الإعلام والاستخبارات ذراعان تداخلا في هذا العصر لاستهداف الجمهور بهدف تشكيل رأيه العامّ، وإدارة رؤيته للأحداث والوقائع، وتغيير قناعاته، فنشر الشائعات يسهم في جسّ النّبض، لذلك يستخدم الإعلام في إذاعتها. إنّ تشكيل قناة متخصّصة أو تجنيد شخصيات إعلاميّة أمر مطلوب لقياس ردود أفعال المستهدفين بالخبر/الإشاعة، فبعض المنتسبين للحقل الإعلاميّ لا يمكن بحال نفي صلته بالمخابرات مهما نفى ذلك أو تصنّع خلافه، لأنّ هناك من الأسماء الإعلاميّة ما تصنعه المخابرات أو المباحث أحيانا لتمرير كذبة، أو التهويل من خطر عدوّ محتمل، أو تشويه خصم سياسيّ. وعلى هذا النّحو تتشكّل الأجندة المطلوبة لصنع "رأي عامّ"، أو لكسب المستهدفين وتوحيد موقفهم من قضيّة بذاتها. لكن ومن حسن الحظّ أنّ "الشّخصيّات" الإعلاميّة التي تصنعها الاستخبارات غالبا ما تكون مجرّد فقّاعات هشّة، لا تملك مؤهّلات مهنيّة، ولا قدرات علميّة، ولا نضجا عاطفيّا. وإنّما هي نكرات ومجاهيل تتميّز بالسّفه وتوظّف للمشاغبة، وغالبا ما تعمد المخابرات إلى توظيف هذا الصّنف للأغراض القذرة رغبة منها في أن توحي بعدم الارتباط بهم، وحتى لا ينكشف أمرها سريعا فتظهر أمام الملأ أنّها هي من يسخّرهم، ولأجل أن تهمّش الكفاءات المهنيّة من أصحاب القيم العليا فتصيّرهم بالتّغيب تارة وبالتّهميش أخرى إلى الظّلّ. وبالفعل فقد ظهرت هذه الفعّاليّات المشبوهة بشكل جلي نتيجة الشّحن الإعلاميّ (البلطجيّة)، وأسندت إليها مهمّة الدّفاع عن الظلم، والمنافحة عن الظّالمين بدعوى الغيرة على وحدة البلد والحرص على استقلاله، وبهذه الطّريقة أيضا يستخدم المسترزقون في مجال الإعلام الجديد، وذلك باستغلال حاجتهم إلى الكسب، وباستثمار غفلتهم أو حسن نيّتهم في حرب استخباراتيّة من حيث لا يعلمون. حصل هذا في ألمانيا حال الحرب العالميّة، وفي أمريكا مؤخراً كما أشار إليه الأستاذ الكبير نعوم تشومسكي وغيره. فهناك من القنوات ما يدار بشكل مباشر من قبل المخابرات بهدف صنع قيادات تستغلّ في المستقبل، ولأجل أن تدخل تلك القنوات طرفاً في الحرب مثلما حصل في العراق عقب الاحتلال، ويحدث الآن في المواجهة مع النّظام السّوريّ المنهار، أو ما يحدث في أفغانستان حيث المخابرات الإعلاميّة أقوى تأثيرا. إنّ الاستخبارات والإعلام ذراعان خطيران لصنع الأحداث وإنتاج متغيّرات تعيد تشكيل الواقع، والضّحيّة الأولى والأخيرة هو المتلقي السّذج الذي يبتلع دون تمحيص ما ينقل إليه من الأخبار، لذلك يكون واجبا على المثقّفين قبل القيادات السّياسيّة استيعاب ما يجري واعتبار هذا البعد الجديد للإعلام، وأن تحتاط لهذا الفخّ خاصّة حال الأزمات أو أيّ حراك اجتماعيّ * ما ورد في تغريدات الدكتور فهد السّنيديّ عن الإعلام والاستخبارات وتشكيل الرأي العام