ضيقت التطورات المتسارعة التي تعرفها مصر هذه الأيام، مساحة التفاؤل حول مستقبل مصر بعد ثورة 25 يناير، وأعادت رسم صورة صراع القوى في المنطقة، فبعد قرار المحكمة الدستورية حل مجلس الشعب، جاء «الإعلان الدستوري المكمل» الذي أعلن عنه المجلس الأعلى العسكري، ليسحب أغلب الاختصاصات من الرئيس المنتخب، ويسند للسلطة العسكرية جملة من الاختصاصات التي تحدد مستقبل البلاد، ويكشف بذلك حقيقة نوايا السلطة العسكرية اتجاه الحكم، وكونها لن تسلم إلى الرئيس المنتخب، إلا سلطة منقوصة تجعله رهينا في كل شيء إلى موافقتها، حيث منح الإعلان الدستوري للسلطة العسكرية حق تشكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور في حال تعثر عملها، وحق تقرير كل ما يتعلق بشؤون القوات المسلحة، وحق الاعتراض على أي نص دستوري يتعارض مع مصلحة الوطن، وسلطة التشريع إلى حين انتخاب مجلس شعب جديد بعد إصدار دستور جديد للبلاد! يأتي هذا الإعلان الدستوري المكمل، ليلة الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية، والتي أظهرت تقدما لمرشح الإخوان، الدكتور محمد مرسي، ب52.5 في المائة بعد فرز أكثر من 99 في المائة من أصوات لجان الفرز. الحاصل، أنه مهما تم وصف ما جرى في مصر، بكونه «انقلابا دستوريا مكملا»، أو انقلابا على الثورة، أو عسكرة للدولة، فإن التحليل العميق لذلك لا ينبغي أن يكون بمعزل عما يجري في المنطقة العربية ككل، لاسيما منها التي شهدت ثورة أو حراكا ديمقراطيا، إذ لم تخرج كل هذه الدول من ربيعها إلا بصيغة انتهت أو هي في طريقها إلى الانتهاء، لما يمكن تسميته بالشراكة في السلطة، والتي تتنوع أشكالها من قطر إلى قطر. فباستثناء الجزائر التي مثلت عنوان التراجع عن النفس الديمقراطي التصاعدي الذي عرفته المنطقة، وظلت «الدولة العميقة» مستحكمة في خريطة الفعل السياسي، لا تزال الدول التي تعيش ترتيب أوضاع ما بعد الربيع العربي، تعيش صراع قوى، بين «الدولة العميقة» وبين القوى التي تمثل الإرادة الشعبية. الحال في مصر، أن قوة الزخم الثوري التي بوأت الحركة الإسلامية موقع الصدارة في انتخابات مجلس الشعب، لم تحسم المعركة نهائيا مما جعل المجلس العسكري الأعلى في النهاية يفرض صيغة «الشراكة» في السلطة المخلوطة بالوصاية عليها من جهة، وتقييدها من جهة ثانية. لا يختلف الأمر كثيرا في حالة اليمن التي رعت المبادرة الخليجية عملية اقتسام السلطة والشراكة فيها، وهو الأمر نفسه الذي يبدو أن مؤشرات كثيرة ترجحه في الحالة التونسية، بعد المناداة بتأسيس حزب لا يتردد الجميع في وصفه بكونه حزب سلطة، يحاول استعادة النظام السابق أو تجديده. نفس المؤشرات تطرد في كل الحالات التي صعد فيها الإسلاميون، والتي تفتعل فيها العديد من القضايا، وتحرك ملفات كثيرة يعرف المجتمع السياسي برمته، أن عملية معالجتها إنما تكون بعد انتهاء السياق التأسيسي للتجربة الديمقراطية. وإذا كانت التجربة المغربية، قد استبقت هذه المآلات المقلقة، واختارت عبر دستور فاتح يوليوز أن تؤسس لتجربة جديدة في الانتقال الديمقراطي، تقوم على توافق الإرادة الملكية بالإرادة الشعبية، على معادلة الإصلاح في ظل الاستقرار، وأثبتت تميزها وفرادتها في دول الربيع العربي، إلا أن ذلك لا يعني أنها نجحت تماما في شق طريقها نحو التجاوب مع الانتظارات الشعبية في تحقيق انتقال ديمقراطي ومحاربة الفساد والاستبداد، فلا يزال أمام مسار الإصلاح جيوب مقاومة عنيفة تهدد هذه التجربة برمتها. بكلمة، إنه كما حقق المغرب عشية اندلاع الحراك الشعبي «استثناءه» بمعادلة الإصلاح في إطار الاستقرار، يمكن له أيضا اليوم، بعد المآل المقلق الذي انتهى إليه الربيع العربي في كثير من البلدان، أن يستمر في تعزيز تجربته المتفردة في المنطقة، بإسناد الإصلاح ومسلسل الدمقرطة والقطع كليا مع أي منطق لاستعادة المبادرة أو العودة إلى ماضي الاستبداد.