اليوم ينعقد المؤتمر الوطني السابع لحزب العدالة والتنمية، التقت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» عبد العالي حامي الدين أحد القياديين الشباب لهذا الحزب، الذي لا يتحمل أية مسؤولية وزارية أو صفة حتى صفة برلماني، سوى أنه الآن يعمل في الواجهة الحقوقية من خلال منتدى الكرامة وحقوق الإنسان، فضلا عن أنه أستاذ جامعي للقانون الدستوري، خلال هذا اللقاء لامس حامي الدين عدة قضايا من قبيل ماهية المؤتمر وسياقاته، المنعقد يومي 14 و 15 يوليوز، انتخاب الأمانة العامة للحزب، ومدى سهولة تزكية عبد الاله بنكيران لولاية ثانية، علاقة الحزب بالعدل والإحسان من جهة، وشيوخ السلفية الجهادية، وكذلك علاقة الحزب بحركة التوحيد والإصلاح كحركة دعوية، تقييم حصيلة الأداء الحكومي خلال ستة أشهر، رأيه في تنزيل الدستور وتأويله التأويل الديمقراطي. { يأتي المؤتمر الوطني السابع لحزب العدالة والتنمية في إطار سياقات إقليمية وجهوية ودولية، مختلفة عن سياقات المؤتمرات السابقة، خاصة وأن الحزب اليوم في موقع التدبير الحكومي، هل هذا المؤتمر مؤتمر تنظيمي أم مؤتمر سياسي؟ المؤتمر الوطني السابع محطة تنظيمية عادية، بما أن القانون الأساسي للحزب يفرض عقد المؤتمر كل أربع سنوات، فالرهان التنظيمي حاضر، مساءلة القيادة، تقييم أدائها، انتخاب قيادة جديدة، لكن في نفس الوقت المؤتمر محطة سياسية بامتياز ، لأنه سوف يشهد لأول مرة في تاريخ الحزب، قفزة نوعية من معارضة لم تكن تتمتع بحقوق المعارضة كاملة، معارضة تعرضت للكثير من التضييق، والضغط الى حزب يقود الحكومة دون المرور بمرحلة وسيطة، المشاركة في الحكومة بدون امتلاك التشخيص الدقيق للمعطيات المرتبطة بصناعة القرار السياسي من موقع المسؤولية الحكومية، بدون شك أن المؤتمر سيكون محطة للوقوف على التحديات الجديدة التي تعترض هذه التجربة وتوفير الشروط الضرورية لإنجاحها، النجاح الكامل الذي يستجيب لتطلعات الشعب الشعب المغربي المرتبطة بالحرية، الكرامة، العدالة الاجتماعية والمدخل الحتمي لتحقيق هذه الأهداف هو الديمقراطية الحقيقية. المؤتمر هو محطة للتجديد الفكري على الأداء السياسي الناجح هو الذي يكون محكوم برؤية سياسية واضحة وفي هذا الإطار الحزب سيسعى إلى المزيد من تدقيق مشروعه المجتمعي والمزيد من تقديم الإجابات المقنعة لملء بعض الفراغات التي لم تكن مرحلة المعارضة تسمح بملئها، وأقصد بذلك كل الأجوبة المرتبطة بمجال الحريات الفردية والجماعية، حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا وما يتطلب ذلك من مبدعة وخلاقة وكل ما يرتبط بقضية المرأة وتحديات المناصفة، انطلاق من تحديد الفكر الأساسي الإسلامي الذي يبقى مرجعية أساسية للحزب وانسجاما مع متطلبات تدبير الشأن العام الذي يهم جميع المغاربة. { يبدو من خلال العديد من الخرجات الإعلامية لوزراء العدالة والتنمية، وقياديين في الحزب بالبرلمان، أن البعض لم يع بعد جيدا الموقع الذي يوجد فيه الحزب، وبالتالي يختلط الحابل بالنابل؟ ما رأيك في هذا؟ ستة أشهر مدة غير كافية لتغيير العلاقة بين الحزب والحكومة، من جهة ليست كافية لتقييم أداء الحكومة وليست كافية أيضا ليمتلك الحزب القدرة الكاملة للتكيف اللازم مع مستلزمات المرحلة الجديدة، طبعا المؤتمر سيكون محطة لمدارسة الأطروحة السياسية للمؤتمر والتي اقترحنا لها كعنوان«شراكة فعالة في البناء الديمقراطي من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية»، هذه الأطروحة تقدم جوابا حول طبيعة العلاقة التي سوف تحكم الحزب بالحكومة في برامجها، ومشاريعها، السياسية والقانونية دون أن يعني ذلك أن الحزب سيتماها مع الحكومة ، فنحن بالنسبة إلينا من خلال الأهداف التي التي سبق أن سطرها الحزب في أطروحة النضال الديمقراطي لا زالت لم تحقق بشكل كامل، ولذلك سنحتفظ بالمسافة النقدية اللازمة وسيقوم بدوره الرقابي من خلال فريقه البرلماني، وسيقوم بدوره التأطيري والتنويري للمجتمع، وسيقوم بدور الوسيط الأمين لاحتجاجات المجتمع ومتطلباته إلى جميع الجهات المسؤولة، لذلك سيسعى جاهدا لاستكمال عملية البناء الديمقراطي التي ستحتاجها بلدنا من خلال التنزيل الديمقراطي للدستور، والسعي إلى أقصى التأويلات الديمقراطية الممكنة لمقتضيات الدستور، يسعى جاهدا ليكون منسجما مع مطالبه السابقة في مكافحة الفساد وترسيخ الحكامة الجيدة في تدبير المؤسسات العمومية وترشيد إنفاق المال العام ... { سجل أن أعضاء للحكومة ساهرون على قطاعات وزارية مهمة ومحسوبون على حزبكم ، واجهوا مكافحة الفساد بالخرجات الإعلامية، والطعن في القطاعات الوزارية التي هي في مسؤوليتهم، ألم يكن حريا تجاوز هذا الأسلوب ؟ لكن لا ينبغي أن ننسى أن هذه الحكومة ، قد جاءت في أعقاب تحولات سياسية كبيرة، خلخلت مجموعة من الأنظمة العربية وتجاوب الشارع المغربي مع هذه الموجة من الاحتجاجات غير المسبوقة في العالم العربي، ورفعت فيها شعارات مرتبطة بإسقاط الفساد والاستبداد، وحزبنا انحاز إلى هذه المطالب حين اختار كعنوان لحملته الانتخابية «صوتك فرصتك ضد الفساد والاستبداد»، أيضا الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة اتفقت في البرنامج الحكومي على مجموعة من الإجراءات لمكافحة الفساد، المواطن يجب أن يلمس بالفعل أن صوته الانتخابي لم يذهب سدى، وأن أطروحة الاستثناء المغربي أو تحقيق الإصلاح في ضل الاستقرار عملية ممكنة. طبعا أنا شخصيا لا أميل كثيرا إلى أن محاربة الفساد، تتم بالخطاب السياسي الذي له وظيفة عاطفية ورمزية، لكن وصفات محاربة الفساد كما هي متعارف عليها في العديد من التجارب تتم عن طريق تقوية المؤسسات التي تراقب مسالك المال العام وتعزيز الترسانة القانونية لذلك، وتوفير الشروط الضرورية لضمان عدم الإفلات من العقاب بما يتطلبه ذلك من إصلاح عميق، وقبل ذلك وبعده استرجاع ثقة المواطن في مؤسساته التمثيلية وعلى رأسها البرلمان والحكومة والقضاء وباقي المؤسسات التي تشتغل بالحكامة من الواضح أن انتخاب الأمين العام في المؤتمر سوف لن تشكل أي عقبة بما أنه سيمنح لعبد الاله بنكيران ولاية ثانية، لكن في نفس الوقت هناك من يتحدث عن ترشيح كل سعد الدين العثماني وعبد العزيز الرباح لمنصب الأمين العام للحزب؟ من الناحية المسطرية وطبقا للمقتضيات القانونية للحزب التي تجعل عملية الترشيح لمنصب الأمين العام من اختصاص المجلس الوطني للحزب ، فإن جميع الاحتمالات تبقى مفتوحة ، لكن من الناحية السياسية فإن حظوظ ذ،عبد الاله بنكيرن في ولاية ثانية، تبقى أكثر رجوحا خاصة وأن التعديلات التي أدخلت على النظام الأساسي للحزب لا تمانع من الجمع بين منصب الحكومة ومنصب الأمين العام للحزب، بطبيعة الحال ، أن التداول الديمقراطي الذي سيجري بين المؤتمرين بعد ترشيخ خمسة أعضاء لمنصب الأمانة العامة هو الذي سيحسم السلوك الانتخابي للمؤتمرين. { هل يمكن الحديث عن المفاجأة؟ الديمقراطية هي المفاجئة، لكن الديمقراطية هي أيضا منطق الواقعية السياسية وتقدير أن مصلحة البلاد ومصلحة إنجاح التجربة تتطلب توفير إمكانات الدعم لتعزيز موقع رئيس الحكومة في مواجهة جيوب المقاومة وأعداء الإصلاح والتغيير. { هل يمكن أن يؤدي النقاش الساخن داخل المؤتمر لتقييم الأداء الحكومي ، لرئاسة الحكومة ووزراء العدالة والتنمية من قبل بعض القياديين في الحزب إلى نوع من النزوع نحو وضع مسافة مابين الحزب والحكومة وبالتالي الدفاع عن فكرة إسناد الأمانة العامة لشخصية أخرى غير رئيس الحكومة؟ هذا النقاش كان حاضرا داخل الوسط الحزبي، وأصدقك القول أنه حينما لم يتم الحسم في اعتبار أن هناك حالة تنافي بين الجمع منصب رئيس الحكومة ومنصب الأمين العام ، فإن النقاش سوف يتجه في أفق تعزيز موقع رئيس الحكومة وتوفير الدعم اللازم له في هذه المرحلة وفق الصيغة المناسبة ولي اليقين أن منطق الشورى والنقاش الديمقراطي سيحسم في النهاية اختيار الأصلح لهذه المرحلة. { لاشك أنكم تتبعون ما يقع في تونس ومصر ما بعد الثورة، وتنظيم الانتخابات وصعود الإسلاميين للحكم، وكيف هو الوضع الآن الذي يعرف نوعا من الوتيرة الثقيلة في تململ الأمور نحو الأفضل أن لم نقل آن هناك نوعا من البلوكاج السياسي، كيف ترون أنتم هذا الوضع بالنظر للمغرب؟ مرحلة الربيع العربي لم تكتمل بعد نهايتها، وما تعيشه تونس اليوم هو من مقتضيات المرحلة الانتقالية للعبور من الحكم الفردي المطلق وقمع الحريات وإغلاق منافذ التغبير إلى مرحلة الديمقراطية ، فالمخاض الذي تعيشه تونس اليوم هو مخاض طبيعي ، أما مصر تعيش المخاض بشكل آخر والمؤشرات الدالة تتجه نحو ترجيح كفة الشعب خلى كفة بقايا النظام السابق أو ما يصطلح عليه الفلول، وفي المغرب لقد نجحت دينامية 20 فبراير في إيقاف المسار التحكمى الذي عرفه المغرب، وكان يتجه نحو تعزيز قبضة الوافد الجديد بتعبير ا لاخوة الاتحاديين، على مفاصل السلطة والثروة، وإطلاق دينامية مختلفة تماما على المسار السابق، منذ خطاب 9 مارس الذي تجاوب بشكل سريع مع الاحتجاجات مرورا بالتصويت على الدستور الجديد الذي حقق تقدما في مجال توزيع السلطة وتحرير الحقوق والحريات وربط المسؤولية بالمحاسبة وانتهاء بانتخابات 25 نونبر التي أفرزت حكومة منبثقة عن إرادة الشعب، لكننا في نفس الوقت نواجه في المغرب تحديات من نوع آخر مرتبطة ببعض مراكز النفوذ وأرباب المصالح الذين لا يريد بعضهم أن يتخلص من نمط التدبير السابق، فالمستقبل القريب هو الذي سيبرز ه هل يتجه المغرب نحو إصلاحات عميقة وحقيقية أم أننا سنعيش إحباطا جديدا كما عشناه في أعقاب تجربة الأستاذ عبد الرمان اليوسفي. { ما هو تقييمك في المؤتمر لحصيلة الأداء الحكومي خلال فترة ستة أشهر؟ للجواب على هذا السؤال السابق لأوانه بالنظر لقصر عمر التجربة، لكن التقييم الإجمالي، ستبرز عناصر قوة ينبغي تثمينها وتشجيعها، كما أنه ستبرز عناصر ضعف ينبغي استدراكها بأسرع وقت قصد إنجاح هذه التجربة ، خصوصا فيما يتعلق بالتواصل وبمنهجية الاشتغال وبالإعلاء من سمو الوثيقة الدستورية وتنزيلها وفق أقصى التأويلات الديمقراطية كما جاء في بيان المجلس الوطني الذي اختار التصويت ف الايجابي على دستور فاتح يوليوز. { في الوقت الذي يلاحظ فيه تقارب مع شيوخ السلفية الجهادية من طرف حزب العدالة والتنمية، نجد في المقابل ازدياد التباعد مع جماعة العدل والإحسان، ما رأيك في هذا لموضوع؟ جماعة العدل والإحسان لهم منطق مختلف، نحن نحترمه، لكن نختلف معه لأنه مبني على تحليل سياسي لا يرى في أن الديمقراطية هي سيرورة وتراكم وتدافع مستمر، أما شيوخ السلفية الجهادية، نعتبر بأن الحوار معهم وإدماجهم في الحياة الثقافية والفكرية أنفع وأصلح للبلاد من تهميشهم أو مواجهتهم، فهم مغاربة أبناء لهذا الوطن، نتقاسم معهم المرجعية ونختلف معهم في بعض الاجتهادات، لكن نؤمن بأن الحوار معهم أفضل من القطيعة. { اليوم واقع جديد بالنسبة للحزب كقائد للحكومة الحالية، ما هي علاقة الحزب بحركة التوحيد والإصلاح؟ لقد حسمنا هذه العلاقة منذ مدة، وهي أن الحزب مؤسسة مستقلة تشتغل بالمجال السياسي وما يحكمه من قوانين ومستلزمات أخرى، أما حركة التوحيد والإصلاح فهي حركة دعوية مستقلة أيضا تشتغل في المجال الدعوي والتربوي، والعلاقة هي علاقة حزب سياسي مع مكون هام من مكونات المجتمع المدني لا أقل ولا أكثر، والحركة تبقى متحررة من أي التزام حكومي باعتبارها فاعلا مدنيا له أهدافه وبرامجه التي قد تلتقي مع أهداف وبرامج الحكومة وقد تختلف معها، ولكن أصدقك القول بأن الحركة كلما بقي الحزب باعتباره يقود الحكومة منسجما مع مبادئه ومع برامجه ومع أهدافه كلما بقيت الحركة داعمة له في مسيرته الاصلاحية. { أتوجه اليك الآن كأستاذ للقانون الدستوري وليس كفاعل سياسي بحزب العدالة والتنمية ، هل استطاعت الحكومة أن تقوم بتنزل الدستور ديمقراطي؟ هذا سؤال يحتاج الى تفصيل كبير لكن، سأكون مختصرا جدا لأن لدي تخوفات، فعملية تنزيل الدستور تنزيلا ديمقراطيا تبقى محكومة بإرادة جميع الفاعلين من مؤسسة ملكية، وحكومة وبرلمان وأحزاب سياسية من الأغلبية والمعارضة ومجتمع مدني، وإصرار الجميع على التأويل الديمقراطي لمقتضيات الوثيقة الدستورية، هو الذي سيعفينا من أي صراعات في هذا الباب، لكن السياسة ومنطق السلطة يتطلب بالإضافة إلى توفر شرط الإرادة السياسية، وجود ميزان قوى لفائدة القوى الديمقراطية في أي موقع كانت.