الغيرة في مفهومنا اللغوي تحتمل عدة معان ، أولها الحمية التي يحس بها انسان تعرض للإعتداء على ممتلكاته ويحاول أن يقاوم هذا الإعتداء . و الغيرة قد تعني أيضا حماس الإنسان لعمل بذاته ، كما قد تعني أيضا خوف الرجل على زوجته أو خوف الزوجة على زوجها ، وربما تعني نوعا من التنافس بين انسان و انسان آخر يغار منه ، وهنا ترتدي الغيرة لباس القبح ، بمعنى أن يتمنى الشخص لو كان له ما لصاحبه وهذا ما يسميه اللغويون بالغبطة ، وهذا إذا لم يكن يتمنى زوال النعمة بتاتا من الشخص الآخر ، أو الغيرة إذا دخلته الرغبة في زوال الحظ الطيب الذي ناله زميله أو صديقه .( وما أكثر هذا النوع من الغيرة في مجتمعاتنا ) . وأغلب الظن مرد ذلك كله هو غيرة الرجل على امرأته أو غيرة المرأة على زوجها وهنا يحدث الصراع بين مفهومين هما العذاب و النعيم ، فغيرة الزوج يمكن أن تكون مصدر عذاب كما يمكن للعكس أن يحدث ، ونلاحظ في هذا النوع أن السبب في الغالب هو الحب و احساس الرجل بقيمة زوجته ورغبته في الإحتفاظ بها خشية من أن ينالها شخص آخر ورغبته بالتالي بأن تلتزم بما يراه صالحا من السلوكيات و الأفعال ، لطمأنة غيرته و العكس من ذلك بالنسبة للمرأة تجاه زوجها ، و الغيرة بهذه الصفة قد تكون في حدود السواء ، وهذا أمر يدعو إليه الدين ، ففي حديث لرسول الله ص قال : \" لا يدخل الجنة ديوس \" قيل ومن هو الديوس يارسول الله قال : \" الذي لا يغار \" ، غير أن الغيرة قد تترك حد السواء إلى حد المرض . قد تكون الغيرة محتوى لضلال أي معتقد ، حيث يصور للإنسان أن امرأته تخونه وان كان ذلك غير صحيح ويفهم سلوكها وتصرفاتها على هذا النسق مما يمهد الطريق إلى علاقة تشوبها المشاكل و يتخللها العذاب ، وفي هذه الحالة تكون الغيرة جزء من حالة ضلالية يعاني منها الشخص كما قد تتطور بشكل وسواسي تظهر في صورة خوف لا مبرر له إذ يتصور من خلاله الفرد وقوع خيانة من زوجته دون أن يحدث ذلك ، وهكذا فإن الخيانة سيف ذو حدين ، هي غالبا ما تكون نتيجة للإفراط في الحب للطرف الآخر . إن الغيرة السوية وهنا نؤكد ( السوية ) ، تؤكد للزوجة أو الزوج حب الطرف الآخر له واهتمامه به كما تؤكد قيمته لديه وهي بهذه الصورة تعطي للعلاقة الزوجية نكهة خاصة و بعضا من التشويق و نوعا من الإثارة ، وهنا يمكن للغيرة أن تلعب دور السد المنيع أو الحاجز الواقي من جريمة نكراء هي الخيانة الزوجية ، التي ما أكثر أسبابها ودوافعها و ما أثقل رواسبها وهنا يمكن أن نضيف سببا من مسبباتها ، الغيرة المفرطة أو بتعبير آخر الغيرة التي لم يحسن الفرد استغلالها له ، لا لضده فهي شعور مؤلم إذا تعدى حده وزاد عنه ، ما نرى المشاكل تنشأ بين الزوجين وبين المحبين بسبب الغيرة وقد تطغى هذه الغيرة أحياناً وتصل إلى حد الشك والظن والحرمان وربما ينتهي الحب على يد هذا الإحساس الذي زاد عن حده فنقلب إلى ضده . وفي الأخير أود أن أقول إن الغيرة قوة روحية تحمي المحارم والشرف والعفاف من كل مجرم وغدار ، و الغيرة السوية مظهر من مظاهر الرجولة الحقة ، وهي مؤشر على قوة الإيمان ورسوخه في القلب ، نعم .. إن أشرف الناس وأعلاهم قدرا وهمة ، أشدهم غيرة على نفسه وخاصة أهله ، ورحم الله ابن القيم يوم قال \" إذا رحلت الغيرة من القلب ترحلت المحبة بل ترحل الدين كله \" . هذا رأي ولكم يسند النظر