غد أوبعد غد يهل على الأمة الاسلامية شهر فضيل يتزود فيه المسلمون بزاد التقوى للفوز بمرضاة الله والعتق من النار،إذ رمضان شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، -عافانا وإياكم إخوة الاسلام من النار وريحها- ولأجل هذا تزداد حساسية المسلمين لصيامه إيمانا واحتسابا نقيا مما يخرم أجره، وتكون هذه الحساسية أكبر لفئة شاء الله سبحانه أن يبتليها بأمراض تطهيرا لها"إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإن رضي فله الرضى وإن سخط فعليه"أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وبغية أن يرفع الحرج على هؤلاء نقدم فتاوى مختارة لبعض العلماء الأجلاء، وهي لا تغني المسلم باستفتاء قلبه فهو أعلم بنفسه من غيره مع اليقين أن الله تعالى برحمته يريد بنا اليسر ولايريد بنا العسر،ولم يجعل علينا في الدين من حرج. صوم مريض القلب وأصحاب الأمراض المزمنة فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق هل يصوم مريض القلب أو صاحب المرض المزمنة ؟ قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون .أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } البقرة 183، 184، وقال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ( بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج ) ولا خلاف بين المسلمين فى فرض صوم شهر رمضان ووجوب الصوم على المسلم البالغ العاقل المطيق للصوم . و الصوم سر بين الإنسان المسلم وربه لا يطلع عليه سواه ، فلذلك صار مختصا به أما غيره من العبادات فظاهر، ربما يداخله الرياء والتصنع والعبادات كلها في الإسلام مقصود منها تهذيب المسلم وإصلاح شأنه فى الدين والدنيا. ومع أوامر الله تعالى ونواهيه جاءت رحمته بعباده إذا طرأ على المسلم ما يعوقه عن تنفيذ عبادة من العبادات أو اضطر لمقارفة محرم من المحرمات فأباح ما حرم عند الضرورة قال تعالى { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } البقرة 173 و أتبع هذا بالترخيص بالفطر لأصحاب الأعذارفقال جل شأنه { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } البقرة 185، كما رخص للمتضرر من استعمال الماء فى الطهارة للصلاة بالتيمم بالتراب. وللمريض فى صوم شهر رمضان حالتان :الأولى أنه يحرم عليه الصوم ويجب عليه الفطر إذا كان لا يطيق الصوم بحال أو غلب على ظنه الهلاك أو الضرر الشديد بسبب الصوم . والحالة الأخرى أنه يستطيع الصوم لكن بضرر ومشقة شديدة، فإنه يجوز للمريض فى هذه الحالة الفطر وهو مخير فى هذا وفقا لأقوال فقهاء الحنفية والشافعية والمالكية . هذا إذا كان المسلم مريضا فعلا، أما إذا كان طبيعيا وظن حصول مرض شديد له فقد قال فقهاء المالكية إن الشخص الطبيعي إذا ظن أن يلحقه من صوم شهر رمضان أذى شديد أو هلاك نفسه وجب عليه الفطر كالمريض. وقال فقهاء الحنفية إذا غلب على المسلم أن الصوم يمرضه يباح له الفطر. أما فقهاء الشافعية فقد قالوا إذا كان الإنسان طبيعيا صحيح الجسم وظن بالصوم حصول المرض فلا يجوز له الفطر ما لم يشرع فى الصوم فعلا ويتيقن من وقوع الضرر منه. من هذا يتضح أن المريض مرخص له فى الإفطار فى رمضان بالمعايير السابق بيانها . ولكن ما هو المرض الذي يوجب الفطر أو يبيحه لا جدال في أن نص القرآن الكريم الذي رخص للمريض بالإفطار فى شهر رمضان جاء عاما لوصف المرض ولذلك اختلف أقوال العلماء فى تحديده . فقال الكثيرون إذا كان مرضا مؤلما مؤذيا أو يخاف الصائم زيادته أو يتأخر الشفاء منه بسبب الصوم ولا شك أنه لا يدخل في المرض المبيح للفطر المرض اليسير الذي لا يكلفه مشقة في الصيام، ولذلك قال فريق من الفقهاء إنه لا يفطر بالمرض إلا من دعته ضرورة إلى الفطر، ومتى احتمل الضرورة بالمرض إلا من دعته ضرورة المرض إلى الفطر، ومتى احتمل الضرورة معه دون ضرر أو أذى لم يفطر، ومن هذا يمكن أن نقول إن معيار المرض الموجب أو المبيح للفطر بالتفصيل السابق، وله بل وعليه أن يأخذ برأي طبيب مسلم متدين يتبع نصح في لزوم الفطر أو أي مرض آخر عليه أن يستنير برأي الطب فيما إذا كان الصوم يضره أو يستطيعه دون ضرر وليعلم المسلم أن الله الذي فرض الصوم رخص له في الفطر عند المرض وإذا أفطر المريض وكان يرجى له الشفاء قضى أيام فطره، وإن كان مرضه مزمنا لا أمل فى البرء منه أطعم عن كل يوم مسكينا، ومن الأعذار المبيحة للفطر بالنسبة للنساء الحمل والإرضاع . وقد رخص الله في الفطر للشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الذي لا يرجى شفاؤه وأصحاب الأعمال الشاقة التى لا بديل لها . وذلك إذا كان الصوم يجهد هؤلاء ويشق عليهم مشقة شديدة لا تطاق، وعليهم أن يطعموا عن كل يوم يفطرونه مسكينا. وإذاكان بعض المرضى يشكو إصابته بقرحة معدية وارتفاع فى ضغط الدم يعالج منهما باستمرار، فإذا كانت هذه الإصابات المرضية يزيدها هذا الصوم حدة وتصير خطرا على حياة المريض وثبت ذلك إما بالتجربة أو برأي طبيب ثقة كان ضمن المرخص لهم بالإفطار للمرض فى آيات الصوم . وإذا كانت هذه الأمراض مزمنة بحيث لا يرجى من السائل قضاء ما أفطر فيه من شهر رمضان كان عليه الفدية - وهي إطعام مسكين عن كل يوم وجبتين مشبعتين من أوسط ما يأكل المريض هو وأسرته - ويمكن له تقدير قيمة الوجبتين وإخراجهما عن كل يوم أو جملة . هذا والله سبحانه هو الذي فرض الصوم وهو الذي رخص بالفطر لأصحاب الأعذار فليتق الله كل مسلم فيما يقدم عليه من رخص لأن الله يعلم السر وأخفى . وبعد فإن الله قد يسر للمسلمين عبادته فقال سبحانه { فاتقوا الله ما استطعتم } التغابن 16 ، وإن الله سائل كل مسلم عن أمانة العبادة وغيرها من الأمانات حفظ أو ضيع وهو العليم بالسرائر المحاسب عليها، فليتق الله كل مسلم وليؤد ما فرض الله عليه ولا يتخلق أعذارا ليست قائمة بذات نفسه توصلا للتحليل من تأدية العبادة والله يقول الحق وهو يهدى السبيل، ويوفق للخير والحق . مرض الربو مبيح للفطر شرعا وموجب للفدية فضيلة الشيخ حسن مأمون من علماء الأزهر الشريف بمصر سيدة مريضة بحساسية فى الدم منذ خمس سنوات، ويأتيها المرض على صورة زكام وانسداد فى التنفس صيفا وشتاءا وتستعمل نقطا للأنف كالماء، ولا تستطيع التنفس مطلقا بدونها، وفى حالة عدم استعمالها يحدث لها ربو صدري وفي السنوات الأربع الماضية كانت تصوم مع استعمال هذا الدواء . وسألت هل تستمر فى الصيام مع استعمالها لهذه النقط أم أن صيامها غير جائز؟ وما هو الواجب اتباعه شرعا فى هذه الحالة،وهل يجوز لها الصيام مع الفدية؟ إن مرض السائلة الموصوف في السؤال، من الأمراض المبيحة للفطر شرعا . واستعمالها هذه النقط يفسد صومها لأنها تدخل من الأنف، والأنف والفم من المنافذ المعروفة التى يفسد الصوم كل ما يدخل الجوف عن طريقهما فالأكل والشرب وإدخال نقط من الأنف تصل للحلق وتتسرب منه إلى الداخل كل ذلك مفسد للصوم لقوله عليه السلام الفطر مما دخل وإذا استمرت حالتها كذلك طوال حياتها جاز لها أن تفدي باطعام مسكين عن كل يوم من الأيام التى أفطرتها، وتأخذ حكم الشيخ الفاني الذى لا يستطيع الصيام، وإذا برئت من مرضها وقدرت على الصيام وجب عليها القضاء ولا اعتبار للفدية التى تكون قد أخرجتها قبل ذلك، لأن شرط الانتقال من وجوب القضاء إلى الفدية استمرار العجز أو عدم استطاعة الصيام . وقال فضيلة الشيخ أحمد الهريدي إذا كان الدواء الذي يستعمله بواسطة البخاخة يصل إلى جوفه عن طريق الفم أو الأنف فإن صومه يفسد، وإذا كان لا يصل منه شىء إلى الجوف فلا يفسد الصوم . وفى حالة فساد الصوم يجب عليه القضاء من أيام أخر بعد زوال المرض، فإن كان مرضه مزمنا ولا يرجى شفاؤه فلا يجب عليه الصوم شرعا وعليه الفدية، وهي إطعام مسكين عن كل يوم يغديه ويعشيه غداء وعشاء مشبعين . الصوم بلا صلاة ما حكم الدين فيمن يصوم ولا يصلى ؟ من المعلوم أنه يجب على كل مسلم أن يؤدى جميع الفرائض التى فرضها الله عليه حتى يصل إلى تمام الرضا من الله والرحمة منه وحتى يكون قربه من الله وزيادة ثوابه وقبوله أوفر ممن يؤدى بعضها ويترك البعض الآخر وتكون صلته بالله أوثق إلا أنه لا ارتباط بين إسقاط الفرائض التى يؤديها والفرائض التى يتهاون فى أدائها، فلكل ثوابه ولكل عقابه، فمن صام ولم يصل سقط عنه فرض الصوم ولا يعاقبه الله عليه، كما أن عليه وزر ترك الصلاة يلقى جزاءه عند الله . ومما لاشك فيه أن ثواب الصائم المؤدى لجميع الفرائض والملتزم لحدود الله أفضل من ثواب غيره وهو أمر بدهي. فالأول يسقط الفروض ويرجى له الثواب الأوفى لحسن صلته بالله، والثاني لا ينال من صيامه إلا إسقاط الفرض وليس له ثواب آخر إلا من رحمه الله وشمله بعطفه وجوده وإحسانه، فيكون تفضل منه لا أجرا ولا جزاء . والله تعالى أعلم . استعمال معجون الأسنان فى نهار رمضان طبيب يخالط المرضى والزملاء والزبائن ويجد غضاضة من رائحة فمه فى الصوم وسأل هل هناك مانع ديني من استعمال فرشة الأسنان مع معجون الأسنان وهو صائم وهل يجوز استعمال السواك أم لا؟ إن المنصوص عليه شرعا أن إدخال الماء إلى الفم فى المضمضة لا يفسد الصوم مادام لم يدخل شيء منه إلى جوف الصائم، وكذلك لا يفسده استعمال السواك في نهار رمضان رطبا كان السواك بالماء أو جافا، ومثل السواك فى ذلك استعمال فرشة الأسنان سواء استعملها الصائم وحدها أو مع معجون أسنان مادام لم يبالغ فى ذلك إلى درجة يتسرب معها شيء من المعجون إلى جوف الصائم، لأن ذلك هو الذي يترتب عليه إفساد الصوم، لا استعمال الفرشة والمعجون مع التحرز وعدم المبالغة في الاستعمال، فإن لم يؤد استعمال الفرشة مع المعجون إلى دخول شيء من المعجون إلى جوف الصائم كان الصوم صحيحا ولا شيء في هذا الاستعمال، وإن أدى إلى دخول شيء منه إلى جوف كان مفسدا للصوم . إعداد:عبد لاوي لخلافة