إلى دمنات ساقتني المقادر ...عسى أرقى لملقاه الأكابر ...وتغمرني المواهب كل حين ...ونلقى كل فضل فيها زاخر ...فأهلا ثم أهلا ثم أهلا ...قطب نفسا فاني فيك ناضر .هذه القصيدة قالها الشيخ العلامة الجليل محمد بن محمد الحجوجي في دمنات رحمه الله .لكن دمنات اليوم لم تجد من يكتب عليها شعرا فرغم تاريخها العريق الذي تشهد عليه أسوارها ودورها التاريخية كونها كانت مركزا تجاريا مرحليا بين المدن التاريخية الكبرى للمملكة "مراكش،فاس،مكناس،من جهة وبين منطقة درعة تافيلالت من جهة أخرى بحيث تستقبل القوافل القادمة من الشرق ومن دول إفريقيا شبه الصحراء ،كما لعبت دورا مخزنيا في فترة الحماية الفرنسية بفضل موقعها الاستراتيجي لمراقبة سكان الأطلس الكبير والمتوسط،كما بلغت نسبة اليهود قرابة 1726نسمة في إحصاء 1882 وشتهرت بطابعها التقليدي الذي يضعها في خانة المدن العتيقة كونها محاطة بسور لحماية المدينة ،فسورها الذي بني في عهد محمد ابن عبد الرحمان 1859/1873م وله أربعة أبواب "كباب العيد"سمي كذلك لأنه يؤدي إلى مصلى صلاة العيد ويقع عند نقطة الاتصال بين القصبة ورياض القايد "باب اكادين"يفضي إلى حي ارحبي "باب افشتالن"شرق القصبة "باب اعرابن "يسمى كذلك لأنه مدخل للقابل العربية نحو المدينة "قبائل السراغنة" ،الرحامنة "وسور القصبة" أقدم أسوار المدينة يحيط بالقصبة وله باب واحد وكانت القصبة مركز سلطة المدينة و أعوان المخزن،ويوجد قصر مولاي هشام المعروف بدار مولاي هشام فدمنات يرجع اسمها لغويا إلى كلمة جمع مستخرجة من المعجم الفلاحي تعني باللغة المازيغية المحلية "الأراضي الخصبة" فمفرد الكلمة "دمينت"وبالتالي الجمع هو دمنات كما لا ننسى الرحالة والمستشرق " شارل دو فوكو " الذي زار المنطقة قبل الحماية فضلا عن ليون الإفريقي الذي ذكرها في كتابه الذي عنونه ب "وصف إفريقيا" في بداية القرن 16م حيث تحدث عن دمنات قائلا"...تضم هذه المدينة عددا من الدباغين والسراجين وغيرهم من الصناع،وفيها الكثير من اليهود بعضهم تجار وبعضهم صناع كذلك..."كما تخللت المدينة مجموعة من الأضرحة من بينها" ضريح تابلوحت"و"ضريح داوي الدراع" المخصصين للساكنة اليهودية ،هذا وان التعايش الثقافي كان السمة الغالبة داخل الوسط الدمناتي بكل تجلياته وأبعاده، وعلى الرغم من هذا التاريخ الحافل بالعطاءات و الأمجاد ألا تستحق هذه المدينة التفاتة تعيد لها اعتبارها وانتشالها من براثين البؤس والنسيان ألا يحق لهذه المدينة أن تستقل بذاتها وتأسس لنفسها عمالة خاصة بها وأن تنسلخ عن عمالة إقليمأزيلال كما حدث أن استقلت من قبل عن مراكش وقلعة السراغنة، أليس من حقها وهي تنتمي لهذه الأرض المباركة؟ دمنات المقدرة ساكنتها حوالي 200.000 نسمة تعاني منذ سنوات مضت ويلات العزلة والتهميش واللامبالاة والتدهور الذي لحقها ومن افتقارها للخدمات الصحية و التعليمية والطرقية وتغييب وتناسي ساكنتها لكل مطالبها في الشغل والكهرباء والماء الصالح للشرب .فدمنات تعاني من غياب أطباء مختصين بالوحدات الصحية المتوفرة المفتقرة لأدنى التجهيزات والموارد البشرية الكافية ،زد على ذلك المعاناة اليومية التي تعاني منها الساكنة بفعل"بعد الإدارة على المواطن "وليس العكس "تقريب الإدارة من المواطن" فهذا الوطن أصبح كل شيء فيه مقلوب ومعكوس ومنحوس إن صح القول ،فمرارة المواطن الدمناتي أشبه بالمعاناة السيزيفية او البروميسية ،كونه يعاني من ترحال مستمر صوب مركز العمالة بازيلال والتي تبعد 70كلم بعتبارها" مركزا إداريا وصحيا لقضاء مصلحة ما أو من اجل التطبيب ألم يان الأوان أن تصبح دمنات مستقلة بذاتها فتنفصل عن عمالة أزيلال ؟ألا يجب إعادة الروح لهذه المدينة البئيسة ؟أليس من حق المواطن الدمناتي بإحداث عمالة جديدة بدائرة دمنات تكون هذه الأخيرة مركزا لها ، سيما وأنه لا ينقصها شيء بفضل ما تزخر به من موارد طبيعية وسوسيو ثقافية ،ألا يجدر بهذه المدينة أن تكون في مصاف المدن العريقة إن استحداث "عمالة دمنات" لكفيل بإعادة توزيع الثروات على مجموعة من الجماعات التي ظلت مهمشة ، والتي كانت ولا تزال تعاني الويلات والموت في صمت رهيب ،إن سياسة ذر الرماد على العيون إلى جانب سياسة التناسي والتنكر كان السمة الغالبة التي تسم هذه المدينة وان بعض رجالاتها قد أداروا ظهورهم وتنكروا لها في المحافل البرلمانية والمجالس البلدية المتعاقبة ،وتبرءوا منها كما تبرأ الذئب من دم يوسف وكأني بمدينة دمنات وهي تتلقى الطعان من أبنائها الأبرار تردد على لسان طرفة بن العبد قوله الشهير "وظلم ذوي القربى أشد مضاضة...على المرء من وقع الحسام المهند" أليس في مدينتنا رجل رشيد يستطيع ان ينتشل المدينة من بئر سحيق لا قاع له ولا قرار ، كما فعل الوزير السابق إدريس البصري بإقليمسطات علاوة على ما يفعله اليوم فؤاد على الهمة بإقليم الرحامنة حيث جعله قطبا إداريا واقتصاديا مرموقا أليس من المعقول نحن الدمناتيين ان ننهج مقاربات تشاركية وتوسيع دائرة النقاش والتشاور مع اكبر عدد من الهيئات بعيدا عن الخلافات السياسوسة وبمنأى عن الوصولية والانتهازية لرفع الحيف ورد الهيبة لدمنات .،هذه الأخيرة صاحبة الإرث التليد و الغابر ،فرحم الله شاعرنا أبى البقاء الرندي في رثائه للممالك الأندلسية المتناحرة حيث يقول "لمثل هذا يذوب القلب من كمد...إن كان في القلب إسلام وإيمان " ورحم الله فقيهنا سيدي محمد الحجوجي حينما اغترب عن دمنات فقال متشوقا إليها "أدمنات قد ملئت سويداء قلبي ...بمنظرك البهيج الفتان "