يشهد الدخول الجامعي الحالي عودة التوتر إلى الساحة الجامعية المغربية، وقد وصل في بعض الأحيان إلى المواجهة بين الطلبة والحرس الجامعي الذي يسمى بالأواكس، وتزامن ذلك مع الانطلاقة في أجرأة الإصلاح البيداغوجي وتنزيله على أرض الواقع. ومما زاد في كهربة الجو العام للجامعة المغربية، خاصة ما أقدمت عليه بعض إدارات الجامعات بطرد بعض الطلبة وتهديد آخرين بالطرد، بل سعت السلطات المغربية إلى اعتقال بعض الطلبة وتقديمهم للمحاكمة. وحول الوضعية الراهنة للجامعة المغربية، وصف بيان صادر عن فصيل الوحدة والتواصل بفاس أن الجامعة تعرف منذ عملية التسجيل للدخول الجامعي الحالي ارتباكا واضحا من خلال التطبيق العشوائي والارتجالي لمقتضيات الإصلاح البيداغوجي، حيث أقدمت الإدارة الجامعية على إعمال جملة من الإجراءات تهدف في عمقها إلى الإجهاز على المكتسبات التي راكمها الطلبة خلال السنوات الماضية، خاصة المتعلقة بالحرية النقابية والثقافية واستقلالية الجامعة. وتجلت مظاهر المساس بهذه الحرية في منع بعض الأنشطة سواء كانت نقابية أو ثقافية، وهي أنشطة معتادة تقوم بها بعض الفصائل الطلابية للتواصل مع القاعدة الطلابية مع بداية كل موسم جامعي، وبلغ هذا المنع حد استعمال القوة والعنف.وعلى سبيل المثال عرفت كليات الحقوق المحمدية والعلوم ابن مسيك والحقوق عين الشق، يوم 13 أكتوبر الجاري، هجوما على الطلبة من طرف جهاز الأواكس، ونتج عن ذلك إصابات واعتقالات في صفوف الطلبة، وانتهى الهجوم بتقديم ثلاثة منهم، وهم أعضاء في فصيل العدل والإحسان، إلى المحكمة الابتدائية الفداء درب السلطان بتهمة إهانة موظفين أثناء مزاولتهم لمهامهم وإهانة هيئات منظمة وإلحاق خسائر مادية بشيء مخصص للمنفعة العامة، وإدانتهم، يوم الجمعة الماضي، بشهرين حبسا نافذا وغرامة قدرها 500 درهم. وأدانت ابتدائية المحمدية يوم الإثنين 20 أكتوبر 2003 مجموعة من الطلبة المنتمين أيضا لفصيل العدل والإحسان بثمانية أشهر سجنا نافذة بتهم إهانة موظف أثناء مزاولة عمله والعصيان والقذف، واعتبرت هيئة الدفاع أن الأحكام كانت قاسية وذات صبغة سياسية يراد منها ضرب الحقوق المشروعة للحركة الطلابية. ويشار إلى أن جامعة الحسن الثاني بالمحمدية تعيش منذ بداية تنزيل الإصلاح البيداغوجي الجامعي حالة ارتباك وتوتر بين الطلبة وإدارة الجامعة، سواء على مستوى أجرأة هذا الإصلاح أو على مستوى علاقة الإدارة بالفصائل الطلابية، وظهر ذلك بتعزيز ساحة الجامعة بأعداد هائلة من عناصر الأواكس، مما خلق جوا من التوتر والتحرش نتجت عنه اصطدامات شبه يومية، وحذرت بعض الفصائل حينها من خطورة استفحال هذا التوتر الذي تعيشه الجامعة في الوقت الراهن. بعض الجامعات الأخرى استعملت وسائل أخرى للتضييق على حرية العمل الطلابي من قبيل قطع التيار الكهربائي عن أنشطتها، وعلى سبيل المثال، ما أقدمت عليه إدارة كلية العلوم بفاس (ظهر المهراز) مساء 21 أكتوبر بمنع نشاط طلابي هو عبارة عن ندوة حول الإصلاح الجامعي، من تنظيم فصيل طلبة الوحدة والتواصل، استدعي له بعض الأساتذة الجامعيين، وذلك بقطع التيار الكهربائي عنه. وللإشارة، فإن جامعات أخرى بالمغرب تعرف بعض التوترات ودعوات إلى مقاطعة الدراسة، كما هو الشأن بمدينة الدارالبيضاء وتطوان ووجدة وبني ملال، وعلى سبيل المثال، فإن طلبة السنة الأولى بكلية العلوم بفاس مازالوا مقاطعين للدراسة، في حين تدعو فصائل طلابية إلى مقاطعة الدراسة في مستويات أخرى. وفي مدينة مراكش تم اعتقال 12 طالبا من محل سكناهم، وتم بعد ذلك الإفراج عن 11 منهم، واحتفظ بطالب واحد مازال مصيره مجهولا لحد الساعة. وبمدينة بني ملال تم طرد طلبة من العدل والإحسان من الجامعة، وهناك طلبة آخرون مهددون بالطرد منهم طلبة من الوحدة والتواصل. ولا يقتصر الأمر فقط على الطلبة، فحتى النقابة الوطنية للتعليم العالي في بعض الجامعات المغربية سجلت احتجاجها على الوضع الراهن للجامعة المغربية بخوض إضرابات جهوية عن الدراسة، و أصدر لمكتب الفرع الجهوي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بالجديدة في غضون ذلك بيانا للرأي العام يدعو فيه إلى خوض إضراب جهوي يومي الأربعاء والخميس 22 و23 من الشهر الجاري، احتجاجا على التدخل الهمجي والعنيف لجهاز ما يسمى بالحرس الجامعي الغريب والدخيل على الجامعة يوم الخميس 16 أكتوبر 2003 بكلية العلوم، وتعرض فيه الأساتذه للإهانة والسب والشتم والتهديد، لا لشيء إلا لمعاينتهم الاعتداء الذي استهدف الطلبة من طرف الجهاز المذكور. وفي بلاغ صادر عن المكتب المحلي لبني ملال للنقابة نفسها، تدعو فيه إلى خوض إضراب لمدة 24 ساعة يوم 29 أكتوبر ,2003 احتجاجا علىالسلوكات اللامسؤولة واللامبالية واللاقانونية للعميد التي كان أحدها نتائجها دخول جامعي في غاية الاضطراب والتعثر. إن أهم ما يسجل خلال الموسم الجامعي 2003 - 2004 هو عودة الأحداث الجامعية إلى الصدارة من خلال التضييق على الحرية النقابية للطلبة وأنشطتهم الثقافية ومن خلال حملات الاعتقال والإدانة وتطويق الجامعات بالحرس الجامعي، وهو ما ينذر بتفاقم الوضع بالجامعات المغربية، خاصة بعد الأحداث الدامية التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء في 16 ماي الماضي، وتعاظم الأحداث في كل من العراق وفلسطين. فهل ستعيش الجامعة المغربية احداثا شبيهة بتلك التي عرفتها سنة ,1997 خاصة بعد صدور الدورية الثلاثية لوزراء الداخلية والعدل والتعليم العالي، وهي الدورية التي جاءت حسب واضعيها ل السهر على حسن سير الجامعة ووضع حد للمارسات الهدامة ذات الأهداف المبيتة لمجموعة قليلة متطرفة وظلامية تهدف إثارة الفوضى في الجامعة..؟ ع.ع تصريحات لقيادات طلابية امحمد الهلالي(المسؤول الوطني لطلبة الوحدة والتواصل):تدهور الوضع الأمني بالجامعة تعبير عن فشل الإصلاح لقد سجلنا في فصيل طلبة الوحدة والتواصل ونحن نتابع مجريات الدخول الجامعي لهذه السنة عودة قصوى للتوتر داخل فضاء الجامعة إلى درجة تنذر بانفجار غير متحكم فيه إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، وخصوصا ما يتعلق باعتقال المناضلين وطبخ المحاكمات الصورية لهم، كما هو الشأن في المحمدية وابن مسيك ومراكش، أو لتحويل المساجد إلى قاعات للدرس وتهديد الطلبة بالطرد دون حتى عرضهم على المجلس التأديبي وتمتيعهم بحق الدفاع، كما هو الحال في بني ملال أو إغلاق المسجد ومنع الطالبات المتدربات من ولوج إحدى المؤسسات الرسمية بسبب ارتدائهن الحجاب كما هو الحال في الرباط. وهذه الإجراءات وغيرها لا تملك الحركة الطلابية إزاءها إلا الصمود والاحتجاج والاضراب. أما بخصوص الأسباب التي قادت إلى هذه الوضعية الكارثية، فهناك أولا سبب سياسي عام باعتبار أن ارتباك الجامعة هو جزء من ارتباك عام يعيشه المغرب في الآوته الأخيرة، سواء على المستوى الداخلي، حيث المحاكمات السياسية غير العادلة ، وحيث الفشل الذريع للانتخابات الأخيرة.. التي اغتيلت فيها الديموقراطية وخربت الأحزاب وانتهكت حرمتها واستقلاليتها ودفع المغاربة إلى حافة اليأس والإحباط، وبالتالي الجامعة باعتبار موقعها الحساس أول ما يتأثر بهذه الأوضاع المأزومة وأول ما يتفاعل معه كذلك.. أما السبب الثاني فهو ذو طبيعة حقوقية وسياسية، إذ أن هذا التوتر في الجامعة إنما هو جزء من استهداف بكل الوسائل للتيار الإسلامي، وصلت إلى الجامعة، فتداعيات أحداث 16 ماي أريد لها أن تصل إلى الجامعة وقانون الإرهاب يراد له أن يطبق على الطلاب، وهذا ليس مجرد تحليل بل وقائع حية فأثناء عملية تسجيل الطالب بالمحمديةوالبيضاء مثلا رصدنا تهديدا للطلبة بالاعتقال إذا ما خضعوا لتأثير الإسلاميين، أو انخرطوا في أنشطتهم محيلين على أحداث البيضاء. والسبب الثالث، ذو العلاقة المباشرة، هو شروع السلطة في تنفيذ البرنامج البيداغوجي الجديد، وأقول برنامج وليس إصلاح، وهو ما قوبل باستياء عام ورفض شامل وخاصة من الطلبة الجدد الذين رأوا فيه مجرد عملية شكلية ومضمون فقير وشروط مادية وبشرية وإدارية متدنية، بفعل التطبيق الارتجالي المغامر لهذا البرنامج مما زاد من تعميق حالة الفوضى، أي أن ارتفاع حالة الضبط الأمني بالجامعة هي تعبير عن سعي لفرض هذا البرنامج وقمع أي تحرك طلابي مستقبلي للاحتجاج عليه، والخلاصة هي أن تدهور الأمني بالجامعة تعبير عن فشلالإصلاح. حسن بناجح( الناطق الرسمي باسم فصيل طلبة العدل والإحسان ):إن ما يقع داخل الجامعة هو محاولة من الدولة لتطبيق سياسة تعليمية فاشلة إن ما يقع هذه الأيام في عدد من الجامعات المغربية، خاصة بالدارالبيضاء، حيث جرت محاكمة مجموعتين، مجموعة المحمدية التي تضم أربعة طلبة حوكموا بثمانية أشهر نافذة، ومجموعة كلية الحقوق بطريق الجديدة التي حوكم فيها ثلاثة طلبة بشهرين نافذة، بالإضافة إلى طرد 21 طالبا من الناشطين النقابيين بكلية الحقوق بالمحمدية. وبمدينة مراكش تم اعتقال 12 طالبا من محل سكناهم، فتم الإفراج عن11 منهم واحتفظ بواحد ما زال مصيره مجهولا لحد الساعة، وهناك طرد لطلبة من العدل والإحسان بجامعة بني ملال، وآخرون مهددون بالطرد منهم طلبة من فصيل الوحدة والتواصل. ويجري الآن منع الأنشطة الثقافية في جامعات متفرقة بالمغرب. إن هذه الأحداث كلها تأتي بشكل واضح لتعبيد الطريق أمام تنزيل إجراءات الميثاق الوطني للتربية والتكوين والإصلاح البيداغوجي، وهي تعتبر بمثابة استمرار لما كانت تقوم به السلطات المغربية في السنوات الأخيرة، خاصة بعد صدور الدورية الثلاثية وما تلاها، أي تطهير الجامعة من كل صوت معارض ومطالب بالحقوق والحريات النقابية للطلاب. إن ما يقع لا علاقة له نهائيا (بتصفية حساب) مع فصيل معين، صحيح أن أغلب المتضررين هم من طلبة العدل والإحسان، وهذا مفهوم لأنهم يوجدون في قيادة الاتحاد الوطني وأجهزته، لكن السبب الجوهري يبقى هو أن المشاكل بالجامعة هي مشاكل نقابية صرفة، وتدخل الدولة هو من أجل قمع العمل النقابي، والدليل على ذلك هو أن جميع التدخلات القمعية التي تمارس الآن هي ضد المطالب النقابية للطلاب. إن ما يقع هو محاولة من الدولة لتطبيق سياسة تعليمية ظهر منذ البداية أنها سياسة تعليمية فاشلة، وبشهادة مجموعة من المهتمين، فإن الإصلاح البيداغوجي هو خيار فاشل، لأن الظروف غير مواتية، مثلما أن البنية التحية غير مهيأة لاستقبال الإصلاح المذكور، بالإضافة إلى البنية البشرية والمادية، وشيء طبيعي أن يحتج الطلبة على هذا الوضع. بالنسبة للجنة التنسيق الوطنية، تجتمع الآن وتبحث في الأوضاع الحالية للجامعة بالمغرب، وهذا اللقاء يذهب في اتجاه التأكيد على استمرار العمل النضالي للطلاب دون تراجع. وإذا كانت الدولة بتدخلها هذه السنة تريد توجيه رسائل خاصة من أجل إسكات الصوت الطلابي، فإننا في هذا اللقاء نرفع رسالة واضحة هو أن المعاناة التي يعانيها الطلاب لا يمكن معها إلا أن يستمر النضال إلى حين تحقيق المطالب.