستر على وجود شاب مصاب بجروح خطيرة في المكان، خاصة أن الشاب كان بجانب سيارة فورد كونيك تحجب الرؤية عن وجود احد بجانبها ملقى على الأرض، أما إطلاق النار فتوقف بعد إطلاق الرصاصتين على ذقن الشاب كما ذكرت. بعد ذلك نزلت إلى بيت الدرج وبدأت أراقب الوضع من خلال نافذة بيت الدرج التي تطل من الشارع من الجهة الشمالية للحوش، وحينها شاهدت محمود الجولاني ابن خال زياد - يخرج من منزله المقابل لمنزلي ويتوجه نحو الجنود وكذلك عادل الهدمي خرج هو الآخر من منزله الواقع في نهاية الحوش وقال للجنود إن الشاب جريح ويجب مساعدته، فرد عليه الجندي الذي أطلق الرصاصتين على ذقن الشاب (أنا قتلته.. ادخل إلى بيتك). في تلك الأثناء كان محمود يحاول التوجه نحو الشاب المصاب، حيث قال له الجنود بالعبرية 'كانيس هبيتاه' أي أدخل إلى البيت فرفض محمود فقام الجنود بالهجوم عليه، وضربه أحدهم بمخزن السلاح المشط - على رأسه، وضربه بقية الجنود أيضا، فوقع محمود أرضا، وكان عادل الهدمي يحاول إبعاد الجنود عن محمود، ثم اقتحم الحوش عدد كبير من الجنود وقاموا بإبعاد الناس الذين هبوا لمساعدة محمود الجولاني وحين حضر شقيق محمود ويدعى محمد وعدد من الشباب من المدخل الوحيد للحي، طردهم الجنود بينما كان محمود لا يزال ملقى على الأرض، كما منع الجنود أم محمود وشقيقته من الوصول إلى محمود. وبعد ذلك جاء طاقم إسعاف الهلال الأحمر، وكان يرتدي الزي البرتقالي، لكن الجنود منعوا المسعفين من الوصول لمحمود أو للشاب الذي كان جريحا بإصابات خطيرة في منطقة الوجه وكان ما زال يتحرك وهو على الأرض، واعتقد أن طاقم الإسعاف لم يتمكن من اخذ محمود والشاب الآخر إلا بعد سبع دقائق! حيث قام مسعفان بحمل الشاب زياد الجولاني من يديه وقدميه إلى سيارة الإسعاف بينما قام مسعفون آخرون بأخذ محمود فيما بعد. وبعد ذلك نزلت إلى الحوش وشاهدت القوات الخاصة التي جاءت فيما بعد وكانت ترتدي الزي الأسود، بدأت تلك القوات بتفتيش سيارة الضحية زياد الجولاني حيث كنت أقف قربهم وأشاهد كما شاهد الجيران عملية تمزيق فرش السيارة وتفتيش سقف السيارة كذلك، فيما محرك السيارة في حالة دوران، وتم جرها بواسطة ونش، وبقي رجال المخابرات وعدد من الجنود في الحوش لمدة ساعتين تقريبا، حيث أغلقوا المنطقة، ولكنهم لم يدخلوا إلى منازل الحوش ولم يتكلموا مع أحد. أما الشاب محمود عثمان الجولاني والذي تعرض للضرب المبرح خلال محاولته إنقاذ حياة الشهيد فقال: (في يوم الحادث المشؤوم كنت متواجدا في بيتي في حوش الهدمي بواد الجوز، وعندما سمعت إطلاق نار كثيف خرجت على الفور ووقفت على باب المنزل الخارجي، فشاهدت جنديين من حرس الحدود على مسافة 15 مترا، وكان احدهما واقفا بينما كان الآخر جالسا على درج عائلة العكرماوي، وقربهما سيارة طا كسي لونها ابيض، ورأيت احد الجيران ويدعى عادل الهدمي يخرج من منزله ويقول للجندي الذي كان واقفا عند سيارة الأجرة بأن هناك حاجة لاستدعاء سيارة إسعاف، فرد عليه هذا الجندي الذي يشبه الروس - متوسط القامة وكان ضخم البنية، أشقر - قائلا: ادخل إلى منزلك ولا تتدخل، فأنا الذي قتلته، وذكر عبارة «أنا الذي قتلته مرتين»). وكان الحوار يدور بين عادل والجندي باللغة العبرية. وأضاف: (في هذه الأثناء لم أدرك بأن هناك شخصا مصابا أو جريحا وبحاجة لسيارة إسعاف، وذلك لان سيارة الطاكسي كانت تحجب الرؤية عن وجود هذا الشاب الملقى على الأرض. في حين طلب مني الجنود الدخول إلى المنزل، ففعلت، وبعدها تلقيت اتصالا هاتفيا من أخي محمد الذي كان يقف خارج الحوش ولا يستطيع الدخول بسبب منع جنود آخرين له من الدخول، يطلب مني الخروج من المنزل وفحص ماذا حدث مع ابن عمتي زياد ففعلت، وعندما وصلت عند بيت قطينة - بيت اسمر قطينة شاهد العيان على حادث القتل - أي على بعد أمتار من منزلي رأيت ابن عمتي زياد الجولاني ملقى على الأرض ورأسه اتجاه الأسفل أي كان رأسه باتجاهي، ولا اذكر إن كان زياد نائما على بطنه أو ظهره، ولكنه كان يتحرك، ولم يكن في الحوش سواي أنا وثلاثة جنود، بينما الدماء تسيل من وجه زياد الذي تفجر من شيء ما، فاقترب مني الجنود وقالوا لي «عد إلى بيتك» ، فقلت لهم «انه ابن عمي»، وعلى الفور وبدون مقدمات هاجمني الجنود الثلاثة بالضرب بواسطة العصي، وشاركهم في ضربي أفراد آخرون من القوات الخاصة يرتدون الزي الأسود، وكانوا يركزون بالضرب على منطقة الرأس، فوقعت أرضا وكنت اصرخ من الألم خاصة أنني شعرت بأن رأسي انقسم إلى نصفين والدماء بدأت تسيل على وجهي واستمرت عملية ضربي لمدة دقيقتين أو ثلاث دقائق!. وخرج أهالي الحوش من منازلهم وتجمعوا حولي فابتعد الجنود، وجاء طاقم الإسعاف وقام بنقلي إلى سيارة الإسعاف، واعتقد أن عملية نقلي تمت قبل نقل ابن عمتي زياد، حيث كنت في حالة لا استطيع رؤية أو تمييز أي شيء حولي. وفي المستشفى قدم الإسعاف الأولي لي حيث وضعت الشاش الأبيض على رأسي، وقال الأطباء إن هناك حالة خطرة وصلت المستشفى، وتركوني وتوجهوا إلى غرفة أخرى حيث سرت خلفهم ورأيت ابن عمتي زياد نائما على السرير، وكان ما زال يتنفس، ورأيت ثقبا في ذراعه الأيسر، وثقبا آخر بالخصر الأيسر قرب البطن، وثقبا ثالثا بالوجه عند منطقة الذقن اليسرى وثقبا رابعا عند الأذن اليمنى. وكان الفك الأيمن لزياد مفتوحا وكأنه قد تفجر. وبعد ذلك بثوان أعلن الأطباء عن وفاة المرحوم زياد وتم لئم الجرح الذي برأسي ب 1520 غرزة.