اجتماع الحمير في" فندق " عادي شاءت الأقدار أن أمر بالقرب من سوق أسبوعي معين , ورجعت بي الذاكرة والشوق والحنين الطفو لي , إلى زيارة مكان خاص بهذا السوق , والذي يزوره غالبا قليل من الباعة أو المشترين , ألا وهو " رحبة الحمير " والتي تسميها العامية من الناس ب"الفندق" , لما كنت صغيرا طفلا , كنت ومجموعة من الرفاق آنذاك , نحمل في مثل هذا اليوم , بطيخة حمراء "الدلاحة" , قد نشتريها في ذلك العهد بخمسين فرنكا نحاسية صفراء اللون , ونجلس على حائط "الفندق" , وقد اقتسمنا البطيخة بقوة إلى أطراف متفاوتة , نتلذذ بأكلها , ونحن نشاهد الحمير تتصارع مصارعة يابانية , وكانت فعلا ملاذا لنا وتسلية رائعة بعيدة عن أنظار أهلنا وأسرنا ... وبينما أنا واقف بنفس الزاوية التي كنت آوي إليها , وأنا طفل صغير , إذا بي ألاحظ حمارا ضخما أشهب اللون , ثاو على صخرة كبيرة , يطل على باقي الحمير , وهي تنظر إليه محركة ذيولها لإبعاد الذباب وبعض الحشرات التي تحب الالتصاق بها لامتصاص دمائها . وفجأة اخذ هذا الحمار الزعيم يلقي خطبة شفوية يمتزج فيها النهيق والزفير ,فقال لرفاقه الحمير : أخواتي الأتان ,إخواني الحمير , مرحبا بكم , في أول اجتماع لنا بمناسبة اقتراب الانتخابات , بعد غيبة طويلة , لم تشأ الظروف القاهرة التي مررنا منها مؤخرا . أن نلتقي ونجتمع , وبعد . إن ما يثلج صدورنا اليوم , هذا اللقاء ألحميمي الذي جمعنا فيه الله سبحانه وتعالى , بعيدين كل البعد , عن البشر , والعصي , وكل أصناف الاستهزاء بنا , والشتم والتعذيب بشتى الطرق كالتجويع والضرب المبرح و... يتدخل حمار عجوز دامي البطن : من فضلك اختصر في خطبتك قبل أن يعود صاحب "الفندق ", ويفرق تجمعنا بطرقه الهمجية , ارتفع نهيق بعض الحمير الخائفة من التعذيب . مؤيدة رأي الحمار العجوز . أتابع يضيف بطل الحمير : آن الأوان للدفاع عن حقوقنا ومطالبنا , إن الإنسان اليوم لا يشعر بوجودنا , ولا يهمه إلا النجاح في الانتخابات , ففي المدن يعتمد على السيارات الفخمة والكبيرة في الحملة الانتخابية , وينسى أننا نحن معشر الحمير نقوم بخدمات اجل وأحسن من خدمات سياراته , وخاصة في العالم الجبلي والقروي و... ارتفعت زغاريد الأتان ونهيق الحمير المجتمعة مؤيدة أفكار زعيمها . واخذ الأشهب يضرب الأرض بحافره الأيمن صارخا بأقصى صوته : نريد نصيبنا من التعويضات المخصصة للانتخابات المقبلة , والزيادة في العلف ونصيب الشعير والبرسيم أيضا , وإلا لن نحمل أي ناخب أو مرشح من منزله إلى مكاتب الاقتراع والتصويت . يتدخل جحش صغير ويقول بعد أن سكت الجميع : أيها الحمير الشجعان العاملين في الظل , لا تحتقروا أنفسكم في بلدكم هذا , إن إخوانكم في أمريكا الشمالية يتمتعون بكل الحقوق والمطالب , يتدخل بسرعة فائقة حمار بائس ذو ذيل منقرض : أعطينا مثالا لهذه الحقوق والمطالب ؟ يتقدم الجحش إلى الأمام لكي يراه باقي الحمير المجتمعة ويضيف قائلا : يكفي حمير أمريكا الشمالية فخرا واعتزازا أن صورة الحمار رمز وشعار لأحد أحزابهم الثنائية المشهورة . أما نحن في بلدنا هذا , يستعملون كلمة "الحمار "كتعبير عن البلادة والنكت المستهزئة . يعود الحمار البطل إلى تهدئة رفاقه الحمير المستنفرة مبتسما ومفرجا عن أسنان كبيرة بيضاء محاولا الاستهزاء من الإنسان نفسه : شاهدت في شارع كبير في مدينة يظن سكانها انه في قمة التحضر والتمدن , رجلان يتبادلان اللكمات القوية والرفس الشنيع , والسبب أن احدهم نعث الأخر بالحمار. انفجرت الضحكات والقهقهات من أفواه كل الحمير المجتمعة في "الفندق" . تقف أناة شابة ذات عيون كبيرة رائعة لتقول أمام رفاقها برنة موسيقية : إننا نحن الإناث نغتصب من طرف بعض الشواذ من البشر ,والحمد لله , إننا لا نلد , يعود الحمار الشاب لإنقاذ الموقف معبرا بسخرية وتهكم : لنفرض ستلدن منهم , ماذا ستلد المغتصبة منكن , لن تلذن جحشا جميلا , ولا حمارا قويا , وبالطبع ستلد نغلا حقيرا . اختلط النهيق بالقهقهة الشيء الذي أزعج صاحب "الفندق" والذي تدخل لينهال على ظهر الحمار البطل بعصا غليظة جعلت المجتمعين يتفرقون و يفرون في كل اتجاه خوفا من العقاب . محمد همشة 09/09/2011.