امتحان الآخرة فإنه مغاير تماما عن امتحان الدنيا ذلك لأن: 1) فالمراقب فيه هو الله عز وجل الذي لا تخفى عليه خافية، والذي يُحصي على الناس الصغيرة والكبيرة قال تعالى: }وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا{ الكهف: 49. وعن الفضيل أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال : ضجوا والله من الصغائر قبل الكبائر. 2) ومن جهة أخرى فإن الله تعالى زيادة في الضبط وإقامة للحجة قد وكّل علينا مراقبين أشداء هم الملائكة الحفظة الذي قال الله عز وجل عنهم: }إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد{ ( ق) : والمعنى : أنه لطيف يتوصل علمه إلى خطرات النفس وما لا شيء أخفى منه ، وهو أقرب من الإنسان من كل قريب حين يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به ، إيذاناً بأن استحفاظ الملكين أمر هو غني عنه وإنما ذلك لحكمة اقتضت ذلك: وهي ما في كتبة الملكين وحفظهما ، وعرض صحائف العمل يوم يقوم الأشهاد. وعلم العبد بذلك مع علمه بإحاطة الله بعمله. من زيادة لطف له في الانتهاء عن السيئات والرغبة في الحسنات . 3) وإن كابر مكابر ولم يقبل بالنتيجة التي وجدها وأراد شاهدا من نفسه فإن الله تعالى يُنطق جوارجه ينطق الأعضاء التي كان يمشي بها إلى المعاصي قال الله عز وجل: }وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ { فصلت: 21 - 23 4) أما النتيجة أيها الأحباب فهي نهائية لا مجال فيها لدورة استدراكية، فحين يطالب الغافلون بفسحة أخرى يأتيهم الجواب المزلزل: كلا إنها كلمة قال الله تعالى : }حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا{. وقال تعالى: }وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{ المنافقون: 10، 11 تمنى الرجوع بعد الموت لكن هيهات . 5) وأما وقت الامتحان وزمانه فهو محدد سلفا أي أن التلاميذ والطلبة يستدعون له يوما بيوم ...أما امتحان الآخرة فإن الأجل قد يباغتك وأنت لم تستعد للقاء ربك.قال الله تعالى: }حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ{ الأنعام: 44. 6) أما عن نتائج امتحان الدنيا فإنه يطلع عليها فئة محدودة من الناس، ويمكن أن تخفي عنهم الدرجة والميزة...أما امتحان الآخرة فإن النتائج تعلن أمام رؤوس الإشهاد ... قال تعالى: }يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ. فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ{ الحاقة: 18/ 19 .