من الطبيعي أن يستأثر المؤتمرالسابع لحزب العدالة والتنمية باهتمام كبير، فهذا أول مؤتمر ينعقد بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات وقيادتهم للحكومة، وهو المؤتمر الذي يتطلع العديد من الفاعلين إلى رصد طبيعة الحراك والتفاعلات الجارية داخل هذا الحزب خاصة بعد مغادرته لموقع المعارضة ومضي أشهر على التدبير الحكومي. ومع أن لحظة المؤتمر السابع تعكس التحول الفكري والسياسي والتنظيمي الذي يجري داخل الحزب، إن على مستوى أطروحته الجديدية المتعلقة بالبناء الديمقراطي، أو على مستوى الصيغة التنظيمية التي اختار الحزب أن تقوم على منطق الجهوية، إلا أنها تبقى في عمومها غير مفصولة عن التراكم الذي حصل في مسار الحزب. ولذلك، فإن الدلالات والإشارات التي التقطها العديدون بخصوص الديمقراطية الداخلية للحزب، أو التوجه العصري والحداثي لهذا الحزب، والذي تجسد في الإبداع الفكري والتنظيمي، أو النقلة النوعية التي حصلت على مستوى فكره وخطابه السياسي، إنما تعكس في جوهرها استمرارا للنفس الحي الذي سرى في جسم الحزب عبر مساره والذي كانت محطة المؤتمر السادس إحدى العلامات الفارقة فيه. معنى ذلك، أنه مع أهمية هذه الدلالات التي يتم التركيز عليها في العادة بحكم ندرتها أو ضمورها في المشهد السياسي، ينبغي البحث عن دلالات أخرى غيرها، فالديمقراطية الداخلية، واستمرار النفس الإبداعي خاصة منه التنظيمي، وتطور الخطاب السياسي لحزب العدالة والتنمية أصبح جزءا من السلوك العادي في كسب هذا الحزب ومساره، وهو يترسخ ويتقدم بحسب الإمكانات والفرص التي تتاح له. المهم اليوم، في ملاحظة ورصد محطة هذا المؤتمر، أن يتم التركيز عن شيء آخر، غير هذا السلوك العادي الذي أصبح جزءا من هوية الحزب السياسي. شيء برز في خطاب الحزب السياسي، ونوع الإشارات والرسائل التي بعث بها إلى كافة الأطراف. ومنها، وعلى رأسها، مسألة الإشعاع المغربي، إذ برز بشكل لافت الاحتفاء بالتجربة المغربية بجميع تفاصيلها: الصيغة السلسلة التي تم بها تجاوز ربيع الثورات، والإبداع السياسي المغربي في إبداع الجواب السياسي القائم على معادلة التغيير في إطار الإصلاح والتي تم تجسيدها من خلال تلاحم بين الإردة الشعبية والإرادة الملكية، وكذلك الفكر والسلوك السياسي الذي أنتجته الحركة الإسلامية في تفاعلها مع واقعها السياسي. فقد برز من خلال محطة المؤتمر احتفاء كل الضيوف بهذا النموذج المغربي، وتقديرهم للحكمة المغربية في تدبير لحظة الربيع العربي، وفي التأسيس لتجربة الانتقال الحقيقي نحو الديمقراطية، إلى الدرجة التي تمنى فيها الكثيرون لو تم الاحتذاء بهذا النموذج في الإصلاح وتجاوز كثير من المآسي التي حصلت قبل نجاح ربيع الثورات. على أن هذا الإشعاع المغربي الذي جسدته محطة المؤتمر السابع، إنما اكتسب عمقه أكثر بالمضمون الجديد الذي حمله الخطاب السياسي لحزب العدالة والتنمية، والذي تم التعبير عنه بكثافة كبيرة في كلمات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إذ تم التركيز على نقطتين محوريتين تتعلق الأولى بالأهداف والغايات، وترتبط الثانية بالوسائل والآليات، إذ قدم الحزب خادما للوطن إلى جانب شركائه من كافة الفاعلين السياسيين والمدنيين موالاة ومعارضة. هذا المضمون الجديد الذي يركز على مفهوم خدمة الشعب والوطن، ويركز على التشارك مع الآخر في تحقيق هذا الهدف، هو الذي سيعطي للإشعاع المغربي بعده العميق، خاصة وأن عناصر التجربة الديمقراطية تدعمه وتزكيه وتخدمه، فمن جهة هناك الوحدة الوطنية التي تجعل المنطق التشاركي خيارا قدريا، ومن جهة أخرى هناك المؤسسة الملكية التي تعتبر رمز الوحدة وأداة التحكيم عند الخلاف، ومن جهة ثالثة هناك الديمقرطية التي ترتب خريطة الفعل السياسي، ومن جهة رابعة هناك القبول بنتائجها واحترام التعددية التي يتميز بها المجتمع المغربي. هذه العناصر الحامية للتجربة المغربية، أضحت اليوم أداة الإشعاع المغربي الذي لعبت محطة المؤتمر السابع دورها في دفع المراقب والفاعل الخارجي بتنوعه ليس فقط إلى الاعتراف به وتقديره، ولكن إلى البحث عن عناصر قوته من أجل تناقله والإفادة منه. لقد كان المغرب عبر تاريخه الطويل عنصر جذب وإشعاع للمشرق، واليوم، ربما اكتملت عناصر التجربة المغربية وأصبحت قادرة على استئناف نفس الدور التاريخي والحضاري الذي كان يقوم به المغرب، وربما يكون المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية جزءا في مسار استرجاع هذا الدور الريادي.