-5- بداية نزول الوحي على الرسول الكريم ودور الزوجة في التثبيت عاش رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنات خديجة الطاهرة يجمعهما الصدق والتوحد على المبدإ، وتوحدت القلوب على المحبة والوفاء رغم فارق السن، إذ تزوجها الرسول الكريم وهو ابن الخامسة والعشرين وهي امرأة في الأربعين، ولم يتزوج عنها بأخرى حتى توفيت عن خمسة وستين عاما، وأصبح عمره صلى الله عليه وسلم خمسين سنة دون أن يفكر في أن يضم إلى خديجة مثلها من الإناث. وقد سمى المصطفى هذا العام بعام الحزن إيذانا بتبدل أحواله وعيشه مع زوجة وهبته المال والنفس، وثبتته عند نزول الوحي، لتمنح بذلك لبنات المسلمين أنموذجا للزوجة الفاضلة وإعانتها للزوج في استيعاب الهزات النفسية والأسرية. وفاء الزوج للزوجة أول ما يدرك الإنسان من زواج الرسول الكريم، حسب ما أكده الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه القيمفقه السيرة، هو عدم اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بأسباب المتعة الجسدية، فلو كان مهتما بذلك لطمع مثل أقرانه بمن هي أقل منه سنا، وإنما رغب في خديجة رضي الله عنها لشرفها ونبلها بين قومها حتى إنها كانت تلقب في الجاهلية بالعفيفة الطاهرة، خلافا لما يروجه المستشرقون وأذنابهم من زواجه صلى الله عليه وسلم بأكثر من تسعة نساء لتشويه سمعته وتصويره في صورة الرجل الغارق في لذة الجسد ، والعازف في معيشته المنزلية ورسالته العمة عن عفاف القلب والروحالصفحة71-70 من الكتاب. وجاء تأكيد هذا القول بشهادة عائشة، أم المؤمنين، رضي الله عنها، البكر الوحيدة التي تزوج رسولنا الكريم، إذ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكر خديجة يوما من الأيام فأدركتني الغيرة، فقلت هل كانت إلا عجوزاً فأبدلك الله خيراً منها؟، فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب، ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني النساء، قالت عائشة: فقلت في نفسي لا أذكرها بسيئة أبدا. خصال الرسول الكريم قبل البعثة عاش الرسول محمد بن عبد الله أمينا في قومه من رجال قريش على اختلاف درجاتهم وطبقاتهم، ومأمنا لحفظ ودائعهم، لا يرتابون في صدقه، وفي كريم أخلاقه إذا عومل، وفي عظيم إخلاصه إذا ما استعين به، وهذا ما سيجعله عدواتهم له بعد الرسالة تتميز بالعناد والإيذاء بعد أن جاءته الرسالة من عند الله، وستظهر أفعاله قبل البعثة صدقه، وتأهيله للرسالة. مشاركته في بناء الكعبة وقد شارك المصطفى في بناء الكعبة، بما تعنيه من شرف وكونها شعارا لتوحيد الله، ورابطة توحد المسلمين على الدين الواحد وعبادة الله الواحد، وكانت مشاركته مشاركة فعالة، ينقل الحجارة على كتفيه الكريمبن، وما بينه وبينها إلا إزاره، وروى البخاري إمام المؤمنين في الحديث من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله والعباس ينقلان الحجارة، فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم:اجعل إزارك على رقبتك، فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء فقاتل:أرني إزاري فشده عليه، وهذا الحديث يبين المجهود النبوي في بناء رمز الإسلام ومأوى أفئدة المؤمنين، وكان القاضي الحكيم في اقتراح القرار الفيصل في إعادة وضع الحجر الأسود في مكانه بعدما اختلفت في ذلك قبائل قريش، فبسط إزاره وحملته القبائل وحصل للجميع شرف وضع الحجر الأسود في مكانه مجنبا الجميع صراعات قاتلة، والحكم يوضح حكمته عليه السلام في تدبير الأمور وسياسة القضايا قبل مبعثه، بما تعنيه القصة من إعداد إلاهي للقيام بعبء الرسالة والنبوة، يقول الشيخ رمضان البوطي تعليقا على فعل المصطفى عليه الصلاة والسلام: فالأساس الأول في تكوينه عليه الصلاة والسلام، أنه رسول ونبي، ثم تأتي المزايا الأخرى كلها عبقرية ودهاء وذكاء مبنية على هذا الأساس ولاحقة به. التعبد في غار حراء وبداية نزول الوحي نشأ الرسول الكريم تحفظه العناية الإلاهية، وقلبه متردد من عبادة قومه وعكوفهم على عبادة الأصنام، فما كادت تدنو الأربعين من عمره حتى حبب إلى نفسه العزلة بين فترة وأخرى، وقصد غار حراء الذي يقع في أعلى جبل على ثلاثة أميال من شمال مكة، يختلي فيه للعبادة، ويتأمل في مصير الكون، ومتسائلا عن خالقه وموجده، مبتعدا عن شواغل الدنيا وضوضائها،واستمر يتعبد فيه الليالي ذوات العدد، تعد له خديجة الزاد، وتصبرعلى الفراق لتمنح الزوج الصادق فرصة ستكلل بفتح كبير ينير للبشرية طريقها نحو خالقها، ويأتي الوحي ليكمل الدين الواحد ويقوم ما اعوج من عبادتها لخالقها، فبقي على ذلك عدة سنين، يكثر من ذكر ربه بالقلب واللسان مما يمنح القلب طاقة إيمانية تدفعه للتضحية والجهاد فمحبة الله لا تأتي بالإيمان العقلي فقط، وفي ذلك الغار نزل عليه الوحي، وكان أوله الرؤيا الصادقة روى البخاري ومسلم أن أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ومرة وهو بالغار جاءه الملك، فقال له:اقرأ؟ قال: ما أنا بقارئ، قال الرسول الكريم وهو يعلم أتباعه: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني وغطني الثالثة ثم أرسلني، فقال:(اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم). الزوجة تثبت الزوج رجع رسولنا الكريم لهول ما حصل، يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة فقال: زملوني أي ألقوا علي غطاء، وخديجة رضي الله عنها تخفف عنه وتهون عليه، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ولما أفاق قال: يا خديجة ما لي؟ وأخبرها الخبر، وقال: قد خشيت علي، وهنا ستظهر أمارة الصدق لدى الزوجة لتؤكد متانة الرابطة الزوجية وإخلاصها، وتقوم بزراعة نفس الثبات في قلب الزوج مؤكدة:كلا ابشر فو الله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضعيف (الضيف)، وتعين على نوائب الحق، فأخلاقك المعهودة تمنع أي تفسيرلما وقع بأنه بلاء، بل هو حدث عظيم سينكشف بعد حين. وانطلقت الزوجة بالرسول الكريم إلى ابن عمها ورقة بن نوفل بن أسد، وهو رجل تنصر في الجاهلية، وكان يفك الخط العربي،حسب ما تورده كتب السير، وكتب بالعربية بالإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا قد عمى، فقالت: اسمع من ابن أخيك ما يقول، فقال: يا ابن أخي ما ترى؟، فأخبره، فقال: هذا الناموس الذي أنزل على موسى. إعداد: عبدلاوي لخلافة