صحيح اننا يحب أن نكون مجتمعا يفكر بجلاء وبدون عقد في القرن 21 لكن هل يجب أن ينسينا تطلعنا إلى المستقبل حنيننا إلى الماضي وما يحمله من رموز / الرموز التي تحملها كل تجلّيات التراث ؟. ومجال مدينة دمنات مشبع بتلك الرموز، التي تحتاج لمن يحييها ، نعم هناك من يعتقد بأن لا فائدة تتحقّق من أي تدخل في إحياء تراث دمنات المعماري الذي وصل إلى درجة من الاهتراء لا تصعب معها أية محاولة للإصلاح او الترميم ؟ ولكن هناك بالمقابل من لايزال يأمل في إنعاشه وإحيائه . فأين نحن من الموقفين؟ وهل من معادلة موفقة بين حلم البعض وتشاؤم البعض الآخر؟ ومن هذا المنطلق وددت أن أفتح نافذة على التراث المعماري الدمناتي الأصيل وأبوابها التاريخية تحديدا . كانت دمنات في ما مضى مدينة محاطة بأسوار بها أبواب من مُختلف الجهات منها ما هو صغير ومنها ما هو كبير، وكانت بعض تلك الأبواب تفتح أثناء النهار لدخول الناس وخروجهم وقضاء حوائجهم المُختلفة ،وتغلق بحلول المساء حماية للسكان لعدم توفر الأمن والأمان في ذلك الزمان . وأبواب دمنات ذاكرة تراثية وأثار معمارية تشكل واجهة للمعلمة التاريخية الوحيدة باقليم ازيلال ( حسب علمي) .المدينة العتيقة دمنات التي تم تصنيفها في الأمس القريب ضمن التراث الوطني في انتظار تصنيفها ضمن التراث العالمي . كلام يراد به باطل أو مجرد ذر الرماد في العيون فلا معنى للتصنيف بدون إصلاح وترميم ،لقد فقد التراث المعماري ومنه الأبواب والأقواس قيمته التاريخية إثر زحف الاسمنت على معالمها الأثرية. وعدم ترميمها عبر الحقب المتتالية جريمة في حق التراث المعماري لهذه المدينة الضاربة الجذور في القدم.جريمة أيضا في حق طائر مهاجر يحقق توازنا بيئيا يعرف ب «البلشون» (بلارج) والذي يتخذ من أسوار دمنات مقرا ومستقرا له .أتذكر عندما كانت سماء دمنات بيضاء بسبب العدد الهائل من هذه الطيور المهاجرة التي تبني اعشاشها فوق الاسوار وتبيض وترحل بعد أن يكبر صغارها ..... ولم يقف الأمر عند إهمالها بل تطاولت عليها أيدي الإنسان حيث تم فعلا إسقاط بعضها وهذه جريمة لا تغتفر اقترفها المتعاقبون على تسيير الشأن المحلي من منتخبين وسلطات محلية منعدمي الضمير من السكان. قد نختلف او نتساوى في حنيننا إلى مسقط الرأس، قد نختلف أو نتساوى في ضرورة الحفاظ على الإرث التراثي الذي خلفه الأسلاف ، قد نختلف أو نتساوى في هموم مدينتنا وما آلت إليه الأوضاع داخل المدينة من تردي لم يعد مقبولا في العصر الحاضر. ولكننا لزوما يجب أن نتفق على رد الاعتبار للعمارة والإنسان وهذا يتطلب إرادة جماعية بعيدة كل البعد عن العداءات المجانية والمزايدات السياسوية الضيقة كما يتطلب تضافر كل الجهود كل من موقعه لتنمية الموارد البشرية رأسمال دمنات الوحيد من اجل تنمية مستدامة حقيقية . الأبواب تعبر عن العمارة و الانسان بمدينة دمنات وتطورهما عبر كل الحقب التاريخية التي مرت منها المدينة ، ولكل باب من أبواب دمنات خصائص ووظائف مختلفة عن الأخرى في زمنها المحدد ذاك؛ هي تفاصيل وأسرار نمرّ عليها مرور العابرين فلا نكلّف العقل السؤال عن ماهية الاسم وكيفية إنشاء الباب وبناءه وكذا حكايته .وإن كان البحث في هذا طويل والحديث عنه يلفّه بعضٌ من الغموض لكثرة الأقوال واختلاف الحكايات . ولكن بصفة عامة فالابواب في دمنات كما في باقي المدن المغربية العتيقة هي عنوان الخوف كما هي عنوان الأمان ، وهي كذلك عنوان الأبهة والفخامة والثروة والعظمة، زكما يفول المثل الشعبي :" عنوان الدار على باب الدار " إذ من شكل الباب وحجمه وطريقة زخرفته يمكن أن تحدد الوسط الإجتماعي الذي ينتمي إليه اصحابه . لهذا نجد المهندسين والبنائين يعتنون بتزويق وزخرفة أبواب المساجد والقصور ودور الوجهاء. وابواب دمنات منها ما بني للمراقبة والحراسة ومنها ما أسس لاستقبال التجار و بضائعهم...مما له تأثير على نوعية الأبواب وعددها وارتفاعها وموقعها من السور...و لا توجد حسب علمي أية دراسة وافية ولكن بصفة عامة فإنه انطلاقا من مبدأ الوظيفة يتحدد الشكل. وتتفاوت أبواب مدينة دمنات فيما بينها من حيث الأهمية ومن حيث الحجم " فباب اعرابن " مثلا المزدوج المنفتح على الشمال الشرقي كان مفتوحا على قبائل السراغنة واحواز مراكش وكان مخصصا لدخول التجار وسلعهم ( دواب ، صناديق، براميل، أكياس...) ومواكب زوار الأضرحة ورواد الزوايا والمواسم و الذين استقبلت دمنات العديد منهم عندما كانت شبه عاصمة دينية بهذه الجهة ( لا أقصد هنا الجهة بمفهومها الجديد المفهود الجديد وإنما أعني بها "الناحية" )، وباب العيد الذي لم يعد له اثر ولم يبق منه إلا باب صغيرمطل على الملاعب الرياضية للثانوية الإعدادية حمان الفطواكي قد تحول إلى ركن يقضي فيه المارة حاجتهم ) كان هذا الباب مخصصا لاستقبال سكان الجبال المجاورة بالإضافة إلى التجار الوافدين من "القبلة " الشرق حيث كانت تعبر القوافل المحملة بالثمر والحناء متوجهة إلى مراكش وتنزل بدمنات التي كانت تعج آنذاك "بالفنادق" وهذان البابان أكبر وأهم من غيرهما ووظيفتهما يتكامل فيها الجانب المعماري بالجوانب الاقتصادية والأمنية والديمغرافية ، وتسمح بالانفتاح على جميع الجهات وتضمن حركية جيدة للتحرك ضد المعتدين من خارج المدينة وهناك من الأبواب ما يسمح للسكان بمراقبة واستغلال بساتينهم المحيطة بالسور (باب أكداين )على سبيل المثال ... ويمكن أن تكون بعض الأبواب قد فتحت في أوقات لاحقة ، أي بعد بناء السور ، إما استجابة لسنة التطور الديمغرافي والعمراني أو لأسباب أخرى (باب الملاح على سبيل المثال)، الذي بني على إثر النزاع الذي وقع بين يهود ومسلمي دمنات وبصفة عامة فإن الأبواب كمونوغرافيات صغيرة هي رمز الانفتاح على العالم الخارجي . ومنذ صغرنا يحكي لنا من هم أكبر منا سنا أنه عند مغيب شمس كل يوم فإن المدينة تغلق أبوابها وتصبح مدينة مغلقة ، وكل من تخلف عن الدخول إليها قبل الغروب فإنه يبيت خارجها إلى اليوم الموالي ، وكانت الأبواب تغلق ليلا أو كلما كان هناك خطر خارجي داهم ، وبالإضافة إلى أدوارها الوظيفية فقد كان لها دور رمزي يتمثل في الاستقبالات الرسمية إذ عند "باب اعرابن" يتم ( استقبال السلاطين أو العمال..) كما كانت تقام بالقرب منها مجموعة من الألعاب والمهرجانات / الاحتفالات تفاديا للازدحام والضجيج ، داخل أزقة المدينة الضيقة .وقد رأينا انا وأبناء جيلي بعض هذه الأبواب في حالة جيدة ورأينا مصاريعها الخشبية المزخرفة . لذلك فإن أبواب دمنات او ما تبقى منها على الأقل تشكل ثروة معمارية فريدة ، وهي في حاجة إلى الصيانة والحفاظ أولا ثم إلى التصنيف والدراسة ثانيا والتعريف بها واستثمارها ثالثا ، فهل قامت المجالس الجماعية المتعاقبة بمحاولة إحياء هذه الابواب بمصاريعها الخشبية التي تعبر عن جمالية الصناعة التقليدية المحلية ، وهل فكرت في إعادة بناء تلك الأبواب بالشكل الذي كانت عليه بدلا من هذه الابواب التي لا تشرف مدخل المدينة وتبعث على التقزز عوض أن تزيد في جمالية وروعة مدخل مدينتنا العتيقة ، وكم كانت حسرتي عظيمة وعميقة عندما أرى تلك الأبواب الثلاثة الجديدة /القديمة المهترئة وقد أصبحت عنوانا لدمنات ورمزا تعرف به في الملصقات الإستشهارية وفي بعض المجلات والمواقع الإلكترونية ومنها أزيلال أون لاين وأزيلال بريس بالخصوص ،إن شبابنا المسكين سيظن أن هذا هو تراثه وأن هذا هو ما خلفه لنا الاجداد . إن هذه ليست هي الابواب التاريخية لدمنات ، والحقيقة أنها لم تبن إلا في سبعينيات القرن الماضي . فأين أبواب دمنات التاريخية ؟؟؟ومن المسؤول عن ضياعها ؟ والله إني لشاهد على تدمير باب أعرابن من طرف رجال المطافيء مستعملين خراطيم المياه لدك أساساته وأن المتواطئين في هذا الجرم قد رحلوا إلى دار البقاء لذلك اعذروني على عدم الخوض في التفاصيل . لقد دمرت أبواب دمنات العتيقة ذات القيمة الفنية والجمالية والحضارية التي تستمد طابعها الجميل وطرافتها من أبوابها وأبراجها التي تبدو وكأنها تتعالى نحو بلوغ جبل "أغري "المرتفع فوقها ، إنه بدون هذه الأسوار والأبراج والأبواب لن تكون دمنات إلا قرية كبيرة كباقي القرى التي تنمو كالفطر تحت جنح الظلام بدون جمالية ولا رونق بفضل تكالب لوبيات العقار الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ،والذين بفضل تكالبهم وجشعهم و أميتهم وقصر نظرهم طال الإهمال البنايات والمعالم التاريخية وتركت عرضة لوابل الأيام، و منها من ذهب إلى مزبلة التاريخ كباب أعرابن ومنها ما هو في الطريق إليها كباب إكداين الذي أصبح مكبا للنفايات وباب إفشتالن ولهؤلاء وأولائك أود أن اقول أن دمنات / المدينة العتيقة هي فضاء مشحون بالذاكرة، والتاريخ يشهد على ذلك. ودمنات كانت عبر العصور ملتقى تجاريا وممرا مهما بحكم موقعها، ومع الأسف لم يعط لهذا الفضاء الاعتبار الذي يستحقه، فعندما نتحدث عن الحفاظ على التراث لا يعني أن نتركه مغلقا ولا نلمسه، بل يجب إحياؤه كما هو الحال في العديد من المدن المغربية العريقة حيث تقام في المعالم التاريخية أنشطة مدرة للربح وفي نفس الوقت يحافظ المكان على رونقه التاريخي، فدمنات يمكن اعتبارها متحفا في الهواء الطلق ويمكن الاستفادة من الأمر إذا أحسن استغلال معالمها. فلا يعقل ألا تتوفر المدينة بتاريخها العريق على مركز ثقافي أو متحف يحوي كل هذا التراث . ولا على الجمعيات التي تهتم بالمدينة. كما تفتقد الموجودة منها إلى الدعم المالي الكافي والموارد المادية والبشرية المؤهلة. إن المواطن الدمناتي بصفة عامة والشباب بصفة خاصة لا يعرفون مدينتهم جيدا، وهذا تقصير في حقهم من طرف جيل الكبار وفي هذا الإطار يدخل دور المدرسة، لأنه من الواجب أن يقوم جميع الأساتذة و أبناء البلدة منهم بالخصوص -وما أكثرهم - بتنظيم جولات في إطار أعمالهم التطبيقية أو أنشطتهم الموازية ليطلعوا التلاميذ على بعض المرافق والمعالم التاريخية لتعريف أبنائنا بتاريخ مدينتهم وتحسيسهم بالحفاظ على المكان لأن الشخص عندما يعرف قصة المكان يحافظ عليه. كما أود أن اهمس في أذن بعض دعاة الحداثة أن ما يشغلني وربما معي كثير من الدمناتيين ليست الأبواب والأسوار ما يهمني بالدرجة الأولى هو الإنسان وتنمية الإنسان وكرامة الإنسان ، كرامته في الشغل في العمل وهذا التراث المعماري قد يكون رافعة من ضمن اخرى تعيد لهذه المدينة بعضا من رونقها الذي افتقدته و استغلال الأبواب الأثرية للترويج للسياحة واقامة الفعاليات الثقافية، وتحويل ابواب المدينة الى قاعات قارة للعروض الفنية، وخاصة المعارض التشكيلية، واحتضان فعاليات فنية محلية واقليمية ودولية. وترميم المعالم التاريخية تمهيدا لتحويلها الى واجهة خارجية ديكورا ومسرحا لإقامة السهرات والتظاهرات الفنية. و البحث عن دعم المنظمات الاقليمية والدولية و الفعاليات الثقافية قصد ترميم الأبواب والأسوار بغية استغلالها سياحيا وفي إطار البرامج الثقافية الخاصة بالتعريف بالتراث الحضاري الدمناتي ، إذا قدر لكم أن تزوروا مدينة تارودانت ستشعرون بعظمة المدينة تلك العظمة المستمدة من التراث المعماري الذي تم إحياؤه وترميميه . ورغم أن دمنات قاطرة لأقليم ازيلال -وبدون مبالغة - فانها لازالت مع الأسف الشديد تقبع في مؤخرة مدنها بانتشار البطالة و الأمية و الجهل و الامراض و الأوبئة بل حتى التجربة الجماعية التي يقودها بعض المحسوبين على هذا التيار أو ذاك لم تات أكلها ، بسبب –ربما- صراعات على المواقع والإمتيازات لبعض أطرافها مما غيب عن المدينة كل الحلول الممكنة للنهوض ، اللهم ما كان من تسابقهم لتقديم العزاء وتقديم قوالب السكر والدقيق وقارورات الزيت للمحتاجين بالنهار ولغير المحتاجين تحت جنح الظلام ( من المسجلين في اللوائج الإنتخابية لدوائرهم وبمعنى أدق شراء الذمم من الآن والسلام) ، إن دمنات أصبحت مع مرور الزمن عبارة عن مقبرة للتراث الذي يدفن صباح مساء .وعزاؤنا وعزاؤكم واحد في ترا ث دمنات المعماري .والسلام ملتمس : المرجو ممن يتوفر على صورة فوتوغرافية او زيتية لباب أعرابن الأصلي أن يزودني بها على عنواني الإلكتروني [email protected] كما ألتمس من المشرفين على موقع أزيلال أون لاين و أزيلال بريس اعتماد صورة الباب التاريخي كرمز لمدينة دمنات .بدلا من الأبواب 3 الحالية . مع خالص المودة والسلام ذ .مولاي نصر الله البوعيشي عيون الساقية الحمراء في 15 أكتوبر 2011