معرض باريس للفلاحة يستحضر الشراكة الاستراتيجية بين المغرب وفرنسا    البطولة: النادي المكناسي يفرض التعادل على الوداد البيضاوي بمعقله    الركراكي: اللاعب أهم من "التكتيك"    ولاية أمن الدار البيضاء… توقيف شخص يشتبه في ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في النصب والاحتيال على الراغبين في الهجرة    البيضاء.. توقيف مواطن من أصول جزائرية مطلوب لدى السلطات الفرنسية    مهرجان دبلن الدولي للسينما يحتفي بالسينما المغربية    مبادرة "الحوت بثمن معقول".. أزيد من 4000 طن من الأسماك عبر حوالي 1000 نقطة بيع    المنتخب السعودي يتأهل لكأس العالم للشباب بفوزه على الصين    الرئيس الفرنسي يعرب عن "بالغ سعادته وفخره" باستضافة المغرب كضيف شرف في معرض الفلاحة بباريس    "البيجيدي" مستاء من قرار الباشا بمنع لقاء تواصلي للحزب بالرشيدية    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    نهضة بركان تسير نحو لقب تاريخي    أخنوش وبايرو يثمنان "التحول الكبير" في العلاقات الثنائية المغربية الفرنسية    تشبثا بأرضهم داخل فلسطين.. أسرى فلسطينيون يرفضون الإبعاد للخارج ويمكثون في السجون الإسرائلية    القبض على شخص استغل حريق سوق بني مكادة لسرقة بضائع التجار    الملك يبارك يوم التأسيس السعودي    دنيا بطمة تلفت أنظار السوشل ميديا    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    "الصاكات" تقرر وقف بيع منتجات الشركة المغربية للتبغ لمدة 15 يوما    مشروع قرار أمريكي من 65 كلمة فقط في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء الحرب في أوكرانيا دون الإشارة لوحدة أراضيها    مساءلة رئيس الحكومة أمام البرلمان حول الارتفاع الكبير للأسعار وتدهور الوضع المعيشي    لاعب الرجاء بوكرين يغيب عن "الكلاسيكو" أمام الجيش الملكي بسبب الإصابة    زخات مطرية وتساقطات ثلجية مرتقبة بعدد من المناطق المغربية اليوم    رفض استئناف ريال مدريد ضد عقوبة بيلينغهام    رئيسة المؤسسة البرازيلية للبحث الزراعي: تعاون المغرب والبرازيل "واعد" لتعزيز الأمن الغذائي    في حضور أخنوش والرئيس الفرنسي.. المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    سيناريوهات ما بعد هزيمة العرب وأمريكا في أوكرانيا    الكوكب المراكشي يبحث عن تعزيز موقعه في الصدارة عبر بوابة خريبكة ورجاء بني ملال يتربص به    بين العربية والأمازيغية: سعيدة شرف تقدم 'الواد الواد' بحلة جديدة    إحباط محاولة تهريب مفرقعات وشهب نارية بميناء طنجة المتوسط    استثمار "بوينغ" يتسع في المغرب    "قضاة المغرب" يستنكرون تهكم وهبي ويرفضون خرق واجب التحفظ    السحب تحبط تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني    استشفاء "بابا الفاتيكان" يثير القلق    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    "العدل والإحسان" تدعو لوقفة بفاس احتجاجا على استمرار تشميع بيت أحد أعضاءها منذ 6 سنوات    إطلاق "كازا تراث"… منصة مخصصة لاكتشاف تراث المدينة    الصحراء المغربية.. منتدى "الفوبريل" بالهندوراس يؤكد دعمه لحل سلمي ونهائي يحترم سيادة المغرب ووحدته الترابية    تحقيق في رومانيا بعد اعتداء عنيف على طالب مغربي وصديقته    الصين تطلق أول نموذج كبير للذكاء الاصطناعي مخصص للأمراض النادرة    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    قرعة دوري أبطال أوروبا.. ديربي مدريدي وقمتان ناريتان    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجربة الديمقراطية بتونس ومصر والتجربة الانتخابية بالمغرب
نشر في لكم يوم 19 - 12 - 2011


الفروق والسياقات
في سياق الثورات
مثلت ثورات ربيع الأمة الديمقراطي لحظة مفصلية، بين حقبتين تاريخيتين كبيرتين، حقبة تميزت بانتصار معسكر الاستبداد ورجحان موازين القوى لصالحه، وهذه الحقبة أنتجت لنا بفعل إكراهات التغيير المنشود قاموسا مفاهيميا وموازنات حكمها مبدأ الاضطرار وأفرزت لنا خرائط سياسية وحزبية وبرلمانات وحكومات لا تعكس إلا إرادة الحاكم وقواه المتنفذة، وتغيب بشكل قسري إرادة الشعوب في تقرير اختياراتها المجتمعية عموما، هكذا ترسخت في هذه الحقبة ثقافة سياسية خيطها الناظم "ليس في الإمكان أفضل ماهو كائن" عند أغلب النخب السياسية، وبشكل مشرق ومقاوم كان تيار الممانعة الذي تشبث بالأمل يعمل على تكريس ثقافة "مزاحمة المفسدين والتدرج في مقاومة الظالمين سلميا"، إنها حقبة عشنا مآسيها مع خيانة فاضحة للحاكم العربي الذي خنق أنفاس الحريات وباع الأرض وخيراتها وأعلن ولاءه للصهاينة ودبج مفاهيم السلام والتفاوض مع مغتصبي الأراضي المحتلة، وشهد بكل خنوع ومذلة مجازر في حق الشعب الفلسطيني والعراقي والأفغاني، بل وأعلن تواطئه أحيانا أخرى مع معسكر الصهاينة، بتحالف أمني فاضح ضد المقاومين وضد مصالح الشعوب المحتلة أراضيها، إنها حقبة قد نؤرخ لها بما قبل "البوعزيزي" رحمة الله عليه.
وأما حقبة ما بعد "البوعزيزي" فهي حقبة الأمل وانهيار جدار الخوف وانتزاع الحق في التظاهر السلمي وإحداث التغيير المنشود عبر الشارع.
لقد حلت هذه الحقبة التي لازلنا نعيش تجلياتها لتتمرد على قاموس مفاهيمي ينتمي إلى زمن غير هذا الزمن، وليكون فيه تحقيق التغيير المنشود وإسقاط الاستبداد خاضعا لميزان قوى محدده حرارة الشارع وتظاهراته اليومية، وموازنات يحكمها مبدأ الانتصار للإرادة الشعبية ونيل المطالب فورا وليس بالتدرج، وطرد المفسدين عوض مزاحمتهم وإسقاط المستبدين والظالمين عوض مقاومتهم فقط، والمطالبة بالانتقال فورا إلى عهد الديمقراطية الآن وليس بعد سنين، هذا القاموس من المفاهيم أنتج سلوكا سياسيا متمردا على كل ما أنتجته الحقبة الماضية، كان العنوان المطلبي العام هو الانتصار للإرادة الشعبية وإعلان سموها، والقطع الجدري مع الاستبداد وعدم إجراء أية تسوية معه.
ذلكم هو السياق العام الذي أتت من خلاله منجزات هذه الثورات والحراك الاجتماعي والسياسي والشعبي الذي عرفتهم المنطقة العربية والإسلامية، وهذا السياق مهم في استشراف آفاق بعض التجارب الديمقراطية الناشئة التي أتت بها هذه الثورات المجيدة.
مميزات التجارب الديمقراطية لما بعد ثورات الربيع الديمقراطي
لقد تم التأسيس لتعاقدات كبرى جديدة مبنية على منطلقات واضحة عنوانها العام استعادة الشعوب لسلطتها ولإرادتها العامة، تلك التعاقدات التي ابتدأت بانتخاب مجالس تأسيسية أو تشكيلها ديمقراطيا تأخذ على عاتقها صياغة الوثيقة الدستورية لتعرضها على الشعب في استفتاء عام يقول كلمته فيها، وبينت بالملموس أن الانتخابات ذات الطبيعة البرلمانية والتشريعية لا تسبق وضع أسس الديمقراطية وقواعد التداول الفعلي على السلطة والعملية السياسية عموما.
بالطبع حينما نريد استشراف آفاق هذه التجارب الديمقراطية التي أفرزتها هذه الثورات المجيدة في تونس ومصر، لابد من التقاط أهم مميزات هذه التجارب التي صنعت نموذجا فريدا في التغيير المنشود هذه المميزات يمكن إجمالها في التالي:
1. أن هذه الثورات أحدثت قطيعة تامة مع الاستبداد وانطلقت لتبني غدها بعد هذه القطيعة وليس بموازاة معها؛
2. أن هذه الثورات أبعدت كل من تلطخت يداه بنهب لمال عام أو بتعذيب سجناء والزج بهم ظلما في غياهب السجون، أو بتقتيل للأبرياء وقمعهم، عن مراكز السلطة والقرار وحتى عن الممارسة السياسية؛
3. أن هذه الثورات سارت كلها نحو صياغة وثيقة دستورية متعاقد حولها شعبيا ومجتمعيا شكلا ومضمونا من حيث متن ومسطرة صياغتها الديمقراطيين؛
4. أن الانتخابات التشريعية والبرلمانية أتت أو تأتي بعد الحسم في إرساء قواعد الديمقراطية والتداول الفعلي على السلطة والعملية السياسة عموما؛
5. أن الانتخابات التأسيسية أو التشريعية حظيت بمشاركة شعبية واسعة فاقت 60% فما فوق؛
6. أن هذه الانتخابات كانت حرة ونزيهة وديمقراطية وبإشراف مستقل عليها، بشهادة كل المراقبين الدوليين؛
7. أن هذه الانتخابات شهدت مشاركة أحزاب وهيئات سياسية واسعة ومتعددة على أساس مبدأ التصريح للحق في التأسيس عوض مبدأ الترخيص؛
8. أن هذه الانتخابات جسدت بجلاء الإرادة الشعبية في إطار اختيار حر ونزيه حيث عكست تجدر بعض القوى السياسية في المجتمع والتحامها معه، وعلى رأسها بعض القوى ذات المرجعية الإسلامية؛
9. أن هذه الثورات تأسست على إجراءات تصفية الأجواء السياسية والحريات بحيث تم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإنصاف المظلومين وتعويضهم وعودة المنفيين...
التجربة الانتخابية المغربية والتجارب الديمقراطية في تونس ومصر محاولة مقارنة
إذا أردنا أن نجري عملية قياسية، لكي نجيب عن سؤال آفاق صعود بعض القوى الإسلامية في الانتخابات التي أجريت في كل من مصر وتونس، ومقارنة هذا الصعود مع ما أفرزته انتخابات المغرب فسنجد أن ثمة فروق في السياقات وفي نوعية التجارب الديمقراطية أو الانتخابية وفي طريقة تدبير تركة الاستبداد والفساد،
فروق على مستوى السياقات
لزم القول هنا أن ثمة فروق واضحة على مستوى سياقات التجارب الديمقراطية بكل من تونس ومصر والتجربة الانتخابية بالمغرب وهذه السياقات نجملها في عنصرين:
1. المغرب لم يعرف ثورة شعبية أنتجت تعاقدات تأسيسية كبرى جديدة وانتخابات على أساسها؛
2. المغرب يريد له حاكموه أن يستمر مع إحداث بعض القطائع، الشيء الذي يتعذر له، فالسلطة السياسية المخزنية عوض أن تستجيب كليا لمطالب الحراك الشعبي الذي انطلق مع حركة 20 فبراير، سارت على منهج التقسيط والاحتواء والتهدئة، التقسيط في الاستجابة لبعض المطالب الجزئية التي لا يمكن فصلها عن المنظومة المطلبية التي تشكل الهوية الكفاحية والنضالية لحركة 20 فبراير والقوى الداعمة لها، وسارت على منهج الاحتواء من خلال تقديم عرض سياسي ودستوري حاولت من خلاله أن تستقطب إلى معسكرها بعض القوى السياسية احتواء وإغراء، وعلى منهج التهدئة من خلال محاولة إشغال الرأي العام بمسلسل انتخابي مفصول عن أسسه ومنطلقاته الدستورية والشعبية؛
فروق على مستوى نوعية التجارب
ثمة فروق نوعية على مستوى تجارب تونس ومصر حين مقارنتها بالمغرب وذلك للاعتبارات التالية:
1. قوة المستند الدستوري لتجارب تونس ومصر، ذلك أن صياغة الوثيقة الدستورية الجامعة سواء في تونس أو مصر عرفت إشراكا واسعا لمختلف القوى والأطراف المجتمعية، وهذا الإشراك اتخذ طابعا ديمقراطيا وإلزاميا من حيث نتائجه ولازالت هذه العملية جارية بمصر بالعمل على تشكيل جمعية تأسيسية مكونة من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية والفعاليات، أما في تونس فلقد تم انتخاب مجلس تأسيسي ستكون من مهامه الرئيسة وضع مشروع دستور لعرضه على الاستفتاء الشعبي.
في حين أن عملية الإصلاحات الدستورية لم تسر على نفس المنوال في المغرب، فلقد كانت الهيئة التي وضعت مشروع الدستور معينة وغير منتخبة أو مشكلة ديمقراطيا، كما أن المشاورات التي اتخذتها مع بعض القوى السياسية والنقابية والهيئات المدنية كانت ذات طابع استشاري غير ملزم في نتائجه، هذا من حيث الشكل أما من حيث المضمون فقد أتى الدستور الجديد بمضامين لا تقطع مع العهد الدستوري السابق، حيث ظل نظام الملكية التنفيذية هو المقرر دستوريا من ناحية تركيز أهم السلطات بيد الملك، و حيث لم يستعد الشعب سلطته بالكامل، ، ناهيك عن عدم ربط السلطة بالمحاسبة لكل من له سلطة فعلية، وإذن المستند الدستوري للتجربة "الانتخابية" المغربية كانت ضعيفة من حيث تجسيدها للمضامين الديمقراطية وللإرادة الشعبية السامية؛
2. قوة المستند الشعبي لتجارب تونس ومصر، والمستند الشعبي مؤشره الأساس هو نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات، ففي الوقت الذي تعدت نسب المشاركة الانتخابية في كل من مصر وتونس الستين في المئة، ظل المغرب في الانتخابات الأخيرة بنسبة ضعيفة لم تصل إلا إلى 45%، ناهيك عن ملاحظة صادمة أتت بها هذه الانتخابات متمثلة في انخفاض عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية ما بين 2007 و 2011 بحوالي مليونين، في الوقت الذي كان من المفترض أن يرتفع العدد نظرا لعامل النمو الديمغرافي ولسن التصويت 18 سنة، فالمستند الشعبي للتجربة الانتخابية المغربية كان ضعيفا أيضا، مما ينزع عن هذه الانتخابات وتوابعها أية شرعية شعبية؛
3. مقدمات متينة للنزاهة الانتخابية في تجارب تونس ومصر، ومن أول هذه المقدمات هو إشراف هيئة مستقلة على الانتخابات، وبالتالي إبعاد وزارة الداخلية عن هذا الإشراف، والإشراف يعني وضع الأسس القانونية والإجراءات اللازمة والمصاحبة لسير العملية الانتخابية بكل نزاهة وشفافية، (تقطيع انتخابي، لوائح انتخابية جديدة، تجميع النتائج والإعلان عنها...)، في حين أن المغرب ظل وفيا للعهود السابقة في إشراف وزارة الداخلية على كل مسلسل العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، مما يطعن مسطريا في مصداقية نتائجها؛
4. مقدمات بناء الثقة في تجارب تونس ومصر، وأولها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمظلومين، وإنصاف المتضررين من جبروت السلطة، وثانيها إطلاق مجال حرية التأسيس للأحزاب بدون تقييدها بقيود تعسفية، هكذا شهدنا أكبر عدد من الأحزاب مشاركة في الانتخابات التونسية والمصرية، وشهدنا أحزابا وهيئات كانت الأمس القريب ممنوعة من التعبير وحقها في التنظيم تشارك في هذه الانتخابات بكل حرية، في حين أن المغرب يعرف انتخابات في ظل منع تعسفي لبعض القوى السياسية من حقها في التنظيم والتأسيس (مثال حزب الأمة وحزب البديل الحضاري)، وفي ظل قانون أحزاب سياسية يقيد حرية التأسيس ويعمل بمبدأ الترخيص عوض التصريح، ويضع شروطا وعراقيل منافية لمبدأ المواطنة كأن يشترط على المؤسسين أن يكونوا مسجلين في اللوائح الانتخابية هذا مع العلم أن الملايين من المغاربة يرفضون حتى التسجيل في اللوائح الانتخابية تعبيرا منهم عن رفضهم للمسلسل الانتخابي برمته، فهل يحرمون من حقهم في تأسيس أحزاب سياسية ضربا في مبدأ المواطنة وعقابا لهم بقوة القانون؟ إن القانون جاء ليخدم الحق ويضبطه لا أن يقيده ويلغيه.
فروق على مستوى تدبير تركة الماضي
ثمة فروق واضحة مرتبطة بتدبير تركة الماضي السياسي والدستوري والاجتماعي بين التجربتين الديمقراطيتين في تونس ومصر وبين التجربة الانتخابية في المغرب ويمكن إجمالها في العناصر التالية:
1. تدبير التركة السياسية والحقوقية: ففي الوقت الذي تم تشكيل هيئات مستقلة للإصلاح السياسي سواء في التجربتين التونسية والمصرية نتج عنها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين والعمل على تعويض ضحايا القمع والتقتيل والسماح بتأسيس الأحزاب السياسية دون قيود مجحفة وإطلاق مجال حرية التعبير والإعلام، وكانت هذه الخطوات كلها قبل الشروع في تنظيم انتخابات سواء كانت تشريعية أو تأسيسية، كان المغرب يقلب الخطوات بشكل معكوس، حيث تم تأجيل النظر في تدبير هذه التركة إلى ما بعد الانتخابات التشريعية، وهو مؤشر سلبي على مستوى إجراءات بناء الثقة والمضي دون تردد في إصلاح سياسي عميق لبنية الدولة وللسياسات الرسمية المتبعة؛
2. تدبير التركة الاجتماعية والاقتصادية: حيث عبرت الثورتين المصرية والتونسية عن آمال شعوبهما في العيش الآدمي الكريم ومعالجة جدرية لمشكل البطالة والفقر، ورسمتا الخطوط الكبرى التي ينبغي أن يتأسس عليها أي برنامج سياسي وانتخابي، في حين أن في الحالة المغربية وبينما كانت تتقوى مطالب الشارع من خلال تظاهرات 20 فبراير وترسم معالم المغرب المنشود دستوريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كانت الاستجابة الرسمية تقسيطية (الزيادة في الأجور، توظيف فوج من المعطلين...)، وهذه الاستجابة التقسيطية إنما كان هدفها هو تهدئة الشارع المغربي والالتفاف حول مطالبه، لقد كان "برنامج "الانقاذ الوطني" الذي تقدم به الشارع المغربي في تظاهراته كفيل بأن يشكل أرضية تأسيس على قاعدتها تتصوب السياسات العمومية وتتشكل المفاصل الأساسية لأي برنامج سياسي أو انتخابي، لكن عملية الالتفاف حول هذه المطالب الشعبية، أعادنا إلى نقطة الصفر بحيث لم ترس السياسة العامة االتي سينهجها الحاكمون على قاعدة المطالب الشعبية، ليعود الحديث عن النسب المئوية وهاجس التوازنات المالية على حساب التوازنات الاجتماعية عوض التوجه مباشرة إلى ترجمة المطالب الاجتماعية للشعب المغربي إلى برامج وإجراءات واضحة المعالم دون لف ودوران.
بناء على هذه الاعتبارات يمكن أن نخلص إلى ما يلي:
1. أن التجربتين التونسية والمصرية هي تجارب ديمقراطية ناشئة تسير في اتجاه بناء متين للتعاقدات المجتمعية الكبرى وبالتالي تعبد طريق النهضة والتنمية؛
2. أن التجربة المغربية لا تعدو أن تكون تجربة انتخابية مفصولة عن مضمونها الديمقراطي والشعبي، وبالتالي هي تعيد إنتاج العهود السابقة في غياب عدم الإعمال الدستوري لمبدأ المحاسبة لكل من له سلطة فعلية، وفي غياب ممارسة البرلمان لكافة صلاحياته التشريعية والرقابية وممارسة الحكومة لكافة صلاحياتها التنفيذية، ومع إقرار دستوري بنظام ملكية تنفيذية، وفي غياب شرعية شعبية مسندة لهذا المسلسل الانتخابي؛
3. أن ما أفرزته نتائج الانتخابات في تونس ومصر يجعل الفائزين في هذه الانتخابات، يمارسون سلطاتهم الواضحة والجلية المقررة دستوريا وبالتالي يصوبون كل جهدهم نحو معركة استكمال ورشات البناء الديمقراطي ووضع قواعد سليمة لتنمية البلاد ونهضتها ومعالجة القضايا الاجتماعية ذات الطبيعة الاستعجالية كالفقر والبطالة، وإذن فنتائج هذه الانتخابات هي بمثابة بداية عرس ديمقراطي واستكمال لمشوار الثورة واستعادة الشعب لسلطته ولكرامته وحريته...
في تدبير تركة الماضي
إن ما أفرزته نتائج انتخابات المغرب يجعل الفائزين أمام محك الشارع الذي لازال يغلي حراكه، وعبر عن استيائه في تظاهراته لهذا المسلسل الالتفافي الرسمي على مطالبه، وأمام عراقيل دستورية لا تمنحهم كل الصلاحيات في التنفيذ والتقرير، بل تجعل جهودهم تتبدد في معارك الضياع والتيه حول تأويلات دستورية للاختصاصات، وبالتالي نستطيع القول أن ثمة تضليل وتيه عن طريق التنمية والنهضة، إننا أمام انتخابات بدون نفس دستوري نهضوي يقطع تماما مع كل العراقيل والمعيقات على مستوى الاختصاصات والصلاحيات، ويجعل من الفائزين يستدعون قاموسا سياسيا احتياطيا لتبرير العجز وللتغطية عن المشكل الحقيقي المتمثل في أن الفائز في الانتخابات في المغرب يأتي ليخدم سلطة معينة محددة سلفا من حيث اختياراتها وسياستها العامة عوض أن يمارس سلطة أرضيتها برنامجه الانتخابي الذي وعد به الشعب، ويمكن إجمال أهم التحديات المرتبطة بتدبير التركة السياسية والقنونية والاقتصادية والاجتماعية في العناصر التالية:
1. تدبير التركة السياسية والحقوقية: ستكون تجربة المغرب الانتخابية كما سبق أن أشرنا في مواجهة تحدي القطع الجدري مع كل المخلفات السلبية لتدبير الملفات السياسية والحقوقية الماضية، هكذا ستكون أمام جدول أعمال يمكن إجمال عناصره في التالي:
تصفية الترسانة القانونية من كل القوانين والتشريعات المخالفة في مقتضياتها للحقوق والحريات ومنها بالأساس ثالوث الإجهاز على الحريات المتمثل في القانون المشؤوم المسمى ب"قانون مكافحة الإرهاب"، قانون الأحزاب السياسية، ثم قانون الصحافة؛
العمل على الإطلاق الفوري والعاجل لكل المعتقلين السياسيين والمظلومين وضحايا هذا القانون المشؤوم لما يسمى "قانون مكافحة الإرهاب" وإنصافهم وإعادة حقوقهم المدنية والسياسية؛
إطلاق مجال الحريات الأساسية بدون قيود مجحفة ومنها حرية التعبير والإعلام، والعمل على أن يكون الإعلام العمومي إعلاما للمجتمع وللمواطن ومستقل في قراره وفي تدبيره عن أية جهة.
2. تدبير التركة الاجتماعية والاقتصادية: من خلال العمل من خلال التشريعات والإجراءات المصاحية لها على إرساء المنافسة الاقتصادية الشريفة والنزيهة، ثم توجيه السياسات العمومية نحو الوجهة الاجتماعية المحضة التي تعيد الكرامة للإنسان المغربي وتحقق العدالة الاجتماعية وتعالج بشكل فوري ومستعجل مشكل البطالة والفقر، وتحرص على توفير الخدمات الأساسية في الصحة والسكن اللائق...، وهذه الإجراءات الاستعجالية مرتبطة بتصحيح التصور الذي تتأسس عليها قوانين الميزانية، من تصور يجعل الأولوية للتوازنات المالية والتجارية إلى تصور يكون هاجسه بالأساس التوازنات الاجتماعية المحضة؛
تداعيات تدبير تركة الماضي على الأداء الحكومي والتشريعي لمؤسسات ما بعد انتخابات نونبر 2011
بناء على ما سبق، واعتبارا للوضعية الدستورية الراهنة التي لم تمنح للحكومة وللبرلمان كافة صلاحياتهما التشريعية والرقابية والتنفيذية، ولأن الانتخابات في الحالة المغربية سبقت الديمقراطية وإجراءات الإصلاح السياسي المصاحبة لها، ولأن المطالب الشعبية المعبر عنها منذ تظاهرات 20 فبراير لم تلق الاستجابة المطلوبة نتيجة التعامل الالتفافي و التقسيطي معها، ولأن حجم التركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ثقيل بالنظر إلى تداعيات الانتهاكات الجسيمة للمال العام وللإرادة الشعبية ولحقوق الإنسان، فإن التجربة الانتخابية بالمغرب وما أفرزته من مؤسسات منذرة باشتعال نار المطالب الاجتماعية والسياسية والحقوقية بالمغرب، ذلك أن القرار السياسي الرسمي لا يصنع من داخل الحكومة ولا البرلمان بل في الدوائر المخزنية التي لازالت تمسك بالينابيع الأساسية للقرار السياسي الرسمي سواء على مستوى التقرير في السياسة العامة للبلاد، أو على مستوى اتخاذ القرار بالإفراج السياسي للحريات وإطلاق سراح المعتقلين المظلومين، أو على مستوى تصحيح الترسانة القانونية بما يجعلها مستجيبة للمقتضيات الحقوقية والحريات، وموجهة نحو وجهتها الاجتماعية ومؤسسة للشفافية والمحاسبة.
إن الرهان الأساس سيظل حرارة الشارع المغربي واستمرار توهج الحركية السياسية والاجتماعية التي انطلقت منذ 20 فبراير، ومهما كانت من محاولات تصحيحية من داخل المؤسسات المفرزة بعد الانتخابات للاختلالات العميقة التي تعيشها بنية الدولة بالمغرب، فإنها لن تصل إلى المستوى المنشود لاعتبارات الفروق الواضحة بين تجربة المغرب الانتخابية وبين التجربتين الديمقراطيتين في تونس والمغرب.
كتب يوم الخميس 15 دجنبر 2011 بمكناس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.