يبدو أن الوعي السياسي ودرجة التسييس العالية لساكنة مدينة القصر الكبير لم تنفع معها كل المحاولات المغرضة الرامية إلى تجريم جسم العدالة والتنمية وتحميله المسؤولية المعنوية عن الأحداث الأليمة التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء مؤخرا، بحيث وبالنظر للطريقة التي سار عليها اقتراع الثاني عشر من سبتمبر الأخير أن رجل الشارع "القصري" كان عازما هذه المرة ليجعل من محطة الانتخابات الجماعية فرصته المواتية لتكذيب خطابات الافتراء والظلم وبدا أكثر حماسة وإصرارا على القطع مع سوء التسيير والتدبير الذي عرفته المدينة طول الفترة الجماعية السابقة ، وهو ما انعكس في شكل اقتراع انتقامي ضد الطبقة التي تولت تسيير شؤون مدينته وفتح قوس انفتاح على تجربة أخرى فتية كل الآمال أصبحت ومنذ الآن معلقة عليها. على بعد ساعتين فقط من إقفال مكاتب التصويت بالمدينة، وفي حدود الساعة التاسعة ليلا من نفس اليوم على وجه التحديد، أصبح المقر الرئيسي لحزب العدالة والتنمية قبلة للعديد من الأنصار والغيورين، أتوا وكلهم أمل في أن يعيشوا اللحظات الأخيرة والحاسمة من عرس النجاح، ضربوا موعدهم مع الحزب الذي ارتضوه جميعا أن يستلم مشعل التسيير المحلي من الأيادي الاتحادية التي ومن باب الإنصاف كانت قد خيبت الآمال وكانت بعيدة كل البعد عن تلبية أبسط مستلزمات المدينة . ما إن حطوا أقدامهم داخل المقر الرئيسي للحزب حتى وجدوا أمامهم ظروفا مهيأة وبامتياز لإنجاح حفل "الانتصار"، سبورة حائطية عريضة أريد لها أن تحتضن نقط ونتائج مجموع الأحزاب المتبارية على حوالي 144 مكتب انتخابي تعرفه المدينة، جناح مخصص لمعالجة المعطيات بطريقة إليكترونية وحديثة، فضاء خصص للمرأة المناضلة والغيورة، لتبقى الصالة الكبرى مشرعة في وجه كل الوافدين. بدت التباشير الأولية تقول بفوز حاسم للعدالة والتنمية إثر بدء تقاطر المحاضر الأولى للتصويت، تواكب كتابة أي رقم من الأرقام المحصلة على السبورة الحائطية شعارات مدوية وحماسية لشباب جعلوا من فوز العدالة والتنمية معركتهم الأولى في ذلك اليوم، شعارات مدوية جعلت كل الحي المجاور لمقر الحزب يعيش على إيقاع نفس الأجواء، فعرس المدينة في هذه الليلة واحد. ولقد أبانت السرعة العالية التي تتوافد بها الأرقام والمعطيات إلى مقر الحزب عن قدرة عجيبة على التنظيم وعن حرص وتفاني كبيرين لدى المناضلين لإحضار النتائج بأقسى سرعة ممكنة، كانت لوحدها مؤشرا دالا عن درجة "الإحكام التنظيمي" والتفاني في العمل الذي أبان عنه مناصروا الحزب، بحيث تحول الحزب وبشكل غريب إلى قبلة لرموز وأنصار جل الأحزاب السياسية المتنافسة، جاءت جلها تقريبا لأخذ نتائجها بنفسها من مقر الحزب الذي تحول بقدرة قادر إلى "حزب لكل الأحزاب السياسية بالمدينة" في ذلك اليوم المشهود. ومع إشراف اليوم الموالي للدخول وفي حدود الساعة 12 عشرة ليلا تقريبا كانت العدالة والتنمية قد فازت ومن بعيد بما مجموعه 14 مقعدا من مجموع المقاعد المتبارى عنها فيما حصلت رموز كل من الحمامة والبراد على ست مقاعد، الإتحاد الاشتراكي خمس مقاعد فيما رجعت للميزان أربعة مقاعد. ولأن مجموع مقاعد الدائرة المتباري عنها 35، ولأن العدالة والتنمية قد حازت على 14 مقعدا فقط ، فقد حصلت هذه الأخيرة وعكس كل التوقعات على النتيجة التي لا ولن تمكنها من تشكيل الأغلبية المريحة إلا باللجوء إلى لغة التحالفات إن هي أرادت الظفر برئاسة المجلس الجماعي لبلدية القصر الكبير بالنظر لضعف الإقبال على التصويت والارتباك الحاصل في توزيع بطاقات الناخبين. وأمام النتيجة العالية والمقلقة في نفس الأثناء فقد خيم جو رهيب داخل مقر الحزب، وتكون شبه تخوف عام من أن تؤدي التحالفات المشبوهة ولغة المال الحرام إلى إقبار آمال ورغبات الساكنة لم تهدأ من روعتها سوى الكلمة المطمئنة للنائب البرلماني الذي قدم بالمناسبة كلمة شكر لمن ساهم سواء عن قرب أو بعد في إحراز النتيجة وفتح كل الآمال أمام الحضور المتعطش بحيث أكد على أن يد العدالة والتنمية كانت دائما وستبقى مفتوحة أمام الجميع إلا لمن أبى، لتأخذ الشعارات ومن جديد إيقاعها المعهود لكن بحدة ونبرة أقل باديتان للعيان. وهكذا، فلقد حملت الأيام الموالية عن نبأ شكل الحدث في المدينة، فلقد خرج إلى الوجود بلاغ موقع من الكتابتين المحليتين لكل من حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية يتحدث إلى كونهما قد خلصا إلى ما يشبه الاتفاق النهائي لتشكيل النواة الصلبة لتحالف يريدانه قويا وموسعا يبقى مشرعا ينفتح على باقي فسيفساء المشهد السياسي بالمدينة، البلاغ الذي سقط كقطعة ثلج باردة على تحالف حسن الذهيبي، السيمو، احسيسن الذي ناور كثيرا وبشتى الوسائل لإسقاط التحالف المضاد الذي ترمز فيه وبشكل كبير حزب الاستقلال الذي ومن باب الإنصاف قد أبان عن استعداد عال للتنسيق ورغبة صادقة لمسايرة رغبة المدينة. لقد اصطف الميزان مع العدالة ليقطع الطريق أمام تحالف كان فعلا قويا بضعف الإتحاد الاشتراكي الذي حاول ومند البداية أن يلعب على هدف إسقاط "مشاريع" العدالة والتنمية ومهما كان الثمن، إلا أن الألطاف الإلهية قضت بأن يسفر الاقتراع عن أرقام صعبت من مأمورية الجبهة المنافسة كثيرا بحيث كانت ممزقة برموزها المتنافرة كان كل رمز فيها يناور في الخفاء من أجل أن يحرز على شرف الرئاسة، لتعود هذه الأخيرة رسميا صباح يوم الاثنين 22 شتنبر وباقتدار إلى الحزب الذي أنصفه التاريخ بالنظر لامتلاكه حقيقة أدوات الفعل السياسي في مدينة أرادت فعلا أن تقطع مع العهد الذي عمرت فيه ثنائية الطويل_بوحيي كثيرا. سعيد الزغوطي