سلام بكل اللغات، وبجميع اللهجات... حب ووئام للإنسان وكل الكائنات،على كوكبنا فوق اليابسة وفي جوف الأرض... وفي السماء وسطح وقعر البحر... سلام على كل الأقلام، من اليمين إلى الشمال: قلم من قصب، يليه قلم الرصاص، وبعدهما أقلام من وحديد ونحاس وفضة وذهب... سلام على ريشة ترسم بالأبيض والأسود وبالألوان، وريشة تعزف على الأوتار، وريشة تسقط من جناح حمامة بالقرب من باب الدار، يلتقطها طفل صغير و يزفها إلى كل الأطفال... ولا سلام على الأقلام الجافة... ولا سلام على أقلام القصدير وأقلام تنام على القطن في علب الهدايا المبطنة يتباهى بها أصحابها في مناسبات التوقيع والتوقيع على أي شيء، أو من أجل الترقيع سلام على القراء،وكل القراء بدون استثناء من يقرأ الكتابة بالحروف وبدون حروف ، من يقرأ على شاشة الكومبيوتر من يقرا الحزن والأسى في العيون... من يقرأ مسلك الطريق على ضوء النجوم، من يقرأ التاريخ بدون أخطاء في الإملاء، بدون أخطاء في اللغة والمراجع والتواريخ... لست شاعرا وأقسم بكل القصائد أنني أصغر أصغر شاعر وبكثير، أكبر شيئا فشيئا وكلما كبرت أصغر أكثر فأكثر مسقط رأسي أول يوم من خريف ولى منذ فجر استقلال الوطن إن كان فعلا قد استقل منذ ذلك التاريخ... سقط رأسي وكل بدني على شط أم الربيع، أمام باب برج العذراء... بين جبال الأطلس وشجر الأرز وبحيرتين غناء في بلاد يمتزج فيها الغناء بالعناء... في بلاد منسية تدعى بالحفرة والحمراء... مدرستي الأولى كباقي العباد أمي نحلة شغالة من الفجر إلى المساء وقطة حاذقة تنام بعين وعين على السماء... ووالدي الموظف البسيط والبسيط جدا يؤثث الحياة بالرحيل من الهنا إلى ألهناك... مدرستي الثانية رأس الدرب والكتاب، في بلدة تتزين بالثلج في الشتاء... على مرآة صغيرة بإطار من البلاستيك أصفر وفي فناء المنزل المكشوف على السماء ساعة حائطية تحسب الزمن بعقرب واحد، والثاني رمى به الزمن إلى أسفل... معلمي سيد فقيه مكتبه نصف منبر من خشب، علمني وأقراني جازاه الله خيرا الأحرف الأولى، اللام ولام ألف والباء والتاء، والدال ما ينقط ... والفاء نقطة من التحت.... والقاف نقطة من الفوق... وحفظني ما تيسر من القران... مدرستي الثانية في بلاد البوغاز بالقرب من مغارة هرقل، محفظة وديعة... ومطالعة السيد والأستاذ والمربي بوكماخ... ودفتر من فئة اثني عشر ورقة... ولوحة معدنية بإطار خشبي، ومقلمة لريشة برأسين واحد عربي والآخر عجمي وطباشير ومنشفة... ومحبرة بمداد بنفسجي، وخبز حافي معطر بعسل سيدي صالح... هذا نزر من طفولتي والبقية تأتي... أكبر رويدا رويدا وكلما كبرت أصغر أكثر فأكثر... أشم في هذه الحياة الدنيا رائحة يوم القيامة وأكثر... أرى في هذه الحياة الدنيا مشاهد من يوم الآخرة وأكثر... حاكم صغير... ليس بملك ولا وزير... يخطب فينا \" أنا ربكم الأعلى جئت إلى هنا بظهير... الجنة بجرة قلم... وبجرة قلم جهنم... بدون حساب ومن غير ميزان... أنا الحساب والميزان... أسخر لكم أيا كان... بستاني يزرع لكم في الصباح مناطق خضراء تذبل قبل أن يأتي المساء... ومناطق سوداء تختبئ من ضوء الشمس من فرط الخجل... وشيوخ يقيمون الفوضى في البناء و مقاولين يملئون البلاد بالحفر.. أشم في هذه الحياة الدنيا رائحة يوم القيامة وأكثر... أرى في هذه الحياة الدنيا مشاهد من يوم الآخرة وأكثر... تنكر الأخ للأخ... والابن للأب... قوم يبتاعون حاجاتهم نقدا ولى عليه الزمان وغدا زينة لجيد النساء... ورضيع ملفوف في قماشة بيضاء، في قمامة... يغسل دم المخاض بالبكاء... وحفار قبور للأحياء... ومضربون عن العمل... ومضربون عن الطعام... ومضربون عن الكتابة... ومضربون عن الكلام... وتائهون يغازلون الكسل... وقطاع طرق بالليل والنهار... مقنعون أو بلباس العسكر... أو ببذلة إفرنجية، وحتى بجلباب أبيض... وفي موقف للعمل رجال بلباس الهم... ونساء بلثام أسود... وأطفال بوجوه جافة يأكل منها الزمن،استفاقوا باكرا لبيع العمر... في يوم بارد مكفهر... رغيف رديء، وشاي أسود... غبار بني... ودخان رمادي، في موقف العمل أحمر يوم الحساب... ورجل على الرصيف،زيه زي القرون الوسطى، محياه محيا رحالة، لباسه لباس رحالة، ومتاعه متاع رحالة... وطفلة تسأله... وتسأل كأنها في فرجة على السينما وفي الهواء الطلق. \"من أنت يا رجل؟\" \"أنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد الطنجي، أمير رحالة المسلمين، أنا ابن بطوطة... طفت وقاضيت في بلاد المغارب والشام والحجاز والعراق وفارس واليمن، وتركستان والبحرين... والهند والصين وما وراء النهرين... والجاوة وبلاد التتار وأواسط إفريقيا... بدون تأشيرة بدون جواز سفر... رسمت خريطة وأول خريطة لرحلة عظيمة بدون منظار، بدون طائرة ولا أقمار اصطناعية... ماذا يقع هنا؟ هل قامت عندكم القيامة في الفرن الواحد والعشرين.اين هو حاكمكم؟\" نطق رجل أمامه أدوات قطاف الزيتون، \"حكامنا سيدي كثر حتى أكثر من أصابع اليدين والرجلين... حاكم سيأتي بعد حين يوزع علينا العمل... وحاكم سيقود بنا شاحنة رب العمل... وحاكم آخر ينتظرنا في الضيعة ببندقية في اليد... وحاكم قد يأتينا في المساء وقد لا يأتي قد يسلمنا وقد لا يسلمنا الأجر... وحاكم هناك في تلك البناية يحكم هذه المقاطعة يسلمنا شهادات السكنى والفقر... وحاكم معه في نفس البناية يسلمنا شواهد الميلاد والترخيص بالدفن وحاكم آخر في تلك البناية،هناك وراء الشجر يمسك أختام أبواب المدينة والمتاجر والمدارس... ومفاتيح عدادات ماء وكهرباء البيوت... ويمسك بكل الحناجر... وزد على ذلك حكام في الخفاء... \" أشم رائحة الموت في نفسي، زنبقة بيضاء تحيى مع روحي... تستظل قوس قزح، بالقرب من عش هدهد مهجور أسفل جبل... لم يعد الهدهد إلى عشه منذ أن كلم سيدنا سليمان، لم يعد الهدهد يقو على الكلام... أشم رائحة الموت في نفسي وطعمها في حلقي... زهقت نصف روحي...وابتلعت النصف الآخر... اسمع صفير الموت في أذني، رأيت في هذه الحياة الدنيا ما يكفي، سمعت ما يكفي فهذه الحياة الدنيا بصل، لولا فسحة الأمل... لولا العمر بداية ونهاية... لولا حفار قبور للأموات لا يمل من العمل... لولا عصفورة السنونو تكره الكسل، وتبني العش بالطوب والحجر... لولا رائحة الحبق والأقحوان، لولا عابر سبيل يقتات مع راع غنم، لولا التين الجاف والخبز واللبن، لولا رفيف سنابل القمح وشقائق النعمان... لولا المطر، لولا سكون الليل، لولا القلم... لولا تلميذ يسافر إلى المدرسة على القدم... لولا رحمة السماء، لولا أبنائي يتوسدون ركبتي... يتوسدون ذاكرتي، يتوسلونني، \"نرجوك أبي لا تكمل، فهذه الحياة الدنيا بصل، لولا أنت وليلتنا عسل فارو لنا قصة الهدهد مع سيدنا سليمان، كيف والى أين رحل...\" والى اللقاء بجميع اللغات واللهجات... أبو مهدي ملك الزهراء الجمعة 17 يوليوز 2009