بدایة لابد من الإشارة إلى أن المشكل الأساسي الذي یسترعي الیوم اهتمام الباحثین في مجال تدریس الفلسفة یتمحور حول استثمار النص الفلسفي، ذلك أن مفتاح الفهم في النص الفلسفي و النفاذ إلى فهم النظریات الفلسفیة بصورة عامة یبقى هو المفهوم، فهذا الأخیر یمكنه أن یكون كما یقول میشال طوزي : " مجالا للبحث عن المعنى سواء عن طریق التعارضات بین المفردات و الأضداد، أو عن طریق التمییز بین الاستعمال المألوف و الاستعمال الفلسفي، أو التمییز بین المذاهب الفلسفیة. من هنا فأهمیة المفهوم في درس الفلسفة لیس باعتباره الحجر الأساس في بناء الدرس الفلسفي فحسب بل باعتباره أیضا المفتاح الذي یمكن المتعلم من فتح ما أغلق من النصوص الفلسفیة ، و الجسر الذي لابد للعبور منه لفهم هذه النصوص و توظیفها. إن الكشف عن الشبكة المفاهیمیة عملیة أساسیة لتمثل قضایا النص، خاصة و أن المفاهیم في النص هي بمثابة المفاتيح التي بواسطتها یلج المتعلم إلى أفكار الفیلسوف و مقاصده، كما أن هذا الكشف عن المفاهیم یجعل المتعلم بمنأى عن ذلك التسیب المفهومي الذي قد یوقعه في الكلام الفارغ، أو العبارات الخالیة من أي معنى، و یحمیه من التعامل مع المفهوم كمجرد كلمة لا قیمة لها. هذه الطریقة تساهم كثیر ا في تفجیر معاني النص من الداخل، شریطة أن ینتبه المتعلم إلى العلاقات حتى یتبین دلالة المفاهیم بحسب علاقاتها بالنظر إلى بعضها البعض، لأن كل موضوعة كما یقول ميشال طوزي " تحیل على فكرة واحدة أو أكثر( ...) و تنفتح على العدید من التصورات الفلسفیة، لذا فتحدید خاصیتها رهین بحقل مذهبي محدد ."من هنا یغدوا معنى المفاهیم مرتبطا بمكانتها من النسق العام الذي یمثل بنیة النص، و بالتالي یفهم التلمیذ مثلا أن " العقل " الذي یعنیه " أفلاطون " لیس هو " العقل " الذي یعنیه " أرسطو " و أن مفهوم العقل في التصور المثالي لیس هو نفسه في مدارس مادیة أو تجریبیة، و قس على ذلك المفاهیم الأخرى. من هنا یمكن القول أن المفاهیم الفلسفیة تحمل مقاصد معینة، و هي تتحول و تتغیر معانیها و دلالاتها بتغیر هذه المقاصد و اختلافها، كما أن هذه المفاهیم تستقل وظائف مختلفة من نسق معرفي إلى نسق معرفي آخر، فمفهوم " القانون " مثلا كما یقول " میشال طوزي " لا یحمل نفس المعنى داخل میادین القضاء، الأخلاق، الإبستیمولوجیا، الإستطیقا...لكن البحث عن إشكالیة الوحدة الدلالیة التي تخترق كل الحقوق التطبیقیة تكشف في العمق عن فهم الموضوعة مثلا : اعتبار القانون كنظام مهما كان نوع الحقل التطبیقي. المفهوم، إذن، یلعب دورا كبیرا في بناء الدرس الفلسفي، بل إن القیمة التي یحتلها المفهوم في هذا الدرس – إذا أمكن أن نقول – أشبه بالقیمة التي یحتلها الفرض داخل النسق العلمي، لأن فهم التلمیذ للنص الفلسفي رهین بامتلاكه لمفاهیم هذا النص، و كیفیة التمییز بین المفاهیم المحوریة و المفاهیم الفرعیة، و بین المفاهیم في سیاقها الفلسفي و المفاهیم في سیاقها العلمي، أو الفني