كرة القدم ومن لايشاهد لعبة كرة القدم التي قال عنها الرئيس الليبي المسحول في عز أيام بطشه أنها لعبة لايشاهدها الا المغفلون، فهي في نظره لعبة يجب أن تمارس لا ان تشاهد خوفا من شيء ما في هذه اللعبة الشعبية ،هذا الشيء الذي لا يعلمه الا هو وأمثاله من اعمدة الطغاة. كثيرمن الناس في عالم اليوم لايفهمون لماذا العديد من الشبان وحتى الكثير من الكهول وبعض المسنين الذكور أيضايعشقون لعبة كرة القدم ،بل ومنهم من يعشقها الى حد الجنون والهذيان.كل يوم نرى الناس يتجمهرون بشغف في الملاعب والمقاهي والساحات العامة لمشاهدة مبارة من مباريات كرة القدم، وتراهم يصرخون جميعا دفعة واحدة كصوت الرعد، أويصخبون ويلغطون خاصةحين يروا الكرة قد هز ت بضربة صاروخية فجأئية شباك خصم الفريق الذي يناصرونه، أو تراهم يتذمرون ويزفرون ويطرطقون أصابع ايديهم حين تتسلل كرة صاروخية مفاجئة لتستقر في عقرشباك فريقهم المفضل.. من الناس من يتركون اشغالهم كيف ما كانت اهميتها لحضور مبارة من المباريات التي سيخوضها فريق يناصرونه ..لازلت اتذكر بالأمس القريب حين كنا مراهقين يافعين من الصف الإعدادي كيف نطلب من اساتذتنا تأجيل الفروض إذا وافق توقيت إجرائها توقيت مبارة نود مشاهدتها..ولازلت اتذكر كيف كان توقيت المباريات وعلاقتها بإجراء الإمتحانات الدراسية تؤثر سلبا أو إيجابا على نتائجنا الدراسية ..اثناء دوريات وبطولات وطنية وأوروبية وعالمية ينزل معدلي وترتيبي في النتائج الدراسية الى أسفل السافلين.وحين تقل المباريات والتزم دروسي تتحسن حالة نتائجي الدراسية بشكل طفيف وملموس..وبقي حال دراستي المهددة بالفشل الذريع يتذبذب، حتى قررت التخفيف من حدة متابعة كرة القدم لصالح الدراسة إيمانا مني بتلك المقولة التي تقول :«من حاول ان يجلس على مقعدين سيسقط بينهما». لازلت ايضا اتذكر لحظةاحدى المباريات التي انهزم فيها فريقنا الوطني، ولازلت اتذكركيف قفز بيننا رجل هائج كالثور الإسباني ليوجه لكمة قوية لجهاز التفاز وأسقطه بضربة قضائية أرضا، وأخرج من شاشته قبضة يده وقطع زجاج الشاشة عالقة فيها، وحمله الناس على وجه السرعة الى المستشفى لتلقي العلاجات الضرورية..والناس عادة ما يفسرون مثل هذه الظواهرالجنونية بما يسمونه بالروح الرياضية أو الغيرة الوطنية إلخ..وكنا نرى كتلاميذ أنذاك في ذلك الرجل الهائج الذي هشم وجه التفاز صورة من أبطال التاريخ الذي لاينبغي ان ينسى،ترى ما أسباب تعلق أغلب الرجال بلعبة كرة القدم؟ [image] توصلت دراسة بحثية حديثة ،أجريت باسبانيا،ونشرتها العديد من الجرائد الدولية إلى أن الرجال المهووسين بكرة القدم يُثَاروا عند مشاهدة فريقهم المفضل وهو يلعب بنفس قدر استثارتهم تقريباً عند ممارسة الجنس. وقد نجح باحثون في تفسير السر الذي يقف وراء ذلك، بعد كشفهم أن مستويات هرمون الجنس "التستوستيرون" ترتفع حين يثار الرجال عند مشاهدتهم مباراة كرة قدم.هذا هو السر الخفي الذي لايعرفه الكثير من الناس خاصة النساء حول علاقة الرجال الحميمية بكرة القدم . وقام هؤلاء الباحثين بقياس مستويات الهرمون لدى 50 من أفراد الجمهور الاسباني أثناء متابعتهم لمنتخب بلادهم وهو يفوز ببطولة كأس العالم عام 2010، حيث لاحظوا ارتفاع مستويات هرمون التستوستيرون لدى الرجال من كافة الأعمار. لكن الباحثين اكتشفوا كذلك ارتفاع مستويات هرمون الإجهاد "الكورتيزول" لدى الرجال الأصغر سناً. وأوردت في هذا الصدد وسائل إعلام بريطانية عن الباحث الرئيسي في الدراسة، ليندر فان دير ميج، من هولندا، قوله: "يتسق تأثير الكورتيزول مع نظرية المحافظة على الذات الاجتماعية، في الوقت الذي يشير فيه تزايد إفراز الكورتيزول إلى أنهم يلمسون تهديداً على احترامهم الاجتماعي إذا لم يفز فريقهم".والى يومنا هذا لازال الباحثون يبحثون في هذه العلاقة العجيبة التي بدأت الأبحاث تفسر طبيعتها بين الرجال وكرة القدم في عالم لم يعد فيه لأية دولة ان تسمي دولة إذا لم يكن لديها فريق وطني كروي يمثلها ويوحد كيانها الى جانب رئيس الدولة وحكومة وبرلمان وأحزاب . ترى هل لعبة كرة القدم وحدها هي التي تثير الرجال كما يثيرهم الجنس؟..سؤال وجيه يحق لنا طرحه ايضا.شخصيا بناء على تجربتي المتواضعة التي لم ابنيها على ابحاث وفرضيات علمية مخبرية متخصصة، بل على ملاحظات ذاتية بسيطة، وقرآت متفرقة هنا وهناك لبعض الكتابات العلمية كالتي قام بها العالم النمساوي سيجوند فرويد، أو حتى بعض الكتابات الأدبية القليلة، هناك أمور أخرى تثير الرجال كما يثيرهم الجنس رغم اننا لم نسمع بمختبرات ابحاث عصرية قامت بالتحقيقات الميدانية بشأنها كما هو الحال لظاهرة كرة القدم ،ومن بين هذه الأمور ايضا الأدب، الفن وعالم الثقافة عامة.. حاولت كمبتدىءقرأة بعض ماتيسر من نظريات فرويد وعالم الأدب،و قرأت في الأدب الروسي كيف ان شاعرا كان يثيره قرض الشعر أكثر مما يثيره ممارسة الجنس مع زوجته..مشكلة هذا الشاعر الروسي المغمور أنه يعتبر الشعر زوجته الأولى ..وزوجته الطبيعية أو الثانية إن صح التعبيرحين اكتشفت هذه الظاهرة الغريبة بين زوجها والشعر، بدأت كرد فعل انتقامي بخيانته وهي تعبث بديلها في غفلة منه مع عشاقها، هذه الأخيرة التي صدمت ولم تكن قط تعتقد ان هناك شيئا آخر يمكن ان يثير زوجها الشاعر وينافسها عليه .. إن ما يبحث عنه الرجل بالدرجة الأولى في المرأة إن لم أخطىء الظن كثيراهو المتعة الجنسية، وإذا دب الملل والفتور الى هذه المتعة ترى الصراعات والخلافات الكثيرة بين الزوجين تطفوعلى سطح حياتهما إلا مارحم ربي أومن افلح في تغليب جانب العقل والحكمة والتبصرعلى جانب الغرائز الحيوانية في الإنسان.و مشكلة الرجال خاصة الشبان هي حين يصرفون جانب مهم من هذه المتعة وما يرتبط بها من طاقة وإثارةفي متابعة مباريات كرةالقدم .وحين ينفردون بزوجاتهم يحمرون أعينهم عليهن بسبب العجز ويعنفنهن بسبب استنفاذطاقتهم الليبيدية في غير محلها..ليس فقط كرة القدم هي التي تحقق هذه المتعة والإثارة، بل ايضا عالم الثقافة والفنون الجميلة، وربما هذا مادفع بأحدهم الى تعريف المثقف "بذلك الشخص الذي اكتشف شيئا أكثر تشويقا من الجنس" ، فالإنسياق وراء الرياضة والفنون وهوايات أخرى تخفف من حدة التفكير في الجنس .ولا غرابة ان نرى بعض رجال التربية وعلم النفس ينصحون المراهقين والشبان غير المتزوجين بالقيام بالرياضات المختلفة وتفريغ طاقاتهم في الهوايات التي تحقق لهم إشباعات روحية معينة تخفف معاناتهم في التفكير في الجنس. وفي نفس السياق،سبق لمؤسس العقلانية الحديثة رونيه ديكارت أن قال :لوسألنا شابا ما الجمال ؟لأجاب هو فتاة جميلة، لكنه عندي فكرة جميلة ،وهذه الفكرة الجميلة هي التي تحقق له المتعة واللذة..المشكلة في هذه الفكرة الجميلة والمتعة واللذة أن هناك من تتحقق له مع المرأة،وهناك من تتحقق له مع كرة القدم أو مع فن من الفنون، أو في اشياء اخرى مثلما كان يصرح أنطون بافلوفيتش تشيخوف الذي هو طبيب وكاتب مسرحي ومؤلف قصصي روسي كبير والذي ينظر إليه على أنه من أفضل كتّاب القصص القصيرة على مدى التاريخ ومن كبار الأدباء الروس. ورغم إهتمامه بالأدب الذي جلب له شهرة لم تحصل له في الطب، أستمر ايضاً في مهنة الطب وكان يقول "ان الطب هو زوجتي والادب عشيقتي".. خلاصة الحديث، العلاقة بين الرجال وحتى بعض النساءو كرة القدم وعالم الثقافةوالأدب والفن ..علاقة مثيرة وغريبة جدا تحتاج الى دراسات علمية أخرى رصينة لفهم هذه العلاقة العجيبة .. محمد حدوي -كاتب ومراسل صحافي