في محطة - تليدة، على مدار ساعة عتيقة،-معلقة فوق رصيف،في الهواء الطلق دقات عقرب بسيط تملأ المكان، في وقت متأخر من الليل،دقة،دقة. دق،..دق، دق، الدق دق،.. دق، الدق .. رفيف أوراق جوقة شجيرات مصطفة على الرصيف المقابل، ربعها خريف،وربعها شتاء، وربعها ربيع، وربعها موت بطيئ .. المكان تحفة في متحف الدنيا تدب فيه الحياة فصلا فصلا ومنذ زمن بعيد.. عمري من عمرها -الحياة-يفني ، وهي -الحياة- لا تقضي.. تدب في،.. كما تدب في عقرب بسيط ، يحسب الزمن بإيقاع دقات القلب،دقة ،دقة، دق،.. دق، دق، الدق كم دقة يدق القلب في الفصل الواحد؟ كم دقات القلب في الخريف.. كم دقات القلب في الربيع.. ولاصوتا آخر،في المحطة،..، غير صوت عقرب الساعة،يدق، ورفيف أوراق الشجر ترف.. في وقت متأخر من ليل،..،طويل.. -وكل ليل ياليل.،-ينتظر، كما أنتظر ننتظر معا،أنا والليل، كل يوم وصول قاطرة النهار كي أغادر ويغادر، وحدنا معا نسافر من المشرق إلى المغرب، كل يوم، وفي مثل نفس الوقت،كهذا اليوم كالأمس كالغد.. ومنذ عمر ، في مثل هذا الوقت أستقل قطار النهار القادم من الشرق وقت نهاية الشغل.. لم يكن مكتوبا على جبيني أن أركب العودة على قطار المسافرين... شاء قدري المكتوب بكتاب القدر، بخط القدر، وبحروف القدر،..أن يصادف وقت نهاية الشغل مرور قطار البضائع،.. تارة أستلقي فوق أكوام الفوسفاط الخام..أورمال البحر، وتارة أتوسد الحديد أوأستلقي فوق أكياس الإسمنت،المسلح والغير المسلح، وتارة بين علب الكارتون الكبيرة المتكعبة بكل أشكال الطول والعرض كمن رمت به الأقدار بأحد أركان ''مانهاتن'' في الرسوم المتحركة ، فيها ما أشتهيه من الثلاجاتهات، والتلفازتهات ..، المسطحاتهات..، آخر موديلاتهات... والأفران بكل الأشكال والألوان والعصاراتهات، وآلآلاتهات.. ومرة فوق رزم وأكياس ملابس الخردة القادمة من وراء المحيط، مختلطة الألوان تسافر إلى الهنا ،ليمثلوا بها على خشبة مسرح الحياة.. قبل ما أصل، إلى المنزل.. كل نهار بعمر ، في ليل ، في سبات عظيم غارق، نائم ميت،يتنفس حي،يحلم .. كان مكتوبا على جبيني أن يتحفني قطار النهار كل يوم بحلم جميل، فأحلم تارة بحلم رب أسرة مكرمة تتبحر مع الأولاد في أحلى وأكبر شط رمال شاسع منمحمول هو والمحيط،على بساط يطير في السماء على قطار من حديد.. تنعكس على قاطرته ضوء النجوم في زرقة الليل،.. وتارة،ياتارتها..، لما يوتر النوم على الشاشة حلم عامل كادح،إستغله رب العمل أيما إستغلال، ورمى به في النهار بالورش، ''برويطة''.. تتوسد الحديد، والإسمنت المسلح والغير المسلح.. تقتات الفطور قطرانا مقطر.. وتارة بحلم،وآه من أحلامي ، في مطبخ عصري وفق آخر معمار يدور في السوقتاه.. يمزج بين معمار الشرق و معمار الغرب.. يزاوج بين معمار الشمال ومعمار والجنوب.. ويزينه بمعمار القطبين الوحيدن في الكون.. ومجهز يا مجهزتاه، وبأحدث الأجهزة آخر طرازتاه وتارة بحلم يا حلمتاه ، في حلم، وفي وضح النهار، على خشبتين تسبحتا في السماء، على جناح قطار، على خردة قادمة من وراء البحر كيف تحولت في الحلم على أكوام من قطن..أبيض، ناصع يتهادى في الفضاء، كما قمر يكتب بضوئه يوميات ربيع آخر في الليل قبل أن يلوح الصباح، كما قوس قزح عندما يطلع في النهار، ألوح للمشاهدين فوق خشبة أتمسرح ثم أختفي وراء الكواليس كي أغيرالملابس كي أكمل الدور قبل وصول القطار، لازلت واقفا على الرصيف أنتظر، عاملا، مياوما بالليل ، قبل قليل غيرت ملابس العمل، بملابس العمر، قبل قليل خلصت الشغل، بربع خلصة في الجيب.. قاطرة الليل تصفر، بعد قليل ستغادر.. دق..،دق الدق قاطرة النهار تصل دق..،دق الدق، وهكذا أنا مياوم يوما بيوم، بأحلام النوم بالنهار، بأحلام اليقظة،بالليل.. المصطفى الكرمي. 14 أبريل 2011