المحور الثالث : تقرير البنك الدولي وانبثاق الميثاق الوطني للتربية والتكوين " La politique éducative est généralement conçue par le pouvoir politique qui selon ça nature recherche ou évite la participation des citoyens,. "........... L. D'HAINAUT أ- الميثاق الوطني للتربية والتكوين...الزيف ...و...الوهم . لقد أدت سياسة ضخ ثروات هائلة لصالح الإمبريالية خدمة الدين الخارجي إلى مضاعفات كارثية ، ويأتي قطاع التعليم على رأس القطاعات المتضررة والمستهدفة باعتباره- حسب الخطاب الرسمي- قطاعا غير منتج، لهذا عملت الدولة على الإجهاز عليه تحت غطاء الأزمة التعليمية وضرورة الإصلاح، وعكس ما كان منتظرا من تنفيذ توصيات اللجنة الوطنية المعينة بتاريخ 16 يونيو 1994 ، قامت الدولة بطلب مشورة ومعونة البنك الدولي ، الذي سرعان ما يرد سنة 1995على الرسالة الملكية الموجهة إليه بتقرير يطعن في محتويات خلاصات اللجنة الوطنية التي ليست لها –حسب رأيه- نظرة شاملة للتربية والتكوين على المدى الطويل. وجاء تقريرالبنك الدولي حابلا بالأوامر والتعليمات والاملاءات وعلى رأسها تخفيض ميزانية التعليم والتراجع عن المجانية لتستطيع الدولة تخصيص حصص كبيرة في الميزانية لخدمة الدين الخارجي، فهو يشير بوضوح إلى: "إدخال آليات وميكانزمات لاستخلاص التكاليف ويجب حث الجماعات المحلية على لعب دور أكثر نشاطا في تمويل وتعبئة التعليم الابتدائي... ويجب تقييم وقع إدخال مصاريف التمدرس في التعليم الثانوي العمومي على المالية العامة، وذلك عن طريق إحداث مصاريف التمدرس في قطاع التعليم الثانوي العام، وكذلك المسجلون في التكوين المهني يجب عليهم المشاركة في تكاليف تكوينهم، أما فيما يخص التعليم العالي العام فيجب الحصول على مصاريف التمدرس لتغطية 20 في المائة إلى 25 في المائة من التكاليف... ويجب التقليص من الإعانات المالية الموجهة للخدمات الاجتماعية.." كما أوصى التقرير ب :" خوصصة التعليم وخاصة التعليم الثانوي والعالي، ومما جاء فيه ايضا : "إن دور الدولة في التعليم يجب أن يتغير حتى تتمكن أنظمته من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. وقبل سنة 2010 فإن نسبة مهمة من التعليم الثانوي والعالي يجب أن توفرها مؤسسات خاصة" (انظر تقرير البنك الدولي حول: التربية والتكوين). ولم يقف الامر عند هذا الحد بل تعداه الى التدخل في كيفية تشكيل اللجنة التي ستسند لها مهمة إصلاح التعليم . هذه التوصيات و هذه الإملاءات هي التي ستكون منطلقا لإنجاز ما يعرف بالميثاق الوطني للتربية والتكوين، لسنة 1999 الذي وضعته لجنة مشكلة من 33 عضوا: عضوان عن المجالس العلمية، 14 عضوا عن الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، و8 أعضاء عن المركزيات النقابية و9 أعضاء آخرين. في غياب ممثل للوزارات المعنية بقطاع التعليم و عن القوى السياسية غير الممثلة في البرلمان، وعن المجتمع المدني. كما أن إشراك النقابات في هذه اللجنة كان الهدف منه -ولا ريب -هو شراء سكوتها وعدم افشال هذا المخطط ، لم يأت هذا الميثاق استجابة لحاجة مجتمعية او نتيجة لتشخيص دقيق وعلمي للوضع التعليمي بالبلاد بل مجرد تطبيق فعلي وحرفي أعمى وترجمة ممتازة لإملاءات وتوصيات البنك الدولي. لقد كان ظاهر توصيات هذا التقرير _ الذي أحيط إعداده في سرية تامة، والذي لم يطرح لا للنقاش ولا للحوار ولا المصادقة _ انقاد النظام التعليمي المغربي من الإفلاس : "... منظومة إصلاحية تضم مجموعة من المكونات والآليات والمعايير الصالحة لتغيير النظام التعليمي والتربوي وتجديده على جميع الأصعدة والمستويات قصد خلق مؤسسة تعليمية مؤهلة وقادرة على المنافسة والانفتاح على المحيط السوسيواقتصادي، ومواكبة كل التطورات الواقعية الموضوعية المستجدة، والتأقلم مع كل التطورات العلمية والتكنولوجية ولاسيما في مجالات: الاتصال والإعلام والاقتصاد... كما يعتبر الميثاق الوطني مشروعا إصلاحيا كبيرا وأول أسبقية وطنية بعد الوحدة الترابية وعشرية وطنية(2000-2009) لتحقيق كافة الغايات والأهداف المرسومة من إخراج البلد من شرنقة التخلف والأزمات والركود والرداءة إلى بلد متطور حداثي منفتح تسوده آليات الديمقراطية والجودة و القدرة على المنافسة والمواكبة الحقيقية " ولكن باطنه وروحه وجوهره بتعليمات من البنك الدولي هو الإجهاز على ما تبقى من المدرسة العمومية ومن كرامة نساء ورجال التعليم، فالميثاق فتح الباب على مصراعيه أمام القطاع الخاص وذلك بتمكينه من امتيازات كثيرة كإعفائه كليا من الضرائب، أداء منح مالية لدعم المؤسسات الخاصة ،تكوين أطر التربية والتكوين والتسيير وجعلها رهن إشارة المؤسسات الخاصة..." تقليص النفقات، خوصصة التعليم، إعادة النظر في المجانية... كما توجه نحو ضرب مجانية التعليم في الصميم؛ حيث يشير الميثاق إلى أنه: "يقتضي تنويع موارد التمويل، إسهام الفاعلين والشركاء في عملية التربية والتكوين من دولة وجماعات محلية ومقاولات وأسر ميسورة..." (ن.م. ص79). إن الدولة تسير بخطى ثابتة نحو القضاء على المدرسة العمومية وإلغاء المجانية مع تحميل الأسر العبء الأكبر في تمويل التعليم عبر رسوم التسجيل والضريبة الوطنية لتمويل التعليم – التي أحدثها الميثاق – أما الجماعات المحلية التي تعول عليها الدولة فأغلبها فاسد أو ميزانيته لا تكفي حتى للاستجابة لمتطلباته. وعلى الرغم من طموح المجالات والدعامات الإصلاحية التي بني عليها الميثاق: (نشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي- التنظيم البيداغوجي- الرفع من جودة التربية والتكوين- الموارد البشرية- التسيير والتدبير - الشراكة والتمويل..) فقد تحول إلى شعارات موسمية ومناسباتية وشكليات بيروقراطية لاعلاقة لها بالواقع العملي والتنفيذي ولا صلة له بجوهر الإصلاح و يظهر ذلك جليا من خلال الواقع العملي ومن منتديات الإصلاح التي سهرت الوزارة المعنية على تفعيلها بشكل عشوائي وارتجالي ولم تجد اهدافها ( مشروع الإصلاح- مشروع المؤسسة- مفهوم الجودة والارتقاء- الشراكة التربوية....)، طريقها الى التطبيق العملي . كما بقيت قراراتها مجرد حبر على ورق في المذكرات والمنشورات والمطبوعات لانعدام الموارد المادية والمالية والبشرية لتنفيذها وتعقيد المساطير الإدارية والقوانين التشريعية والتنظيمية . يمكن القول أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين قد اعتمد على آخر النتائج والنظريات المعرفية الحديثة، خصوصا علوم التدبير والإدارة ، علوم التربية...لكن يبقى المشكل الكبير والتاريخي، هو كيفية تطبيق هذه المقاربات ، لأنه غالبا ودائما ما نلاحظ عدة اختلالات في التطبيق لذلك يمكن القول أن إشكالية منظومة التربية والتكوين تكمن غالبا في التطبيق وليس في التنظير. وعلى الرغم من التعبئة الكبيرة وعلى الرغم من تعاون المركزيات النقابية وتناغمها مع خيارات الدولة. إلا أن الواقع يعطينا انطباعا مخالفا لما جاء به الميثاق، و قد شهد شاهد من اهلها فهذا المجلس الاعلى للتعليم يقر ب "إننا نخسر عمليا ثلث تلاميذنا مع كل مرحلة دراسية (..) على طول المسار الدراسي من المدرسة الابتدائية الى الجامعة".وحسب الإحصاءات الرسمية فإن 40% من التلاميذ لا يكملون دراستهم، إذ غادر مقاعد الدرس أكثر من 380 ألف طفل قبل بلوغهم 15 سنة عام 2006 ، كما أظهرت الأختبارات أن أكثر من 80% من التلاميذ لا يفهمون ما يدرس لهم، و أن 16% فقط من تلاميذ الرابع الابتدائي يستوعبون المعارف الأولية لجميع المواد المقدمة لهم.كما ان هذه الفئة من التلاميذ احتلت مراتب متأخرة في الاختبار الدولي للرياضيات عام 2003 من بين 25 دولة واحتلت المرتبة ال24 في مادة العلوم، بينما احتل تلاميذ الثانوي المرتبة ال40 على 45، وأكثر من نصفهم لم يحصلوا على النقاط الدنيا.كما احتل تلاميذ الفصل الرابع ابتدائي المرتبة ال43 على 45، و 1⁄4 الربع منهم فقط وصلوا للمستوى الأدنى المطلوب في دراسة للبرنامج الدولي للبحث حول القراءة التي أجريت عام 2006، وصنف تلامذة المدارس الابتدائية في المغرب في المرتبة الأخيرة في العلوم والقراءة .وقد اثبت البرنامج الدولي لقياس مدى تقدم القراءة في مدارس العالم (بيرلز) ومقره كيبيك في كندا أن أداءهم تراجع عام 2006 عما كان عليه قبل خمس سنوات ،وبالمقارنة مع الدول المجاورة يبدو المغرب في موقع التلميذ البليد . ومن جهته صرح السيد احمد اخشيشين وزير التربية الوطنية السابق : "إننا البلد الوحيد في العالم الذي لا يملك نظاما لتقييم التحصيل الدراسي". و صرح الاستاذ احمد بلفقيه –رحمه الله- مستشار الملك ورئيس المجلس الأعلى للتعليم :"ان النفقات التي يكلفها التلميذ المغربي تبلغ 525 دولارا في السنة مقابل 700 في الجزائر وأكثر من 1300 في تونس". كما ان المغرب يخصص للتعليم (حوالى سبعة ملايين تلميذ و170 ألف أستاذ) ميزانية بقيمة 31 مليار درهم وهو ما يمثل 26% من ميزانية الدولة، يخصص القسط الأوفر منها لرواتب الموظفين . كما تؤكد الاحصائيات الرسمية انه من بين 100 تلميذ في الصفوف الابتدائية لا يواصل منهم سوى 13 فقط الدراسة حتى الحصول على شهادة الباكالوريا عشرة منهم يعيدون الصف مرة واحدة على الأقل. اما بخصوص البنية التحتية للمدرسة المغربية فإن التقارير الرسمية تعتبر تسعة ألاف قاعة صف غير صحية ولا سيما في المناطق الريفية حيث لا يصل التيار الكهربائي الى 60% من المدارس وتفتقر 75% منها إلى مياه الشرب وأكثر من 80% منها ليس بها مرافق صحية. ومن رحم هذه الأزمة القاتمة خرج المخطط الإستعجالي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ..... يليه ان شاء الله المحور الرابع : المخطط الاستعجالي بين تبخيس صورة المدرس وابعاد الشبهة عن المسؤولين الحقيقيين