منذ 64 عاماً و"إسرائيل" ماضية في تقطيع أوصال القدس بسرقة جغرافيتها وتزوير تاريخها بالتقسيط غير آبهة بمقترحات «التسوية» على أنواعها مع السلطة الفلسطينية، وبالتنديد الدولي اللفظي الخجول بجرائمها، وهي تدرك أن تنازلها عن مدينة القدس التياحتلت شطرها الشرقي عام 67 بعد اغتصاب الشطر الغربي في عام 48 يعني سحب البساط من تحت “شرعيتها" بنفسها. وحذّرت “مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" من إمكانية ارتكاب الاحتلال الصهيوني جريمة أخرى في طريق باب المغاربة الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك. وأكدت المؤسسة، الأحد الماضي، أن الاحتلال الصهيوني يقوم بأعمال حفريات سرية وليلية وسرقة حجارة من الآثار المتبقية في طريق باب المغاربة بالقدس القديمة لاستخدامها في بناء الهيكل المزعوم، محذرة من هذه الجرائم. وأصدرت المؤسسة بيانا قالت فيه إن «قيام الاحتلال الإسرائيلي بمثل هذه الجرائم الخافية عن العين يمكن أن يؤدي إلى انهيارات في طريق باب المغاربة، وحينها سيستكمل الاحتلال الإسرائيلي هدم تلة باب المغاربة، خاصة في ظل ضغوط من قبل جهات إسرائيلية باستكمال هدم طريق باب المغاربة وبناء جسر عسكري بديل»، وفقا لوكالة الأنباء للأناضول. وكان وزير الأوقاف الأردني عبد السلام العبادي قد حذر في وقت سابق من تصاعد وتيرة «الانتهاكات والاعتداءات» الصهيونية على المسجد الأقصى، وقال «إن السلطات الإسرائيلية قامت في 12 من يونيو بإزالة وفك عدد من الحجارة الأثرية التي تعود للعصرين الأيوبي والمملوكي في الجدران الشمالية لطريق باب المغاربة». وأضاف العبادي في تصريحات لوكالة الأنباء الأردنية الرسمية «بترا» أن سلطات الاحتلال تقوم أيضًا بتفريغ الأتربة أسفل محراب مسجد الأفضل علي بن صلاح الدين الأيوبي، «الأثر الوحيد الباقي من المسجد والملتصق بالواجهة الشمالية من الطريق بعدما تم هدمه من حارة المغاربة عام 1967». وأوضح أن سلطات الاحتلال قامت أيضًا بأعمال هدم وإزالة أتربة وبقايا أثرية وتراثية في طريق باب المغاربة في شهر مايو الماضي. جدير بالذكر أن باب المغاربة هو جزء من حارة المغاربة، وهي من أشهر الحارات الموجودة في البلدة القديمة بالقدس، وشهد باب المغاربة مواجهات عديدة بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الصهيونية، بسبب الحفريات الصهيونية، ومحاولة سلطات الاحتلال بناء جسر في المنطقة. «صهينة» الجغرافيا وفي سياق إغراق القدسالمحتلة بالبؤر الصهيونية لتهويدها وتغيير معالمها الجغرافية، صادقت ما يسمى ب»اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء» الصهيونية في القدس، أول أمس، على مخطط لإقامة كلية عسكرية صهيونية في جبل الزيتون بالقرب من مستشفى «المطلع». وقال الباحث في شؤون الاستيطان أحمد صب لبن في بيان صحفي له نشر نصه «المركز الفلسطيني للإعلام»: «وفقا للمخطط الذي صادقت اللجنة اللوائية على طرحه للاعتراض العام فانه سيتم بناء كلية ضخمة على قرابة 14 دونما تقع شمالي شرقي البلدة القديمة وذلك ضمن المخطط الهيكلي الذي يحمل الرقم 51870». وأضاف صب لبن «وفقا للمخطط، فان الكلية ستتضمن كلية عسكرية للقيادة والأركان العسكرية الصهيونية وستتضمن مكاتب لقادة الكلية العسكرية وقيادة الأركان، وستستوعب الكلية قرابة 400 طالب عسكري و130 أكاديميا، ويراد من هذا المخطط تعزيز مكانة القدس كعاصمة للكيان الصهيوني حيث تحاول سلطات الاحتلال جاهدة لنقل المقرات الحكومية إلى الجزء الشرقي من القدس، واليوم وعبر هذا المشروع فإنها ستمضي قدما في مخططاتها وفي تعزيز سيطرتها على القدسالشرقية عبر زرع مزيد من الحقائق على ارض الواقع». وأكد صب لبن على أن «هذا المخطط يأتي أيضا ضمن خطة لتوسيع حلقة السيطرة الصهيونية على محيط البلدة القديمة بشكل خاص وهي خطة تمضي سلطات الاحتلال قدما بها بمساعدة الجمعيات الاستيطانية الخاصة وتسخر لها جميع الموارد الأزمة، واليوم على ارض الواقع استطاعت سلطات الاحتلال والجمعيات الاستيطانية فرض واقع جديد يحيط ببلدة القدس القديمة عبر حلقة شبه متواصلة من البؤر الاستيطانية والحدائق التوراتية التي تبدأ من حي الثوري وسلوان جنوبا مرورا برأس العامود والطور وتنتهي في حي الشيخ جراح شمالا، سلطات الاحتلال تهدف من خلال هذه البؤر الاستيطانية السيطرة على ما يدعى بالحوض المقدس». وأضاف أحمد صب لبن «الجدير ذكره أن هناك تسارع في وتيرة الإعلان والمصادقة على المشاريع الاستيطانية في القدس ففي ظرف أسبوع واحد أعلنت سلطات الاحتلال عن مصادقتها على 180 وحدة في مغتصبة تلبيوت الشرقية وطرحت عطاءات لبناء 171 وحدة جديدة في مغتصبتي جبل أبو غنيم وهار حوما وأعلنت عن بيع 24 وحدة في بيت اروط وقامت بهدم وإخلاء محلات تجارية في البلدة القديمة بهدف السيطرة عليها، وصادقت على مخطط لبناء مصعد وطريق تحت الأرض للوصل ما بين الحي اليهودي في البلدة القديمة وحائط البراق ضمن مخطط توسيع ساحات حائط البراق». دعوات للتصدي ودعا سياسيون أردنيون إلى تبني نهج وخطط واضحة المعالم تقف حائلا أمام استراتيجية سلطات الاحتلال الصهيوني التي تعتمد على التهويد الممنهج لمدينة القدسالمحتلة. وقالوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن نهج «إسرائيل» الدائم يقوم على التأجيل والمماطلة والانحناء أمام الأمواج العاتية وعندما تذهب أو تخف حدة هذه الأمواج يعود الجانب الإسرائيلي إلى تطبيق مخططاته وكأن شيئا لم يكن. وأوضحوا أن تصاعد وتيرة الانتهاكات والاعتداءات المتكررة من قبل سلطات الاحتلال الصهيوني والتي كان آخرها تسهيل اقتحام المسجد الأقصى المبارك من قبل مجموعة من المتطرفين اليهود، هو مخالفة صريحة لكل المعاهدات والمواثيق والأعراف الدولية. وقال نائب رئيس لجنة إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة م. رائف نجم إن الاحتلال الإسرائيلي يعمل على تهويد القدس خطوة بخطوة وبنفس طويل، بغرض طمس معالم التراث الإسلامي، وبناء الهيكل المزعوم. وأضاف أن «سلاح سلطات الاحتلال في ذلك منع الشباب من الدخول إلى القدس والصلاة في المسجد الأقصى المبارك، الى جانب أعاقة عمليات الصيانة المستمرة من خلال وضع العراقيل أمام مديرية الأوقاف والعاملين في المسجد الأقصى». وأضاف أن الانتهاكات الإسرائيلية مستمرة منذ مصادرة مفاتيح باب المغاربة، والاستيلاء على قسم منه، مبينا أن القدس منذ عام 1967 محظورة على المسلمين، وهذا ما جعلهم يقومون بكل شيء من أعمال تخريب وسلب الحجارة من شمال باب المغاربة. وأوضح أن سلطات الاحتلال استولت على الحجارة في القدس القديمة بغرض طمس معالمها ومعالم الآثار الإسلامية، خاصة الحجارة التي كانت على عمق 12 – 20 سنتيمترا، واستبدلتها بأخرى على عمق سنتيمترين. وأشار م. نجم إلى أن الغرض من الاستيلاء على هذه الحجارة هو استخدامها لبناء الهيكل المزعوم وفق مخططات سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مبينا أن ذلك ما كان ليتم لولا حالة الضعف والوهن التي يمر بها العرب والمسلمون. وقال: إن قرارات منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) مثلها مثل قرارات أخرى للمحكمة الدولية والأممالمتحدة، لا تلقى صدى عند سلطات الاحتلال التي تزداد تعنتا وصلفا كل يوم. تهجير وتهويد من جهته، أكد الدكتور عبد الله كنعان أمين عام اللجنة الملكية (الأردنية) لشؤون القدس أن اللجنة تتابع الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة واليومية ساعة بساعة ويوما بيوم، وأنها تدرك أهداف هذه الاعتداءات ومراميها والتي تتلخص في تهجير سكان القدس من العرب المسلمين والمسيحيين وتهويد أكبر مساحة ممكنة من المدينة المقدسة. وأضاف في تصريحات لوكالة الأنباء الأردنية (بترا): أن هذا المخطط الذي تنفذه إسرائيل أمام أنظار المجتمع الدولي لا يجد إلا استنكارا دون تعرض «إسرائيل» إلى أي عقوبات كي تمتنع عن إجراءاتها في القدس وغيرها من الأراضي العربية المحتلة. وأوضح كنعان أن ذلك يتم في الوقت الذي يقر فيه المجتمع الدولي أن كل ما تقوم به «إسرائيل» من انتهاكات واعتداءات في القدس والأراضي المحتلة يتعارض مع قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة واليونسكو ولجنة التراث العالمي ومؤسسات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وتساءل: "إلى متى تتحدى «إسرائيل» المجتمع الدولي، وإلى متى ستبقى تهدد الأمن والسلم الدوليين دون أن يتخذ بحقها ما يردعها ويجبرها على تطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقدس والمقدسات وغيرها من الأراضي العربية المحتلة؟». وناشد كنعان العرب والمسلمين التحرك فورا واتخاذ موقف حازم يتم بموجبه اخذ قرارات من مجلس الأمن تستند الى البند السابع وتفرض عقوبات على كيان الاحتلال لإجباره على تطبيق قرارات الشرعية الدولية. من جانبه، أشار المختص بالشؤون الصهيونية غازي السعدي إلى أن التحذيرات لن تلقى صدى لدى الجانب «الإسرائيلي» ولن يستمع إليها ولن يتجاوب معها طالما أن هذه التحذيرات لا يرافقها إجبار الجانب الصهيوني على إيقاف هذه التجاوزات. وأضاف للمصدر الإعلامي المذكور، أنه من المهم التركيز على أن الإشراف الكامل على المقدسات في القدس الشريف هو للأردن، داعيا إلى العمل على توضيح ذلك للعالم وبيان عدم التزام «إسرائيل» بما وقعت عليه من معاهدات بخصوص الأماكن المقدسة. وأوضح السعدي ان الكيان يفعل في القدس والضفة الغربية ما يحلو له، وهذا ما دفع نتنياهو الى مهاجمة كل الذين ينتقدون «إسرائيل» في موضوع الاستيطان بقوله: "إن هذه هي أرضنا وأن ما نقوم به ضمن سيادتنا وتاريخنا“. وأضاف السعدي أن الجانب الصهيوني «نهجه الدائم يقوم على التأجيل والمماطلة والانحناء أمام الأمواج العاتية وعندما تذهب أو تخف حدة هذه الأمواج يعود إلى تطبيق مخططاته وكأن شيئا لم يكن».