أقدمت وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية على توقيف أربعة أئمة ضمنهم خطيب جمعة حسب ما تم تداوله من طرف بعض المنابر الإعلامية و الإلكترونية, حيث تم توقيفهم بسبب دعائهم للشيخ عبد السلام ياسين رحمة الله عليه, و قد جاءت هذه الخطوة الجبانة لتبين الظلام الدامس الذي تتخبط فيه هذه الوزارة من الناحية الدينية و الأخلاقية و الإجتماعية و الثقافية كذلك, و مدى تورطها في تسييس الحقل الديني بطريقة أو بأخرى. لقد ذهبت وزارة الأوقاف إلى ترسيخ سياسة الأنا الأعلى, و جعلها المتحكم الوحيد في تصرفاتها و أوامرها قصد تسريح الدعاة و علماء الأمة ممن غار على دينه و وطنه و هي بذلك تنزع هبة الأئمة و الخطباء و تفتح مجال الطعن فيهم و في أعراضهم من طرف أعداء الدين من دعاء اللبرالية المسيخة و العلمانية الضحلة بكل أطيافها, و تشجع على الفتنة الطائفية التي ما فتئت تحاربها قولا لا فعلا. إن هذا التصرف اللامعقول تنفر منه الأذواق السليمة و الأفئدة الراقية كيفما كانت توجهاتها و أيديولوجيتها. إن توقيف إمام عن أداء واجبه تجاه ربه بهدي الناس إلى سبيل التقوى و إرشادهم إلى طريق الحق, لهو خير دليل على فهم سياسة الوزارة في تجهيل الناس و صرفهم عن الصراط السوي, ذلك أن الدعاء لشخص ميت كان يشهد له بالورع و التقوى و غزارة العلم واجب قبل أن يكون مستحبا, فالشيخ كان أول من وقف في وجه السلطان بالنصح و تغيير المنكر سواء بالكتابة أو باللسان حيث وقف وقفة صامدة طيلة حياته و لم يحد عن مبادئه و أخلاقياته قيد رمح بل أفنى عمره في التأليف و الوعظ و الإرشاد و مجابهة الفساد و فلوله و هذا لا ينكره إلا جاحد, إن عدم إنتمائي لجماعة العدل و الإحسان ليس مبررا للطعن في شخص مرشدها المبجل أو معاداته, فالحق يقال و لو كره المنافقون. إن الدولة المغربية متناقضة مع مزاعمها في ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان و إحترام الحريات الفردية و الجماعية تحت إطار الإسلام الذي يعتبر ملتها بنص الدستور, حيث جاء فيه التنصيص على إسلامية الدولة كأيديولوجية رسمية لكل المغاربة مع إحترام الأقليات من أهل الكتاب و غيرهم ممن كتب لهم العيش بين ظهراني المسلمين, غير أن هذه الثلة التي تعد على رؤوس الأصابع صارت تحكم و تقرر للمسلمين ما يكون من دينهم مما لا يكون, معتمدة في ذلك على الدعم الغير مباشر من طرف الوزارة المذكورة حيث أبت إلا أن تساير سياسة الإنضمام إلى كفة الغلبة, بما أنها تواضعت لدرجة أن تجعل قراراتها بيد أجندات لا تخدم سوى مصالحها الشخصية, فعوض أن تتدخل لترسيخ مبادئ الإسلام قصد تصحيح صورته التي خدشت معالمها و محيت آثارها, عمدت إلى إرضاء ثلة الساخطين على المسلمين و تمتيعهم بكافة الظروف اللازمة للعيش الرغيد على حساب المستضعفين من أبناء المسلمين ممن طالتهم الأيادي المخزنية الظالمة. إن هذا التصرف الصبياني لا يعدو أن يكون منحة للأئمة و الخطباء قبل أن يكون محنة باعتباره بلاء من الله تعالى و هم بذلك يسيرون على الدرب القويم و الصراط السوي, فما عاش تقي إلا و فتن في دينه أو عرضه أو كرامته, حتى يمحص الله الذين آمنوا حقا و يقينا من الذين نافقوا و طغوا, فلا نجد نبيا من أنبياء الله الذين لا ينقص إيمانهم بالله تعالى إلا و تعرض للفتنة في عقيدته أو في عرضه, فكيف بعامة الناس الذين يزيد و ينقص إيمانهم حسب الأحداث و الوقائع. إن وزارة الأوقاف لا تستحيي أن تصارح الناس بنهجها و سياستها, في غير مناسبة حيث صرح الوزيرالتوفيق سنة 1425 بدرس من الدروس الحسنية بذم كل من يخالف السلطان و يقف في وجهه, كأن السلطان معصوم من الخطأ يصيب و لا يخطئ, متجاهلا أن هذا السلطان يتحمل المسؤولية التامة أمام الملك الحق عن كل صغيرة و كبيرة مما يقاسيه المستضعفون من المعانات التي لا يكاد بيت يخلو منها و من نتائجها, فعوض أن يقدموا للسلطان نصائح تريه الحق حقا و الباطل باطلا, يعمدون إلى نضم قصائد المديح و التغني و التشجيع رغم أن مواقف كثيرة تستلزم تقديم الآراء الصائبة و النصائح القيمة. وزارة الأوقاف مشهود لها بالزلل في كثير من المواقف التي تستوجب أن تبين الإسلام الحقيقي فيها و أن تستمسك بالسبيل القويم, و النهج السوي, و من ذلك ما تمارسه من خرق واضح لمبادئ الإسلام الحق من صمت و سكون دون القيام بواجبها تجاه العباد و البلاد, فهي لا تقوم إلا بما يرضي السلطان و حاشيته أما ما يرضي الله تعالى فهو آخر ما يفكر به السيد الوزير, فنحن لم نسمع و لو ببلاغ استنكار لما تعرض له الشيخ الداعية عبد الله نهاري, كما أنها لم تحرك ساكنا حول ما تم إحداثه من طرف أصحاب حركات الإفطار العلني و الجماعي في نهار رمضان من صخب و غضب في أوساط الأسر المحافظة بتعديهم على حرمات المسلمين في بلادهم, كما أنها ظلت جامدة دون أن تحرك ساكنا حول ما يقوم به أمثال الغزيوي و صاحب القبلة على الفيسبوك, كأن مهمتها الحالية تنحصر في مراقبة الهلال و عزل الأئمة و الخطباء فقط دون غيرها من المهام المنوطة بها شرعا, كتحليل قضايا المجتمع من منظور إسلامي يراعي التطورات العلمية و الإجتماعية, مع إبداء النصح و الإرشاد لكل مواطن كيفما كان سواء أكان حكوميا أم مدنيا دون التحيز لطرف دون الآخر, و غيرها من المهمات الأساسية التي لا يشفع للوزارة عند تركها حيث يتوجب عليها إلتزام خط الحياد في إصداراتها الشفوية و الكتابية. إن ما تمارسه هذه الوزارة في حق الدعاة و العلماء- العظماء الذين يحدثون التغيير عبر التاريخ و العصور أينما حلوا و إرتحلوا, في حين أن وزراء الأوقاف السلطوية زائلون بزوال سلطانهم و جاههم- ليوحي بعدائها لكل من يسير في درب الإسلام, كما أن توقيفها للأئمة بسبب الدعاء للشيخ ياسين رحمه الله, لهو خير دليل لما تضمره من حقد و ضغينة للشيخ حتى بعد مماته, و تلك سمة من سمات المنافقين الذين إذا تحدثوا كذبوا, و ذلك يتجلى في زعمها الكاذب بحماية الدين و رجاله في حين أنهم يقومون بحماية مصالح شخصية لجهات السلطة و حاشيتها. مصطفى أيتوعدي [email protected]