دراسة أبواب مدينة آسفي العتيقة دراسة تاريخية ووظيفية ليس ترفا فكريا ، بل هو اهتمام منطقي برأسمالنا الرمزي والمادي ،وهذه الدراسة لها ارتباطها بباقي جوانب الحياة الأخرى (تاريخية، اجتماعية، اقتصادية ، عمرانية...) فأبواب مدينة آسفي تحكي جوانب مهمة من تاريخها السياسي والاجتماعي والعمراني ...كما أنها تحيلنا بالضرورة إلى دراسة عناصر عمرانية أخرى داخل المدينة تشكل تكاملا وظيفيا فيما بينها كالشوارع مثلا باعتبارها عنصر اتصال داخلي / خارجي، فالأبواب هي المصدر والأصل الذي تتفرع منه وتنتهي إليه الشوارع والأزقة ،وكالأبراج باعتبار مهمتها الدفاعية (حراسة ،استطلاع ، مراقبة ...) والتي تؤدي وظيفة مكملة لعمل الأبواب ولهذا نجد أبراجا تحمل أسماء الأبواب أو العكس، فنجد " برج الأقواس " عند " باب الأقواس " و "برج الشعبة " عند " باب الشعبة " ويسمى أيضا " برج الرميلة" نسبة إلى ساعة رملية عمومية كانت هناك ، وأبراج أخرى كانت تقع مباشرة عند الأبواب "كبرج امستوكي " عند " باب درب الصومعة " و "برج الرواح " قرب " باب الحبس " ، وهكذا يتكامل دور الأبواب مع دور الأبراج ، بل إن الوظيفة الأصلية للأبراج هي حماية الأبواب لأن هذه الأخيرة هي نقطة ضعف الأسوار الحصينة ، ولهذا كان البرتغاليون يضعون عند كل باب من أبواب المدينة تشكيلة عسكرية مكونة من 15 فارسا وبعض المتطوعين من اليهود ، فمثلا عندما هاجم المجاهدون مدينة آسفي يوم 13/12/1510 لتحريرها من البرتغاليين ، تم وضع فرق من الحامية العسكرية وفق النموذج التالي :· عند " باب أكوز " تم وضع حامية عسكرية بقيادة "فرانسوا دابرو "· عند " باب غرنير " ( باب البحر ) حامية عسكرية بقيادة " كريستوف فراير "· عند " باب القصبة " حامية عسكرية بقيادة "جون اسمالدو "· عند باب المدينة حامية عسكرية بقيادة " بيرنار عمانويل "· عند باب المجاديم حامية عسكرية بقيادة " غارسيا ديساما " فمحاصرة المدينة واجهه البرتغاليون بصنع مراكز دفاع صغرى مقامة على الأبواب ، وهكذا فالأبواب عنصر أمان وعنصر دفاع كما أن دراسة أبواب مدينة آسفي يحيلنا أيضا إلى دراسة أسوار المدينة باعتبارها الأصل ، وباعتبارها مكملة لعمل الأبواب فالسور الموحدي الذي كانت آثاره باقية إلى بداية القرن 20 حسب رواية الكانوني هو أكبر بكثير من السور البرتغالي الحالي ، وهو أول سور بالمدينة ، إذ لم يسورها المرابطون رغم تخريب "البرغواطيين " للمدينة ، ونستشف من بعض المصادر أن الأسوار التي كانت محيطة بالمدينة متصلة بالبحر ، وكان باب الأقواس الموحدي هو منفذ المدينة على البحر.كما أن الباب الجنوبي المواجه لرباط أبي محمد صالح كان يعرف " بباب احمر "و الباب بقي إلى حدود العقد الثاني من القرن العشرين حيث هدمه الفرنسيون ! ! وتحدث عنه الفقيه السلاوي في "نظارة آسفي " ، وتذكر المصادر التاريخية أنه بالمدينة في العهد الوطاسي كان يوجد مسجد يسمى " مسجد باب اورير "ولاشك أن للتسمية قصة بأحد أبواب المدينة ، كما كان بالمدينة مسجد آخر يسمى " مسجد دار البحر " بالقرب من " باب البحر "، وكان ملاصقا للقصبة البرتغالية وذكره بن الخطيب السلماني في رحلته باسم " مسجد باب البحر " ووجود المساجد قرب الأبواب مسألة تحتاج للكثير من النقاش والبحث خصوصا وأن للأبواب أوقاف وأحباس تماما كالمساجد كما سنرى ذلك لاحقا. أما سور رباط أبي محمد صالح فكانت له في العهد الموحدي أبواب تفتح وتغلق ، والسور الموحدي كانت له أبواب منها باب المدينةالغربية، باب الشعبة، باب الرباط،، باب أكوز ، باب المجاديم...ونضيف إلى ما سبق تواجد عناصر جغرافية هامة (البحر، وادي الشعبة...) لها تأثيرها على دراسة أبواب مدينة آسفي ، كما أن طبيعة المدينة ونوعها والهدف من تأسيسها له تأثيره على دراسة الأبواب ، فمثلا أبواب المدن العسكرية التي أسست للمراقبة وتجميع الجيوش هي غير أبواب المدن التجارية المعدة لاستقبال التجار وبضائعهم والقناصل وسفاراتهم ...وهذا الاختلاف سيكون له تأثير على نوعية الأبواب وعددها وارتفاعها وموقعها من السور أو البحر أو الوادي...كما أن أية دراسة وافية للموضوع يتطلب الاطلاع على مراجع متنوعة ، فمن كتب التاريخ إلى كتب الرحلات إلى كتب النوازل الفقهية والحسبة وتقاييد التجار وكنانيش الأحباس ، وهنا نذكر معلومة فريدة وهي أن تجار آسفي ومحسنوها كانوا يحبسون أموالهم على أسوار المدينة وأبراج الحراسة والأبواب، وهذه مزية تسجل لأهل آسفي، وقد استمرت الأوقاف المحبسة على الأسوار والأبواب والمحارس مستقلة عن أوقاف المساجد حتى سنة 1270 ه، وقد أصدر السلطان محمد بن عبد الله ظهيرا يقضي بإضافة أحباس سور آسفي إلى أحباس المسجد الأعظم ، وأن الأسوار إذا احتاجت إلى إصلاح فيكون على حساب المخزن. علاقة أبواب آسفي بباقي الأشكال العمرانية داخل المدينة أبواب المدينة العتيقة هي شواهد حضارية وتحف معمارية ، فهل وضعية هذه الأبواب وعددها وشكلها الهندسي وموقعها من السور وباقي الأشكال العمرانية يخضع لحتمية عمرانية معينة أم هي مجرد اجتهادات معمارية لا تخضع لأية ضوابط فنية وهندسية؟الأكيد أن تموضع أبواب المدينة وعددها وشكلها يقوم على أسس معمارية وعمرانية تستجيب لضرورات الساكنة وموقع المدينةوقربها من الطرق التجارية وحركتها التجارية ( الميناء ) مثلها تماما مثل ضرورة تموقع بعض المعالم العمرانية في أماكن معينة ، كوجود المقبرة والمصلى وأفران الفخار خارج أسوار المدينة ، كما أن بعض الأبواب كانت توجد قرب آبار المياه مثل باب الشعبة الذي كانت توجد بالقرب منه بئرين للاستسقاء ، بالإضافة إلى أن وضعية الأبواب داخل محيط السور تتحكم فيه عوامل طبوغرافية ( بحر، نهر ، تلال ، منبسطات...) وأخرى سياسية واجتماعية ( موقف القبائل المجاورة من السلطة الحاكمة وإمكانية مهاجمة المدينة..) مدينة آسفي بمكن اعتبارها مدينة أميرية باعتبار وجود القصبة السلطانية/قصر الباهية الذي ينزل فيه السلطان أو ممثليه من الأمراء والقواد ، وبالتالي كان ضروريا وجود باب مستقل قرب القصبة هو "باب القصبة "وهو حاليا باب المتحف الوطني للخزف ، وبالقرب من هذا الباب كانت تتم بعض المراسيم المخزنية مثل الاستقبال الذي خصص للسلطان مولاي يوسف عند زيارته لآسفي يوم 23 ربيع الأول عام 1337 ه ، وبالقرب من هذا الباب كان يتم استقبال العمال الجدد مثل ذلك الاستقبال الذي خصص لعامل آسفي الجديد الحاج عباس الحربيلي يوم 10 جمادى الأولى عام 1337 ه ،وذكر المؤرخ الكانوني أن للقصبة بابا يسمى " باب الريح " ، كما أن تمركز الأبواب في جهة معينة من السور ( شرق، غرب ، شمال، جنوب) له دلالته سواء عند القبائل المجاورة أو الطرق التجارية ...ولهذا نجد ثلاثة من الأبواب الحالية للمدينة مفتوحة على جهة الجنوب (باب درب الصومعة، الباب الجديد، باب الحبس) في حين أن باب الشعبة ينفتح على الجهة الشمالية الشرقية وباب الأقواس على جهة الغرب حيث الميناء. إن أبواب المدينة القديمة هي وسيلة الاتصال بالعالم الخارجي لهذا كان لابد أن تحظى بعناية خاصة سواء من حيث بنائها وحراستها وتموضعها قرب الأماكن الهامة ( القصر ، المسجد،السوق...) والملاحظ أن أبواب مدينة آسفي لا تحظى بالتعقيدات المعمارية والهندسية كما هو الحال في أبواب بعض المدن العتيقة ( باب المحروق بفاس، باب مرشان بطنجة ، باب الماكينة أو باب العلج بمكناس....) فهي أبواب بسيطة الهندسة وعادية الشكل تفتقد للزخرفة والتعقيد وهذا راجع كما سنرى ذلك لاحقا ، لكون تسوير المدينة في عهد البرتغال كان عملا حربيا /عسكريا وليس عملا مدنيا/حضاريا، ولكون عملية التسوير تمت بسرعة خوفا من هجومات المسلمين ، فالسور البرتغالي الحالي بأبوابه وأبراجه بني في دجنبر عام 1510 م تحت إشراف المهندس العسكري البرتغالي " جاك العرودي " بطول ثلاثة كلمترات ، وهذا السور من الحجارة المنحوتة من الشاطئ الصخري لآسفي ، وعملية النحت والتشكيل كانت جد مكلفة ، خصوصا إذا علمنا أن الحجارة المنحوتة في الكنيسة البرتغالية كان يتم جلبها مباشرة من البرتغال ، وهذا هو سبب بساطة أبواب مدينة آسفي ، فكل المعالم والمآثر البرتغالية بالمدينة ( أسوار، أبراج، أبواب، قصر البحر، دار البارود..) هي مآثر عسكرية صرفة يغيب فيها الجانب الجمالي الفني والإبداعي الزخرفي، وكل دراسة لأبواب المدينة العتيقة لا تأخذ هذا الجانب بعين الاعتبار ستكون دراسة ناقصة ، ولعل هذا ما جعل مؤرخ المدينة الفقيه الكانوني يصف بناء السور البرتغالي على شاكلته الحالية "بالهندسة الخرقاء " لأنه بني على مسيل واد الشعبة إلى البحر.إن علاقة أبواب المدينة بباقي الأشكال المعمارية والعمرانية داخل المدينة ( مساجد، شوارع، أزقة، قصبة...) أو خارجها ( مقبرة، أسواق، أفران الفخار ...) وبمحاذاتها ( أبراج المراقبة... ) هي علاقة تكامل وظيفي وعلاقة انسجام معماري وعمراني. أبواب مدينة آسفي : الدور والوظيفة الأبواب هي عنوان الخوف كما هي عنوان الأمان ، والأبواب كانت ولا تزال عنوان الأبهة والفخامة والثروة والعظمة، لهذا نجد المهندسين والبنائين يعتنون بتزويق وزخرفة أبواب المساجد والقصور ودور الوجهاء، وقد تكون الأبواب أيضا عنوان مذلة ومهانة ، ورمزا للاستسلام ، وتذكر المصادر التاريخية أن أهل بادية آسفي كانوا يؤدون للبرتغاليين رسوما مقابل دخولهم للمدينة كما أن البرتغاليين كانوا يعلقون رؤوس الثوار والمجاهدين على أبواب المدينة ترهيبا للسكان وإذلالهم ، ومثال ذلك ما فعلوه مع أحد الشيوخ المعارضين لحكمهم ويدعى "باحماد المزودي " فقطع رأسه ووضع على رمح وعلق على الباب ، والأمر نفسه سار عليه الادايل لوب بريغا نائب القبطان البرتغالي بالمدينة عندما قطع رأس الشيخ " لحمازوند " وعلقه على باب المدينة ، كما تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن بعض أعيان مدينة آسفي الذين استنجدوا بالبرتغاليين قد أهدوا مفاتيح أبواب المدينة وقصبتها للحاكم البرتغالي "جاك دو ازامبوجا " عنوانا على الاستسلام والخضوع والقبول بالحماية والاحتلال!! وانطلاقا من مبدأ أن الوظيفة تحدد الشكل فإن أبواب مدينة آسفي متفاوتة فيما بينها من حيث الأهمية ومن حيث الحجم " فباب الشعبة " المزدوج المنفتح على الشمال الشرقي كان قريبا من " سوق الخميس " أو " البلاصة " الذي يعقد خارجه ، وباب الأقواس المفتوح على الجهة الغربية حيث الميناء ، وما يتطلبه من دخول التجار وسلعهم ( دواب ، صناديق، براميل، أكياس...) ومواكب السفراء والقناصل الذين استقبلت آسفي العشرات منهم عندما كانت ميناءا للعاصمة مراكش ، هذان البابان أكبر وأهم من غيرهما فدور ووظيفة الأبواب يتكامل فيها الجانب المعماري بالجوانب الاقتصادية والأمنية والديمغرافية ، فتعدد الأبواب داخل السور مثلا يمكن من تفادي الازدحام ،ويسمح بالانفتاح على جميع الجهات ويضمن حركية جيدة لأعوان المخزن للتحرك ضد المعتدين من خارج المدينة ... ويمكن أن تكون بعض الأبواب قد فتحت في أوقات لاحقة ، أي بعد بناء السور ، إما استجابة لسنة التطور الديمغرافي والعمراني أو لأسباب أخرى ، وهذا ما نلاحظه من تسمية أحد الأبواب "بالباب الجديد" "وهو الباب المقابل لشارع م يوسف . الأبواب كمونوغرافيات صغيرة هي رمز الانفتاح على العالم الخارجي ، لكن عند مغيب شمس كل يوم فإن المدينة تغلق أبوابها وتصبح مدينة مغلقة ، وكل من تخلف عن الدخول إليها قبل الغروب فإنه يبيت خارجها إلى اليوم الموالي ، كذلك من ضبط من الغرباء داخل المدينة بعد الغروب فإنه يكون غير مرحب به ، وتشير بعض المصادر والوثائق التاريخية الخاصة بآسفي إلى أن مفاتيح أبواب المدينة كانت بيد العامل ، وكانت في بعض الأحيان تكون محط نزاع بين عامل المدينة والثوار ، فمن يملك مفاتيح المدينة يحكم السيطرة عليها وعلى أهلها وتجارتها ...فقد جاء في وثيقة لأهل آسفي يطالبون فيها بعزل عاملهم مؤرخة في 12 جمادى الأولى عام 1238 ه " ...فأقام عليها العربي عمران المذكور مع شرذمة فاسدة طاغية ونزعوا من يده مفاتيح أبواب المدينة وصار يتصرف عليهم على وجه الذراع.. " وتبين نفس الوثيقة أن أبواب مدينة آسفي قد تعرضت للإحراق بفعل مؤامرات بين حاكمها المتسلط العربي بن الحاج محمد عمران وبعض البدويين وذلك لتأجيج الكراهية بين أهل المدينة وأهل البادية ، وكانت الأبواب تغلق ليلا أو كلما كان هناك خطر خارجي داهم . دائما مع الدور الوظيفي والرمزي للأبواب فقد كانت تتم الاستقبالات الرسمية عند الأبواب ( استقبال السلاطين أو العمال..) كما كانت تقام بالقرب منها مجموعة من الألعاب والمهرجانات / الاحتفالات تفاديا للازدحام والضجيج ، داخل أزقة المدينة الضيقة ، وقد سجل لنا الفقيه احمد الصبيحي السلاوي حادثة سباق سيارات ودراجات عند أبواب المدينة ، يقول: " وعلى الساعة الخامسة ( يوم 15 يوليوز 1918 ) كان مرور السيارات البرية والعربات والدراجات من باب الأقواس بباب الشعبة إلى طريق سيدي واصل خارج الرباط " وقد شكلت حقوق الأبواب ومدا خيلها موردا ماليا لبلدية آسفي في عهد الحماية ، وقد بلغت المداخيل البلدية المجبية من حقوق الأبواب من فاتح يناير إلى يوليوز 1918 حوالي 50 سنتيما ، 255495 بسيطة حسب ما أورده الصبيحي السلاوي . بالإضافة إلى الأبواب الخارجية الرئيسة ووظائفها العديدة ، فهناك الأبواب الداخلية سواء الأقواس المزينة للشوارع ، أو أبواب المنازل التي تحتاج لدراسة خاصة إذ الكثير منها يعود لفترات تاريخية متنوعة ( موحدية، برتغالية...) وتشكل ثروة معمارية فريدة ، وهي في حاجة إلى الصيانة والحفاظ أولا ثم إلى التصنيف والدراسة ثانيا والتعريف بها واستثمارها ثالثا ، وقد قام المجلس الجماعي الحالي بإجماع أعضائه برفع ملتمس لوزارة الثقافة قصد ترتيب أبواب البنايات القديمة بالمدينة العتيقة لآسفي ( دورة أكتوبر 2005 ) ونحن نطالب على صفحات " لواء آسفي " بأن ترجع لهذه الأبواب بمصاريعها ، وتوضع لها أبواب خشبية تعبر عن جمالية الصناعة التقليدية المحلية ، وتزيد في جمالية وروعة مداخل مدينتنا العتيقة ، وكم كانت حسرتنا عظيمة وعميقة ونحن نرى الأبواب الخشبية التاريخية لمدينة مكناس معروضة في متحف " صهريج السواني " بمصاريعها ضمن باقي المعروضات التاريخية ، فأين أبواب آسفي ومن المسؤول عن ضياعها ؟ القيمة الفنية والجمالية والحضارية لأبواب المدينة العتيقة جعلت الكاتب البرتغالي " جوزيف كولفان " يقول : " آسفي تستمد طابعها الجميل وطرافتها من أبوابها وأبراجها التي تبدو وكأنها تتعالى نحو بلوغ التل المرتفع ، فبدون هذه الأسوار والأبراج لن تكون آسفي إلا حاضرة مغربية كأي حاضرة أخرى على جانب البحر " . دراسة الجانب الوظيفي للأبواب مرتبط بدراسة جوانب أخرى كمعرفة وسائل النقل المستخدمة في تلك الفترة ( دواب ، عربات ، صناديق ....) ومقاييس الأبواب ( طول، عرض، ارتفاع...) وتوزيع الأبواب داخل الأسوار المرتبط بدوره بتوزيع حركة المرور ( دخول، خروج...) السور الموحدي والسور البرتغالي: أبواب وأبواب تجمع كل المصادر التاريخية التي أرخت لمدينة آسفي أن المدينة سورت في عهد الموحدين زمن الشيخ أبي محمد صالح ، وكان عدد الأبواب في السور الموحدي خمسة نظرا لأهمية المدينة اقتصاديا وسياسيا ، إذ الغالب في أبواب المدن الإسلامية هو أربعة أبواب حسب الجهات الأربع وهذا ما نجده في بغداد ، واسط ، جراوة ، ميدلت...وتسوير المدن غالبا ما يكون بفتوى من الفقهاء والعلماء ضمانا لأمن الناس وأرواحهم وأعراضهم وأموالهم وحسب الكانوني فإن السور الموحدي المحيط بالمدينة العتيقة بني في عهد السلطان أبي يوسف يعقوب المنصور ( 580 ه-595 ه)، وقد كان يمتد حتى البحر حسب رسم للمدينة يعود لسنة 1507 م، وهذا السور المبني بالجير والطوب ( التابية ) كان محط عناية من طرف السلاطين يجددونه ويرممونه كما فعل السلطان الحسن الأول عند زيارته لآسفي يوم ثالث جمادى الأولى عام 1302 حيث أوفد مختصين من مراكش لهذا الغرض ، وكان السور الموحدي يحيط بالمدينة العتيقة ورباط أبي محمد صالح عكس السور البرتغالي الذي يحيط بالمدينة العتيقة فقط، وبما أننا لا نعرف عن السور الموحدي إلا النزر اليسير فإننا بالتأكيد لانعرف الأبواب الأصلية للمدينة باستثناء ما تذكره المصادر التاريخية ، والسور البرتغالي الحالي هو أصغر بكثير من السور الموحدي فقد بني بسرعة خوفا من هجمات المسلمين ولم يشمل رباط أبي محمد صالح ، وإذا أردنا أن نقوم بمقارنة بين الأبواب الموحدية ( باب الأقواس نموذجا ) والأبواب البرتغالية الحالية فإننا نلاحظ اختلافات جوهرية سواء من حيث اتساع الأبواب وعلوها وارتفاعها ، وهذا راجع لاختلاف الهدف من التسوير ، فالتسوير الموحدي للمدينة كان عملا حضاريا وفنيا ، إذ كانت به حوالي 87 برجا والأبواب الموحدية حاضرة في بنائها الرؤية الفقهية الإسلامية ( حق الطريق ، تفادي الاختلاط والازدحام ....) حيث حدد الفقهاء علو الباب بمقياس فارس راكب جواده وحاملا رمحه ، أو يقدر ارتفاع الباب بارتفاع شخص يركب جملا يمر بسهولة أسفل البناء ويكون هناك فراغ يعلوه يؤمن سلامة المارة ، أما السور البرتغالي فتحكمت فيه رؤية عسكرية صرفة ، لهذا كانت الأبواب البرتغالية ضيقة ومحروسة بأبراج وهو ما يفسر وجود حوالي عشرين برجا على السور البرتغالي ( برج السلوقية، برج الأقواس، برج الخضير ، برج الشعبة ، برج سيدي الغازي، برج خزينة البارود، برج الرواح، برج الدار ، برج ناصر، برج اسكوتي،برج بوقصيدة) ومن أبواب السور البرتغالي هناك : باب المجاديم ( باب الشعبة حاليا)، باب الغر نير ويسمى أيضا باب البحر وقد هدمه الفرنسيون عام 1927 ، وباب أكوز ، وباب القصبة ، وباب أدريز وكان قربه مسجد هدمه البرتغاليون ، كما تذكر بعض المصادر التاريخية أنه كان هناك باب على الشارع الرئيسي اسمه " باب الرهبان " لم يبق له أثر ، ويمثل " باب الشعبة " الحالي تحفة عسكرية إذ يجسد الهندسة العسكرية البرتغالية في عهد الملك عمانويل أو ما يعرف بالهندسة العمانويلية أو " مدرسة باتالها " فالباب ذو مدخل مزدوج ومقبب إلى الداخل كي يحمي الحراس من الحر والقر والنبال بالإضافة إلى تواجده قرب مجرى الوادي ، وهذا الأسلوب المعماري أصبح ناذر الوجود حتى في وطنه الأصلي ( البرتغال ) ، وهناك نظرية تقول إن الأبواب في العهد البرتغالي لم تكن تتجاوز الثلاثة بدليل وجود نقش في الكنيسة البرتغالية به ثلاثة مفاتيح ، ويذهب الكانوني إلى كون آسفي لم يكن لها سور من جهة البحر باستثناء برجين بحريين هما " برج السلوقية " و " البرج الجنوبي " بالقصبة البرتغالية ، ولما حررت آسفي وصل المسلمون ما بين البرجين بسور وجعلوا له بابا من جهة البحر هو " باب البحر " وبرجا يسمى " برج القبيبة " وكان بداخل السور مجموعة من الأبنية مرتبطة بالتجارة البحرية ( أهرية، حوانيت ، دار الأمير والقواد ، مسجد ...) لكن للأسف تم هدم الكل عام 1915/ 1334 ه بسبب الإصلاحات !! وآخر ما تهدم من هذا السور كان سنة 1347 ه ، والملاحظ أن أبواب المدينة منها ما هو ذو مدخل واحد كباب درب الصمعة أو ذو مدخلين ( بابين) كباب الشعبة ومنه دخل السلطان مولاي يوسف عندما زار المدينة يوم 23 ربيع الأول عام 1337 ه ، ومنها ما هو ذو ثلاث مداخل . أبواب آسفي شاهدة على تاريخها كما أسلفنا فإن أبواب المدينة شاهدة على أحداث تاريخية هامة عرفتها ، ومن هذه الأحداث التاريخية ثورة أولاد زيد ، فمثلا يوم 18 جمادى الأولى 1313 ه/ 6نونبر 1895 " وقع امتحان عظيم وازدحام شديد بباب الرباط عند هروبهم للدخول لم يشهد قبله قط، حتى كان الناس على أربع طبقات الحي فوق الميت ...وشاع بعد ذلك أنهم يحرقون باب آسفي كذبا " وهي الحادثة التي عرفت عند أهل آسفي " بحادثة الرفسة "، وهناك وقعة أخرى بين ثوار أولاد زيد وعيسى بن عمر تسمى بوقعة المجاديم ، ولسنا ندري هل لها علاقة بباب المجاديم " علما أن معارك وقعت بين الطرفين عند أبواب وأسوار المدينة ، وقد كانت القبائل المجاورة لآسفي تشن الغارات على المدينة زمن الاحتلال البرتغالي وكسروا الأبواب مرارا ، ومثال ذلك ما فعله " بنوماجر " عندما بنوا خيامهم بجانب أسوار المدينة واستطاعوا الدخول إليها واستباحوها ثلاثة أيام ، كما كانت الأبواب تغلق في وجه الثائرين على الحكم المركزي وممثليه بالإقليم ، ومن ذلك أن سكان المدينة أغلقوا الأبواب سنة 1672 في وجه الثائر أحمد بن محرز ، وأغلقت مرارا زمن عيسى بن عمر حتى غلى الحطب والزرع وفقدت الخضر والمواشي ، حيث كان رجال عيسى بن عمر ينهبون أموال ومواشي أهل آسفي لهذا " كان الآسفيون على حذر ولبسوا لامة الحرب وجعلوا العسة على الأبواب والأبراج " حسب الكانوني الذي أرخ لواقعة أولاد زيد مع القائد عيسى بن عمر ، وكان للأبواب بوابين خاصين مكلفين بالفتح والإغلاق حسب أوامر الباشا أو العامل ، وهكذا فكل باب من أبواب مدينة آسفي يحمل قصة خاصة فالمدينة عرفت حضارات متعددة ( موحدية ، سعدية، مرينية، علوية، برتغال، فرنسيين...) والأبواب شاهدة على تطور المدينة عمرانيا وبشريا واقتصاديا. خاتمة إن القيمة المعمارية والحضارية والفنية لأبواب آسفي التي استعرضنا بعضها في هذا المقال لاينبغي أن تنسينا الوجه الآخر للاحتلال البرتغالي لآسفي ، وخاصة تأثيره السلبي حضاريا وثقافيا جراء سنوات طويلة من الاحتلال فقد تم تدمير الكثير من المعالم العمرانية والحضارية والعلمية والدينية للمدينة ومن ذلك تدمير المسجد الأعظم واتخاذه اسطبلا للخيول ومحلا لوضع القاذورات ، وتدمير المدرسة العلمية ، وتدمير ضريح ومسجد أبي محمد صالح ، وتخريب مساجد المدينة ، وتهجير واسترقاق العلماء والطلبة ، والعشرات من النساء والأطفال بيعوا في سوق النخاسة ، فبناء السور البرتغالي قابله تخريب للسور الموحدي التاريخي ، وبناء قصر البحر قابله تخريب للمسجد الأعظم وهكذا، في الأخير نشير إلى أن أهل آسفي يسمون أحد أوليائهم " بسيدي عبد الرحمان مول البيبان " نظرا لتواجد ضريحه بين باب الأقواس وباب الشعبة ، وهكذا تتركز رمزية أبواب المدينة في الذاكرة الشعبية خصوصا عندما يتم ربطها بالأولياء والصالحين . سعيد البهالي : مهتم بتاريخ وتراث آسفي وباديتها