أقدم العدو الصهيوني على شن غارة جوية على سوريا أول أمس الأحد الخامس من أكتوبر عشية الذكرى الثلاثين لحرب رمضان التي انهزم فيها العدو الصهيوني أمام الجيش المصري، ومباشرة بعد عملية استشهادية بطولية في العمق الصهيوني نفذتها استشهادية من حركة الجهاد الإسلامي، وهي خطوة نقلت الصراع الدائر بأرض فلسطين إلى مستوى جديد ينهى أوهام خريطة الطريق ومسلسل التسوية، ويفضح مزاعم الوساطة الأمريكية في التسوية بعد قيامها للمرة الثانية بالوقوف في وجه صدور قرار دولي لإدانة الكيان الصهيوني على جرائم الحرب التي يقترفها في المنطقة ككل. ماذا يريد الكيان الصهيوني من وراء هذه العملية؟ وهل هي مجرد خطوة للتنفيس على الأزمة الداخلية لشارون كما ادعت بذلك عدد من التحليلات؟ أم هي مقدمة لتصعيد جديد في المنطقة له ما بعده؟ نعتقد أن الجواب الثاني هو الأصوب والأدق في استشراف مستقبل السياسية الصهيونية في المنطقة، وذلك لاعتبارات عدة، أولاها أن الطرف الصهيوني نفسه هدد بغارات جديدة، وثانيها أن الظرفية الحالية تجعله في غنى عن التفكير في التراجع فالوجود الاستعماري الأمريكي بالعراق وإشهار ورقة محاسبة سوريا من طرف الإدارة الأمريكية وتصاعد حالة الدعم الأمريكي غير المسبوق مع الكيان الصهيوني، ثم حالة التردي العربي المهادن للسياسات العدوانية اليومية الكيان الصهيوني وآخرها الإصرار على بناء الجدار الواقي واقتطاع حوالي 40 في المائة من أراضي الضفة والقطاع في سبيل ذلك، فضلا عن بدء التحضيرات الخاصة بتصفية الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، فكل ذلك هو محفزات للمضي في برامج استهداف الدول المجاورة، وثالثها الخطط الصهيونية الخاصة بتوسيع الاستيطان في هضبة الجولان المحتلة منذ 8 يونيو ,1967 فقد أدى هذا الاحتلال إلى تهجير وترحيل أزيد من 130 ألف سوري وتدمير 131 بلدة و112 مزرعة وإقامة 34 مستوطنة استهلكت 21 في المائة من أرض الجولان، وإقرار الكنيست في 14 دجنبر 1981 لقرار ضم الجولان لأرض إسرائيل، وتوج هذا المسار مؤخرا بإعلان أكبر مشروع استيطاني في الجولان المحتل تحت شعار تعال إلى الجولان - اندمج بأحلامنا (انظر أسبوعية الوسط في عددها الأخير حيث تضمن ملفا كاملا عن هذا المشروع)، أي أن هذه الضربة الصهيونية ليست إلا درعا عسكريا لدعمك مشاريع الاستيطان بالجولان وتبديد المخاوف التي سادت في صفوف المستوطنين في مرحلة سابقة عندما طرحت فكرة الانسحاب من الجولان، ولا نستبعد في هذا السياق أن يكون القول بتصدير الأزمة الداخلية لشارون مجرد تسكين مؤقت يشيع حالة من القبول والاستساغة للضربة العدوانية، كما يزيد من حدة الضغط على المقاومة الفلسطينية. لقد جاءت هذه الضربة العدوانية الغاشمة والأمة تعيش فترة من أحلك فترات السقوط الحضاري أمام المد الاستعماري الجديد، ولكم كان مفاجئا أن الضربة لم تحرك الشارع العربي والإسلامي، كما أن الأنظمة لم تتجاوز حدود التفرج السلبي الذي سقطت معه معاهدات الدفاع المشترك وشعارات التضامن العربي وميثاق جامعة الدول العربية واتفاقيتها المجمدة في الرفوف، والرد الوحيد الذي صدر جاء من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، حيث قامت الأولى بقصف 16مستوطنة ب 16قذيفة هاون، وحتى سوريا لم تر من خيار سوى التهدئة واللجوء لمجلس الأمن، ومحاولة استصدار قرار بإدانة الغارة الصهيونية، في حين أن الأمر يقتضي الاستعداد للرد العسكري ومواجهة العدوان باللغة التي يفهمها الكيان الصهيوني، ذلك أن نجاح الغارة دون أية مقاومة أرضية أو استشعار قبلي واستنفار عسكري، يمثل نذير خطر بالغ، ذلك أن المنطقة تغلي وتعيش ظروف حرب مستعرة منذ شهر مارس الماضي عند بدء الهجوم الأمريكي البريطاني على العراق، وقد نتج عن احتلال العراق ازدياد الضغوط على سوريا وهو ما يعني أن القيادة السورية كانت مدعوة لاتخاذ أعلى درجات الاحتياط واليقظة إزاء مختلف التطورات المحتملة، والتخوف هو أن يكون الوهن العسكري الذي ظهر به الجيش السوري عنصر تشجيع لمزيد من الغارات الصهيونية، وأملنا أن يكون هذا درسا قبل فوات الآوان. سبق للجنرال الأميركي المتقاعد والمرشح لانتخابات الرئاسة ويسلي كلارك أن أكد أنه علم في نونبر,2001 أن خطة إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لغزو العراق وإسقاط الرئيس العراقي السابق صدام حسين هي جزء من حملة عسكرية أوسع نطاقا مدتها خمسة أعوام تشمل أيضا خمس دول عربية إضافة إلى إيران بدعوى دعمها للإرهاب ونقلت عنه وكالة رويترز في قصاصة لها (25 شتنبر 2003) أنه بعد العراق تشير الخطة إلى استهداف سوريا ولبنان وليبيا وإيران والصومال والسودان، وهي معطيات تفيد بأن الكيان الصهيوني انتقل للعب دور جديد في السياسة الأمريكية يتحقق معها ما يسمى بالغزو النظيف، والمؤشرات عنه متتالية ونرى مقدماتها الآن في كل من إيران وسوريا، الأولى مع قصة التفتيش النووي والثانية مع قصة إيواء منظمات المقاومة الفلسطينية، وهو ما يؤكد أن العد العكسي لهذه الجولة الثانية من المد الاستعماري الجديد قد انطلق حاملا معه كل الاحتمالات السوداء التي لا تدع لنا من خيار إلا تأصيل خيار المقاومة الشاملة واعتباره الحل الوحيد المتبقي عند الأمة والاستفادة من تجربتي المقاومة في العراق وفلسطين، والتي كانت خلاصتها أن الأمل هو في الشعوب بعد الله عز وجل، لتأخذ الأمر بزمام يدها فالأنظمة عاجزة ومتخاذلة إن لم نقل متواطئة ولا شيء ينتظر منها، فالأمة هي إزاء مد استعماري صهيوني جديد ولا خيار أمامها إلا بتصعيد المقاومة ودعمها. مصطفى الخلفي