صفة صومه عليه السلام وفطره كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور حتى إنه كان ليواصل الصوم فيه أحيانا ليوفر ساعات ليله ونهاره على التقرب من الله عز وجل زلفى. فكان من هديه الأمر بالصوم بشهادة الرجل الواحد المسلم والخروج منه بشهادة اثنين، وكان إذا شهد الشاهدان برؤية الهلال بعد خروج وقت العيد أفطر وأمرهم بالفطر ويصلي العيد من الغد في وقتها. وكان من هديه عليه الصلاة والسلام تعجيل الفطر والحض عليه، وكان يتسحر ويحث على السحور ويرغب في تأخيره. وكان يحرص على أن يفطر قبل أن يصلي على رطبات إن وجدها، فإن لم يجدها فعلى تمرات فإن لم يجد فعلى حسوات من ماء. وحضه على الفطر بالتمر أو على الماء من كمال شفقته على أمته ونصحهم، فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع الجسم به. ويقول ابن القيم: ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء ثم يأكل بعده، هذا مع ما في التمر والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب. ويذكر عنه أنه كان يقول عند فطره اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل منا إنك أنت السميع العليم وقد ضعف جماعة من العلماء هذا الحديث. ومن المأثور عنه أنه كان يقول اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت. وروي عنه أيضا الدعاء عند الإفطار بقوله: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إنشاء الله تعالى، ويذكر عنه: إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد رواه ابن ماجه. ونهى الصائم عن الرفث والصخب والسباب، وأمر أن يقول لمن سابه إني صائم فقيل يقوله بلسانه، وأما في صيام التطوع يسر بها في نفسه لأنه أبعد عن الرياء. لذة مناجاة الله تغني عن الغذاء وكان ينهى أصحابه عن الوصال فيقولون له إنك تواصل فيقول: لست كهيئتكم إني أبيت (وفي رواية: إني أظل) عند ربي يطعمني ويسقيني. وقد أختلف الناس في هذا الطعام والشراب المذكورين على قولين: أحدهما أنه طعام وشراب حسي للفم قالوا وهذه حقيقة اللفظ ولا موجب للعدول عنها. والثاني أن المراد به ما يغذيه الله به من معارفه وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه وتنعمه بحبه والشوق إليه وتوابع ذلك من الأحوال التي هي غذاء القلوب وقرة العين وبهجة النفوس والقلب بما هو أعظم غذاء وأجوده وأنفعه. وقد يقوى هذا الغذاء حتى يغني عن غذاء الأجسام مدة من الزمان. ومن له أدنى تجربة وشوق يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب عن كثير من الغذاء، ولا سيما المسرور الفرحان الظافر بمطلوبه الذي قد قرت عينه بمحبوبه وتنعم بقربه والرضى عنه، وألطاف محبوبه وهداياه وتحفه تصل إليه كل وقت، ومحبوبه حفي به معتن بأمره مكرم له غاية الإكرام مع المحبة التامة له، أفليس في هذا أعظم غذاء لهذا المحب؟ فكيف بالحبيب الذي لا شيء أجل منه، ولا أعظم ولا أجمل ولا أكمل ولا أعظم إحسانا إذا امتلأ قلب المحب بحبه، وملك حبه جميع أجزاء قلبه وجوارحه وتمكن حبه منه أعظم تمكن وهذا حاله مع حبيبه. أفليس هذا المحب عند حبيبه يطعمه ويسقيه ليلا ونهارا؟. المرجع: زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم.