ورقة بعنوان: الإصلاح التّربويّ مدخل منطقيّ ومعقول لتحقيق الأمن الاستراتيجيّ استهلال \"لا بدّ لتّجديد ناجح في مجال التّربيّة والتّكوين من باراديغم (Paradigme) جديد\" عن توماس كونا بتصرّف مقدّمة عامّة: تسارعت الأحداث والأزمات عند بداية الألفيّة الثّالثة في ظلّ العولمة الكاسحة على نحو يثير القلق ويدعو إلى التّفكير بجدّيّة، حيث أصبح التّركيز على فعّاليّة الإنسان بوصفه أداة ووسيلة وهدف أيّ إنتاج مجالا للعمل على تحسين مستوى فرص ونطاق الاختيار: عبر بناء القدرة التّربويّة والتّعليميّة، الصّحّيّة والاجتماعيّة، الفكريّة والثّقافية، الدّينيّة والخلقيّة، الاقتصاديّة والسّياسيّة، وعبر توفير شروط المواطنة الحقيقيّة، والتّمكين للمشاركة الحرّة الواعية والمسئولة، على نحو يقوم على تفاعل الفكر والعمل وتلاحم الرّأي والجهد وتضامن الأجيال، فيؤسّس الحاضر ويعدّ العدّة للمستقبل في عالم يحكمه منطق الصّراع ولا مجال فيه للتّراخي والارتخاء. فالأرض محدودة الموارد الطّبيعيّة والإمكانيّات المائيّة والزّراعيّة، ولن تسمح الأمم الغنيّة الأكثر تقدّما في المجالات العلميّة والتّقنيّة بالتّضحيّة برفاهيتها، ونمط حياتها الذي يتمتّع فيه أفرادها بأعلى مستوى معيشيّ ممكن، لكي توفّر الغذاء والسّكن والعطف للأمم التي تطوّعت بانسحابها من المشاركة في جهد الإنسانيّة في مجال الإنتاج والإبداع، وسمحت بنموّها السّكّانيّ على نحو غير مسئول والإنسانيّة تقترب من حدود الذّروة في إنتاج البترول، ويجسّد هذا الاقتراب حالة فريدة في التّاريخ حيث ستتعاظم الحاجة إلى الطّاقة، وستتعاظم بتعاظمها الأنشطة الاقتصاديّة التي لا تترك خيارات كثيرة لمواجهة المستقبل والتي تؤثّر على البيئة وترفع من أخطار التّقلّبات المناخيّة، لذلك فإنّ التّنميّة المتناغمة مع الحاجات البيئيّة ضرورة جوهريّة لنقل ميراث البشريّة إلى الأجيال القادمة ولاستمرار الحياة على كوكب الأرض، وهذه حقيقة تستلزم جهدا وتغييرا اجتماعيّا لن يكون من السّهل تحقيقه إلاّ بإرادة مشتركة مبنية على العلم والمعرفة والقيم الكونيّة والحرّيّة من حيثُ ارتباطُها بالمسئوليّة شرط واجب لتحقيق تنميّة متوازنة ومندمجة، فهي آلية تطوير حضاريّ تساعد على تقدّم وتطوّر القدرات العامّة للأفراد وللمجتمع، لكن السّياسات العامّة التي لا تألو جهدا في خصخصة القطاعات الاستراتيجيّة واستقطاب الاستثمارات الخارجيّة واجتذاب الأموال الأجنبيّة يزداد مع مرور الوقت ارتباطها بسياسة السّوق، فترهن قرارها المستقلّ باطّراد كلّما أمعنت في النّضال من أجل ربح مؤشّراته سريعة التّقلّب شديدة الانقلاب، وقد لا تستفيق إلاّ بعد فوات الأوان عند مواجهة صدمة السّيطرة الصّامتة للشّركات الكبرى على الاقتصاد الوطنيّ حيث تركّز على الدّوافع التّجاريّة الرّبحيّة ولا تعنى بالدّعم والرّعاية الاجتماعيين على نحو يرضي طموح الدّولة ويلبّي حاجيات المجتمع، وهنا يصبح الحديث عن الأمن ضرورة استراتيجيّة في الحقل التّربويّ والعلميّ والدّينيّ كما في الحقول التّقنيّة والزّراعيّة والمائيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة (1 مفهوم الأمن: أ) في اللّغة: الأمْن والأمان والأمَنَةُ والأمَانَة والإيمان أسماء للحالة التي يمكن أن يكون عليها الإنسان نتيجة علاقته بنفسه وغيره ومع ربّه، فالأمن والأمان يعني السّلام والطّمأنينة وهما نقيض الحرب والخوف، ومنه الأمَنَةُ كما في حديث نزول المسيح حيث يقول نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام: (وتقع الأَمَنةُ في الأَرض) أَي أَنّ الأَرض تمتلئ بالأَمْن فلا يخاف أَحدٌ من النّاس والحيوان، قال ابن الأَثير: (وقد يراد بالأَمَنةُ جمعأَمينٍ وهو الحافظ)، والأمانة نقيض الخيانة وهي اسْم لمَا يُؤْمَنُ أو يؤتمن عليه الإِنْسَانُ كقَولِهِ تعالى في الآية السّابعة والعشرين من سورة الأنفال: (يا أيّها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرّسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون،أمّا الإيمان فهو نقيض الكفر وهو قول باللّسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان والأمن عموما مستويات عديدة تمسّ جوانب مختلفة من حياة الفرد والمجتمع منها ما هو دينيّ واجتماعيّ وتربويّ، ومنها ما هو علميّ وتقنيّ، ومنها ما هو مائيّ وزراعيّ وغذائيّ، ومنها ما هو اقتصاديّ وسيّاسيّ وعسكريّ، ومنها ما هو حدوديّ وترابيّ ب) في الاصطلاح السّياسيّ: يراد بمصطلح الأمن الاستراتيجيّ تحيق الكفاية اللاّزمة في المجالات الاقتصاديّة والمناحي العلميّة والتّقنيّة لضمان القرار السّيّاسيّ المستقلّ بعيدا عن الضّغوط والمساومات التي قد تمارسها أطراف خارجيّة للتّأثير على موقف إدارة البلد اتّجاه قضيّة معيّنة، ويتحقّق بتسخير الفائض في الإنتاج للحفاظ على القدرة التّنافسيّة في مستوى يعمل على النّموّ المستدام وعلى تطوير القاعدة الإنتاجيّة وتحقيق التّقدّم بشكل مضطرد (2 الشّروط العامّة لتحقيق الأمن: قال تعالى في الآية الخامسة والخمسين من سورة النّور: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنّنّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنًا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)، فهذه الآية الكريمة تشير إشارة صريحة إلى أهمّيّة الاعتصام بالقيم الدّينيّة والخلقيّة المبنيّة على توحيد الخالق، المستقيمة في سعيها إلى ما ينفع النّاس كلّ النّاس على السّنّة الصّحيحة في حقل الدّعوة والتّأسّي بسير الصّالحين في مجال استكمال جهد النّبوّة، المؤسّسة على تحقيق العدل الذي يستغرق كلّ نواحي الحياة الاجتماعيّة، وتنوّه بقيمة ذلك كلّه في الإبقاء على اليقظة الحضاريّة والمساعدة على تقبّل واقعة وحقيقة الاختلاف بين الشّعوب، والاستفادة من التّعاون والتّعارف مع كلّ والأمم والثّقافات، والتّمكين من الاستخلاف والرّيادة في مجال الحضارة الذّكيّة وعمارة الأرض وتبقى التّربيّة هي جماع هذا الأمر وعماده لعنايتها بالتّطوير العلميّ والثّقافيّ الذي يساعد على تجديد النّخب، وقيادتها لعمليّة التّأهيل وبناء القدرة الإنسانيّة التي تنتج قاعدة نوعيّة تساهم في تطوير الأنماط الاجتماعيّة وإعادة تشكيل البنية الاقتصاديّة القائمة، فتصوغ الأساس الموضوعيّ الذي يسند التّنميّة الشّاملة ويدعم تطوّرها الكمّيّ والكيفيّ بما يقيم بنًى إنتاجيّة نوعيّة، تشمل كلّ الفروع التي من شأنها أن تسدّ حاجات السّوق المحلّيّة فتحقّق الأمن القوميّ طبقا لاستراتيجيّة طويلة النَّفَس طويلة المدى، تسعى للخروج بالأمّة من حال الغثائيّة والوهن المتمثّلة في التّخلّف والتّبعيّة (3 مفهوم التّنميّة: أ) في اللّغة: التّنميّة لغة تعني الإسناد والانتساب، تقول نميت الحديث (مخفّفة) ونمّيته (بالتّشديد) أي رفعته إلى قائله وأسندته إليه، وأنميت الولد لأبيه أي عزوته ونسبته إليه، ونَمَّيت النار إذا رفَعت لهيبها وأَشبعت وَقودَها، والنّامِيةُ من الإِبل هي السَّمِينةُ فيقال: (نَمَتِ الناقةُ إِذا سَمِنَتْ)، ونمى الكَرْم أي ارتفع وعلت أغصانه، وتفيد التّنميّة أيضا فعل الإنماء الذي يعني الزّيادة والتّكثير والمضاعفة ب) في الاصطلاح: في تقريرها الصّادر عام 1987 إلى الأمم المتّحدة تحت عنوان \"مستقبلنا المشترك\" عرّفت اللّجنة الدّوليّة للبيئة والتّنميّة التّنميّة المستدامة بأنّها: (فعلا إنمائيّا يواجه حاجيات الحاضر دون الإجحاف بقدرة الأجيال القادمة على مواجهة احتياجاتهم الخاصّة) وتعرّف اللّجنة الاستشاريّة للتّكنولوجيا الزّراعيّة التّنميّة المستدامة في مجال الزّراعة بأنّها: (الإدارة النّاجحة للموارد الزّراعيّة بهدف الوفاء بالاحتياجات المتغيّرة للإنسان مع المحافظة على نوعيّة البيئة أو تحسينها وصيانة الموارد الطّبيعيّة)، ويسجّل هذا التّعريف خمس مكوّنات رئيسة هي: (1 الإدارة: وتشمل القرارات السّياسيّة المؤثّرة التي يمكن أن تتّخذ على جميع المستويات بدءا من الحكومة وانتهاء بالأفراد المنتجين (2 النّاجحة: التي تعني أنّ النّظام الإنتاجيّ يذرّ دخلا كافيا للبقاء والمقبوليّة الاقتصاديين (3 الموارد: وتشمل جميع المدخلات والمكوّنات الصّناعيّة والخدميّة التي تحقّق الجودة وحاجيات التّطوير (4 الاحتياجات المتغيّرة للإنسان: وتفترض حدوث النّموّ في ناحيتيّ الكمّ والكيف دون الإشارة تحديدا إلى أفق زمنيّ معيّن (5 المحافظة على الموارد الطّبيعيّة وصيانة البيئة من الضّرر: وتفترض مقابلة احتياجات الإنتاج والوفاء بها بعدم تعريض البيئة للتّلوّث والموارد الطّبيعيّة للاستنزاف والاستغلال الجائر ويظهر من خلال هذين التّعريفين أنّ التّنميّة المستدامة تنبني على علاقة متوازنة ومنسجمة مع البيئة وليس على أساس الرّفاهيّة الأنانيّة التي لا تحفل بالاستقرار الاجتماعيّ ولا بمعايير التّضامن والتّكافل القائمة بشكل عميق في المجتمع، والتي تستنزف ليس فقطّ الثّروات والخيرات، ولكن وبشكل متنام الثّقة والأمل بمستقبل تنعم فيه الأجيال المقبلة بنصيبها من المكتسبات الإنسانيّة في المجالات المختلفة (4 التّربيّة والتّكوين أهمّ مداخل تحقيق الأمن والتّنميّة: تشير تقارير البنك الدّوليّ والظّرفيّة الاقتصاديّة والتّقرير السّنويّ المتعلّق بحالة المغرب للموسم 07/08 وباعتراف السّلطة المسئولة إلى أنّ التّعليم العموميّ يواجه صعوبات في مختلف مستوياته رغم الزّيادة الملحوظة في نسبة التّعميم التي وسّعت الإشكاليّات المطروحة على صعيد الإمكانيّات المادّيّة والبشريّة، وهو ما يضعف في المحصّلة من مستوى المناعة والممانعة لدى المواطن والدّولة على حدّ سواء، ويعطي حظوظا أوسع لانتشار ثقافة التّماهي وثقافة الاستهلاك على أوسع نطاق: استهلاك السّلع المادّيّة والرّموز المعنويّة والثّقافيّة، فالعولمة كما يراها المفكّر الفرنسيّ ريجس دو بري هي معادل للأمركة، وهي بعد احتلال العراق والإعلان عن \"بداية القرن الأمريكيّ\" تعني الهيمنة التي تلغي أهم البنود التّأسيسيّة لميثاق الأمم المتّحدة المتعلّقة بالسّيادة، وتمسّ بشكل خطير الهوّيّة الثّقافيّة لجميع شعوب الأرض، ويصبح معها كلّ شيء قابلا لأن يصير سلعة تخضع لمنطق السّوق وهنا يكمن الخطر المحدق الذي يتهدّد الشّعوب كلّ الشّعوب في هوّيتها الثّقافيّة وطابعها الحضاريّ إنّ الصّراحة والصّرامة في التّشخيص تدفع إلى الإحساس بالمسؤولية العظمى في تحديد المعضلات بعيدا عن كل خطاب سياسويّ أو أيديولوجيّ يحجب الرّؤية ويغلّف الحقيقة بغلاف سميك من الشّعارات المزيّفة، فأخطر تلك المعضلات التي يعاني منها قطاع التّربية والتّكوين، والتي جعلته يخطئ موعده مع استحقاقات عملية الإصلاح التي أشرفت على دخول مرحلتها الأخيرة أوّلا: طغيان هاجس الكمّ على تعميم التّمدرس وعدم الاهتمام بما تقتضيه تلك العمليّة من بنيات وتجهيزات وموارد بشريّة تضمن الجودة اللاّزمة، وهو ما كان أحد عوامل ارتفاع نسبة الهذر المدرسي النّاجمة عن مغادرة جزء مهمّ من التّلاميذ إمّا بسب الفقر، أو بسبب عدم القدرة على المواكبة والافتقار إلى الكفايات التّأسيسيّة، أو بسبب الانحراف، أو بسبب الولوج المبكّر لسوق الشّغل، أو بسبب انعدام التّتبّع من طرف الأسرة وغياب الحزم الإداريّ والتّربويّ ثانيا: كثافة المناهج والمقرّرات الدّراسيّة خصوصا في المرحلة الابتدائيّة، والتّركيز على الكمّ وغياب الوحدة والتّلاؤم الضّروريّين بالنّسبة لمتطلبات التكوين في جميع الأسلاك التّعليميّة والتّخصّصات العلميّة والمهنيّة، وحاجيات سوق الشّغل ثالثا: معضلة الإطار التربوي الكفء والمسئول التي تنجم عن انعدام الوضوح في الرّؤية وفي المخطّط الاستراتيجيّ، وعن ترابط وتفاعل ما تمّت الإشارة إليه أعلاه في ظلّّ غياب القانون المنظّم لحق الإضراب وتصاعد الاحتجاجات النّقابيّة التي تركّز على المطالب الماديّة فقطّ، فمع اللّجوء إلى تسويّات تؤجّل الأزمة التي يعرفها القطاع عمّ الإحباط أغلب المؤمنين برسالة التعليم وجوهره الإنسانيّ وظهرت مع ما حصل من ارتخاء تنظيميّ أعراض عدم الاهتمام واللاّمبالاة، وهو ما قد يعمّق قلق الأسر ويحرّض عزوفها عن التّمدرس خصوصا في العالم القرويّ، وتوسّعت ظاهرة العنف: عنف التّلاميذ داخل الفصول الدّراسيّة، وعنف الأساتذة الموجّه ضدّ الإداريين عند كلّ مساءلة عن احترام الزّمن التّربويّ للتّلاميذ رابعا: معضلة هجرة الكفاءات على قلّتها بعد انتشار وكالات التّشغيل الدّوليّة الأوروبّيّة والكنديّة والأمريكيّة التي تستهدف استقطاب الكفاءات العالية من الأطبّاء والمهندسين والأساتذة الباحثين، ومن خرّيجي معاهد ومراكز التّكوين المهنيّ ومن ذوي الخبرة من العاملين في المقاولات الصّغرى والمتوسّطة على نحو يغري بالمكتسبات الماديّة والاجتماعيّة والمهنيّة، فالتّكلفة التي تتحمّلها الدولة لتكوين الإطار القادرعلى الإنتاج تجعل هجرة الأطر إلى الخارج معيقا للتّنميّة وخسارة فادحة للاقتصاد الوطنيّ، فقد أكدت التقارير الدولية وخاصة منها تقرير التنمية البشرية لسنة 2004 أنّ أكبر معضلة تواجه بلدان العالم الثالث تكمن في هجرة الكفاءات، بل الأدهى من ذلك والأمرّ، أنّ غياب استراتيجية وطنيّة للبحث العلميّ وضعف دعم مشاريع البحث، يدفع الباحثين المغاربة حتى وهم داخل المغرب إلى الاشتغال على مشاريع بحث أجنبيّة تلبّي حاجة الأجنبيّ وتخدم مخطّطه التّنمويّ، ولذلك تدعو الحاجة إلى بيان صريح ليس لعدد المختبرات ومشاريع البحث في المغرب، ولكن وبشكل مواز للعدد الحقيقي للمشاريع التي ترتبط بحاجات المغرب التّنمويّة لأنّ ذلك هو المقياس الحقيقيّ لحركيّة البحث العلميّ والمؤشّر الفعليّ على إسهامها في ترقية المعرفة وتطوير البحث التّجريبيّ بمختلف أشكاله لقد كان ولا يزال سباق العلم والتّعلّم من أبرز مظاهر التّنافس بين الدّول والأمم إلى الحدّ الذي أصبح فيه شاغل الأسر والحكومات والتّجمّعات الإقليميّة والمنظّمات الدّوليّة والمؤسّسات الإعلاميّة والتّجاريّة، فهو يشغل بدافع غريزة حبّ البقاء الدّول النّامية أملا في اللّحاق بركب التّقدّم، ويشغل \"الدّول العظمى\" و \"القوى الكبرى\" من منطلق سعيها للحفاظ على الرّيادة والقدرة والتّنافسيّة ورغبة في التّمكّن من أهمّ وسائل الهيمنة والغلبة، فالتّربيّة والتّكوين ينظر إليهما باعتبارهما الوسيلة والغاية، فهما عماد التّنميّة الثّقافيّة والعلميّة أداة المناعة الفكريّة والممانعة الاقتصاديّة والسّياسيّة، وسبيل المثاقفة والاستفادة من تجارب الآخرين ولإنجاز النّقلة النّوعيّة المطلوبة وبلوغ مجمل الأهداف التي رسمها الميثاق الوطنيّ للتّربيّة والتّكوين، يمكن الاعتماد على ما يحقّقه الإجماع الوطنيّ من فرص لتجاوز الفجوات والتّعثّرات الملحوظة ومن إمكانيّات لبناء باراديغم (Paradigmes) جديد للتّنميّة والاستثمار في القدرة البشريّة، مع ضرورة الوعي بما يفضي إليه استيراد السّياسات في المجال التّعليميّ من منزلقات ومطبّات، فالمطلوب من أيّ نظام تربويّ كيفما كان هو بناء الأساس الموضوعيّ للتّقدّم في الحقول العلميّة والتّقنيّة على أرضيّة ثقافة تقوم على احترام الثّابت الحضاريّ والمشترك الإنسانيّ، مع السّعي الدءوب بالوسائل الممكنة إلى توطين المعرفة وتشجيع البحث العلميّ باللّغة العربيّة، وتحقيق التّنمية المستدامة المعامل الأساس للنّهضة الشّاملة والأمن القوميّ في المجال الدّينيّ والفكريّ والثّقافيّ، وفي المجال العلميّ والتّكنولوجيّ والبيئيّ، وفي المجال السّياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، وفي المجال العسكريّ والإعلاميّ والأمنيّ (5 المدرسة فضاء لبناء شخصيّة متوازنة: يفترض النّظام الحضاريّ بوصفه نظاما مشتركا اللّغة كآلية للاتّصال والتّواصل تجعل عمليّة التّعليم والتّعلّم ممكنة، كما يفترض علاقة منظّمة بشكل فعّال بين كلّ أولئك الذين يعلّمون ويتعلّمون ويتواصلون، وبدون تلك العلاقة يصبح العمل التّربويّ غير قابل للتّطبيق، فمهمّة المدرسة هي بدون شكّ صقل الملكة اللّغويّة لدى المتعلّم وتمكينه من القدرة على التّعبير بمختلف صوره، وإكسابه حسّا تاريخيّا نقديّا واجتماعيّا، وبذلك تكون فضاء يتكامل دوره مع مختلف المؤسّسات التّربويّة الأخرى في بناء شخصيّة متوازنة تحسن فعل التّواصل، لكنّه يختلف عنها بتميّز ما يعوّل عليه من طرائق تربويّة تعتمد العلميّة أساسا، والعقلانيّة أسلوبا، والمنهجيّة وسيلة، والإبداعيّة منهاجا، واحترام الخصوصيّة المحليّة والمشترك الإنسانيّ واجبا، والمشاركة الإيجابيّة الواعية والمسئولة ضرورة في بناء القدرة وممارسة الحرّيّة وعلى هذا الأساس الذي يعنى بالأمن على مستوى الهوّيّة بوصفها أهمّ مقوّمات الشّخصيّة لا بدّ من اعتماد سياسة تربويّة تراعي ما يتميّز به كلّ سلك من الأسلاك التّعليميّة من خصوصيّة نابعة من طبيعة الوسط الاجتماعيّ والمرحلة العمريّة للمتعلّمين، وما يقتضيه كلّ منها من تعامل نوعيّ مع مجمل القضايا والمشاكل المعترضة، مع ضرورة إعادة الاعتبار للإدارة التّربويّة وإحاطتها بما يلزم من الضمانات القانونيّة والتّشريعيّة الكفيلة بتنميّة أسلوبها القياديّ وإرساء مرجعيّتها القانونيّة والمؤسّسيّة ملحوظة: أدلي بهذه الورقة رغبة في الارتقاء بمستوى الحوار ومناقشة المشاكل العارضة على هذا المنبر الإعلاميّ بشكل مسئول ورغبة صادقة في الإفادة والاستفادة، ودون قدح أو تجريح في الأشخاص ولا مسّ بمشاعرهم وعلى قاعدة كلّ إناء ينضح بما فيه، مغنّيا مع الزّياديّ: حتى إذا أنست أرض الرّعاع بأهلها..... عانق أبراجه النّخل! والله المستعان وهو الهادي إلى سواء السّبيل