الإعلام كأي منتج اجتماعيّ ينبغي أن يخضع لاشتراطات الجودة، فهو إحدى المؤسّسات التي تحتاج إلى تطوير مستمرّ لأجل تفادي حالات الانزلاق نحو النّفعيّة والبحث عن الرّبح المادّيّ أو الوقوع في شرك الرّؤية الأحاديّة التي تنصّب الهوّيّة وثنا يستدعي الميل إلى التّعصّب استدعاء يحرّض التّنطّع ورفض التّجديد. ومواصفات الجودة عموما تقتضي مراعاة مجموعة من المعايير التي تهمّ المضمون وطريقة العرض والتّقديم معا، وعلى نحو يستبعد أيّ وضع استثنائيّ يجعل المنتج الإعلاميّ عائقاً لكلّ إنجاز تنمويّ، أو تقدّم مادّيّ يدفع إلى التّنافس في مجالات النّهوض الحضاريّ، فيصبح في ظلّ هكذا وضع مختلّ منتجا رديئا تزيده الأحاديّة والتّعتيم نوعا من الاستعداء الموجّه ضدّ المجتمع. لذلك يصبح لزاما تدريب العاملين في القطاع على احترام مواصفات الجودة والاستعانة في ذلك بالأنظمة المعياريّة العالميّة التي تحترم المتلقّي في جميع أبعاده الوجوديّة، ليكون الإعلام حقيقيّا، يستند إلى أسس علميّة وقواعد مهنيّة، وإلى مرجعية واضحة تساعد على قراءة الحراك الفكريّ في المجتمع، وعلى توظيفه والتعامل معه بشكل يدعو للاقتناع بأنّ الحضارة هي الإنسان بثقافته وتاريخه وبمنجزاته المادية وقوّته العسكرية، وليظلّ بذلك على الوضع السّليم وفي الاتّجاه الصّحيح الذي يفترض فيه أن يكون ناطقاً باسم الشّعب، مدافعاً عن مصالحه، معبّرا عن تطلعاته، يعكس على نحو مهنيّ ومحايد ما يروج على السّاحة الفكريّة من الآراء المتباينة لأداء رسالته التّنويريّة بمهارة حرفيّة على أساس القاعدة المهنيّة التي تقضي بأنّ "الخبر مقدّس والتّعليق حرّ"، حتى تستقيم تلك الرّسالة مع متطلّبات استبعاد أيّ صورة نمطيّة يمكن أن تحجب حقيقة التّنوّع في المواقف وأهمّية ذلك التّنوّع في الحراكين: الفكريّ والاجتماعيّ. ولعلّ الإعلام أهمّ مؤسّسة ليبراليّة تدافع عن الحرّيّة في المجالات السّياسيّة والمدنيّة، وتكرّس تقاليد الحوار المسئول الذي يحترم أخلاق المجتمع وقيمه الثّقافيّة، وتدعو إلى دسترة الدّولة، وإلى دمقرطة مؤسّساتها السّياسيّة والدّستوريّة، وتقوم بدور فعّال لا يستهان به في حماية العمليّة الانتخابيّة من العبث والتّزوير، وفي صيانة حقوق الإنسان والدّفاع عنها ضدّ أيّ انتهاك، كما تجنّد كافّة إمكانيّاتها في محاربة الفساد وفضح المفسدين، وبذلك وليس بغيره تستحقّ أن تكون سلطة رابعة