. ورأى المنظمون أن إصلاح النصوص القانونية و التنظيمية لا يغني عن تبني الطرق الحديثة في تدبير الشأن المحلي عموما و في مجال المالية المحلية خصوصا. و يعتبرون أن التخطيط الاستراتيجي التشاركي من بين تقنيات التدبير التي أعطت نتائج مهمة في أقطار أخرى و في مجالات متعددة. فبفضل هذه التقنية يتخذ العمل الجماعي بعدا مستقبليا، يعتمد على تحليل الحاضر و استشراف المستقبل، من أجل تحقيق أهداف مسطرة مسبقا بتشارك مع المعنيين بالشأن المحلي و في مقدمتهم المواطنين. غير أن هذه التقنية لابد وأن تواكبها تقنية مالية موازية تتمثل بالأساس في البرمجة المتعددة السنوات و إطار ميزانياتي ملائم للاستثمارات المبرمجة.كما يرى الخبراء في هذا المجال أنه على المسؤولين المحليين تطوير قدراتهم التفاوضية من أجل إقناع سلطة الوصاية بالمساهمة في تمويل مشاريعها، و ذلك بإعداد ملفات تتسم بالوضوح و الشفافية و ذات مصداقية. وبغض النظر عن العروض الكثيرة التي قدمت في مجال التسيير والبرمجة ومحاور متخصصة جدا، فقد تركزت توصيات الورشات (التي كانت عبارة عن دروس معدة سلفا أكثر منها توصيات ورشات عمل) حول أهم التدابير المتخذة في مجال مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولعل أهمها: إثارة انتباه المنتخبين المحليين نحو ضرورة تبني مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بحسب اختيارات استراتيجية محددة مسبقا، وبتعاون مع جميع الفاعلين في المجال المحلي (سلطات الوصاية، سلطات محلية، جمعيات مهنية ومواطنين)، ودعم تكوين الموارد البشرية المحلية في هذا المجال مع العمل على تحرير طاقات الأطر و الأعوان المحليين بجعل الجماعة المحلية فضاء لبلورة المبادرات. كما أن تطوير علاقات من نوع جديد بين الجماعة و محيطها المؤسساتي يجعلها مبنية على التشارك والتعاون في خدمة صالح السكان، مع التركيز على ضرورة العمل على تنفيذ ما تتضمنه المخططات و تفعيلها. أما في ما يخص البرمجة التي تعتبر الترجمة العملية للمشاريع المضمنة في مخططات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية فإن ما كانت تقوم به الجماعات حتى الآن في هذا المجال هو تسجيل بعض من مشاريعها في لوائح تطلق عليها برامج، خاصة عندما يتعلق الأمر بفائض ميزانيات التسيير. إلا أن هذه البرامج تفتقد إلى النظرة الموحدة والمتلائمة، وحتى تتمكن الجماعات المحلية من تعميم تقنية البرمجة في مجال الاستثمار العمومي المحلي لا بد لها أن تعمل على التحكم في جميع مصادر تمويل التجهيزات الجماعية، وتتفادى الارتجال في وضع مشاريع التجهيز المبرمجة، أو تشتيت الموارد المالية القليلة المتوفرة عبر مشاريع لا هدفا حقيقيا من ورائها سوى استهلاك الاعتمادات، وكانت الدعوة في المقابل إلى تحقيق مشاريع ذات قيمة مضافة اقتصاديا واجتماعيا. بيد أن أهم صعوبات تواجهها أغلب الجماعات المحلية المغربية تتجلى في عدم قدرتها على التحلي بشيء من الخيال والإبداع بهدف استشراف المستقبل بمشاريع تخدم مصالح أكبر عدد ممكن من المواطنين، أو وضع ميكانيزمات للمراقبة ومتابعة تنفيذ برامج التجهيز تفاديا للهدر الذي تتعرض له الموارد المالية على قلتها، ثم التحكم في تقنيات تنفيذ الميزانية. وجدير بالذكر أنه على ضوء الإصلاح الأخير الذي هم ستة مدن والمتمثل في خلق مجالس لهذه المدن ومجالس للمقاطعات فإن التخطيط الاستراتيجي التشاركي حسب المنظمين يكتسي أهمية بالغة؛ فإذا كانت المقاطعات لا تتمتع باختصاصات مالية في مجال التجهيز فإن لها سلطة اقتراحية مهمة في مجال وضع المخططات وبرامج الاستثمار، و من ثمة فإن المسؤولين الجماعيين مطالبون بتنمية قدراتهم على حشد جميع الطاقات الفاعلة داخل الجماعات المعنية. عبد الغني بلوط