يشهد النقل السري إقبالا متزايدا من قبل مستعملي مختلف الطرق في مجاليها الحضري والقروي، خاصة في مطلع كل صيف لتزامنه مع العطلة السنوية، وكثرت وحداته بالمراكز الحضرية والقروية كنقط انطلاق لم تستثن منها المدن، لما يسديه من خدمات يعجز النقل المقنن عن توفيرها في حدود الواقع الملموس، ومع ما يشكل ذلك من خطر لافتقاره للضوابط القانونية، إلا أنه بات وسيلة الكثيرين للتوجه إلى وجهاتهم، قضاءا لأغراض مختلفة المآرب، وصلة للأرحام، علاوة على كونه مصدرا للعيش بالنسبة لفئة واسعة من أبناء المجتمع المغربي، في هذا الربورتاج نستطلع نموذجا من واقع هذا القطاع بإقليم الصويرة. القرويون يطورون وسائل نقلهم إلى عهد قريب كان أبناء أقصى الوسط القروي لا يعرفون بديلا عن الدواب لتنقلاتهم اليومية، أما اليوم فقد أصبحت العربات والسيارات الخفيفة والثقيلة وسائل تلبي حاجة المواطن عند رحلاته القصيرة والطويلة، وتسوقهم ونقل أمتعته... إلا أنه لا يبالي إن كانت الوسيلة التي تستعمل للنقل وفقا للقوانين أم كانت خارجه، وليس همه إلا أن تلبي حاجته تخفيفا عن معاناته، هكذا شخص عمر وهو أحد مستعملي المسالك القروية، واقعا أصبح ظاهرة عادية عند المواطن القروي على الخصوص، فكلما ضاق المتنقل ذرعا بالانتظارات، وفضل ربح الوقت وهو في عجلة من أمره، لا ينفك عن المناداة على صاحب ناقلة من ذوي النقل السري ينقله إلى أقصى الحدود التي يبغي الوصول إليها وإن على قمم الجبال، وأردف عمر قائلا أن العائلات القادمة من المدن إلى الأرياف لقضاء أيام العطلة الصيفية برفقة صغار وآباء محملة بأثقال، هي ضمن الأسر التي تجد ضالتها في رفع حصارها بأحد المناطق التي تنعدم فيها رخص النقل لتغطية حاجتها بهذا القطاع، واعتبر النقل السري هو المتنفس الوحيد لفك العزلة عن المتنقلين وتوفير المواصلات والتنقل إلى وجهات مختلفة، ويدخل المحظوظون من المتسوقين بدورهم إلى الأسواق الأسبوعية المنحدرين من مناطق نائية عن المجال الحضري، في الاستفادة من هذا القطاع الذي خلصهم من التنقل على الدواب يقطعون على أظهرها العشرات من الكيلومترات إلى مراكز التسوق، والفضل يعود في نظرهم إلى توفير سيارات النقل السري التي تمر بمحاذاة دورهم بالدواوير التي يقطنونها والمداشر التي ينحدرون منها. ويعتبر العديد ممن التقيناهم أن النقل السري قد حل مشكلة التنقل بالنسبة لشريحة واسعة من قاطنة العالم القروي على اعتبار، حسب التصريحات ذاتها، أن سيارات الأجرة لا تعمل على نقلهم إلى أماكن وجهاتهم، هذا في الوقت الذي صرح فيه صاحب سيارة أجرة بقوله أن من حق المواطن الوصول إلى وجهته بالوسيلة التي يراها مناسبة وإن كانت غير شرعية، مبررا قوله أن ذلك يجري في الحين الذي لا تتوفر له وسيلة نقل قانونية، لا يمكن أن تعبر المسالك غير المعبدة، في الوقت نفسه يشيد بهذه الفئة التي وصفها بالفئة المغامرة، لهشاشة شبكة المسالك ووعورتها أو انعدامها في بعض المناطق المعزولة، مما يجعل مستعملي النقل السري معرضين هم وزبناؤهم لمخاطر محدقة. المخالفات لا يخلو ميدان النقل السري حسب علي من مخاطر، ووفقا لما عاينه خلال تجربته الطويلة في هذا النوع من النقل، قال إن مستعملي السيارات لنقل الأشخاص سرا يعرضون زبناءهم لمخاطر محدقة بسبب اهتراء السيارات التي تعرف حالة ميكانيكية متدهورة، وهياكل أكل عليها الدهر وشرب، ويضيف علي أن الأكثر خطرا حينما يصعد هذا النوع من السيارات إلى سطوح الجبال الغابوية، ذات منعرجات خطيرة صعودا وهبوطا، محملة بعدد كبير من الأشخاص والبضائع، وحتى الحيوانات في بعض الحالات، وأضاف أن حالة رآها رأي العين ذهب ضحيتها أحد الأشخاص العامل في الصيد البحري التقليدي، الذي أصيب بكسور على مستوى ركبته وغضروفه، عند سقوط سيارة في منعرج بإحدى جبال حاحا، والطامة الكبرى يضيف حسن أن صاحب السيارة وعد الضحية بتتبع علاجه من نفقاته الخاصة مشترطا عليه أن لا يصرح بالحادث لدى المسؤولين، وأردف حسن قائلا أن صاحب السيارة أخلف وعده وتملص من التزامه تاركا ضحيته يجوب المستشفيات لسنتين كاملتين، ولم يحظ بتعويض يجبر كسره، فضلا عن إصابته بالعرج إلى حدود اللحظة. ومن جانبه صرح لنا عبد الرحمان بقوله أن بعض مستعملي النقل السري لا يتوفرون على أوراق سياراتهم، ولعل دافع صاحب الضحية الذي أشرنا إليه يقول عبد الرحمان هو التملص من المساءلة الجنائية التي قد يتعرض لها لعدم توفره على الأوراق المعتمدة للجولان واستعمال الطرقات ونقل الأشخاص. عبد الله في الأربعين وهو سائق لسيارة رونو 18 العائلية لم ينكر عدم توفره على أوراق سيارته، مبررا فعله بقوله أنه لاحظ غض الطرف عنه ولم يخضع للمساءلة عن أوراق السيارة من قبيل أي من المسؤولين لفترات طويلة، مما دفع به إلى توفير هذه المبالغ لفائدته، مبرزا أنه يستغل هذه الظرفية لتوفير ما أمكن من مدخول يروج به الحركة الاقتصادية لديه. النقل السري مهنة من لا مهنة له تعيش أسر وعائلات على عائدات النقل السري، وحسب تصريحات مشتغلين في هذا الميدان، فإنه المصدر الوحيد لكثير منهم، وفيما إذا توقف عن هذا العمل تتوقف عنده الحياة يقول محمد، مضيفا أنه اشتغل في ميدان النقل السري منذ حوالي اثنين وعشرين سنة، متنقلا بين تراب جماعته وبعض الجماعات المجاورة، ويعتبر شغله هذا مصدرا وحيدا يعيل بمداخيله أسرة تتكون من 11 فردا بما في ذلك والدته المسنة، واستطرد محمد بالقول أن المطاف قد استقر به بنقل المواطنين من ساكنة جماعته صوب وجهات مختلفة من منطقته، لا سيما بعد أن توفرت طريق معبدة بمنطقة حركته لا تعرض سيارته للاهتراء بالسرعة التي تتعرض لها وهي تعبر المسالك الوعرة بالجبال. حالة تتكرر لدى عدد كبير من العاملين في ميدان النقل السري، إلا أنه لا بديل، فكل المعبرين عن وجهات نظرهم وأحوالهم لا يحسنون أية صنعة غير السياقة، ولا يتوفرون على أية وثيقة تثبت أي تخصص لديهم إلا من رخصة السياقة التي اعتمدوها بغية توفير لقمة العيش، ومن أجل الخروج من المحن العصيبة بحثا عن عمل لدى أرباب الشاحنات وباقي الناقلات في إطاره القانوني، برر محمد انتماءه لميدان النقل السري بقوله؛ أن عمله تحت إمرة من هذا القبيل لا تدر عليه دخلا معتبرا يعيش عليه عيشة كريمة، ويكلفه الابتعاد عن أسرته مغتربا عبر أقاليم المملكة، إلى جانب الاستقلالية في عمله، معبرا عن شعوره بالارتياح وهو مستقل عن أية تبعات من أي كان، متحملا المشاق وإن كان العمل في مجال النقل السري يولد لديه لحظات عصيبة ويعيش بسببها في دوامة من القلق. المجازون يقتحمون الميدان بالموازاة مع ذلك، وغير بعيد عن فئة قديمة قضت ريعان شبابها في عمل لا ضوابط قانونية له، وقبل مجيء عدد من الشباب العاطل إلى هذا الميدان لتغطية الطلب المتزايد على هذا النوع من النقل، لم يتردد شباب ذوي الكفاءات العلمية من ولوج سوق الشغل من قبيل النقل السري، فوجد الشباب نفسه منخرطا في هذا العمل بدافع الحاجة ليس إلا، حسن، ورث شغله هذا عن والده الذي شارف على السبعين من عمره، وهما يمارسان النقل السري معا، إلى حدود اليوم، يقول حسن أن والده وجد نفسه في ميدان النقل السري منذ السبعينات من القرن الماضي، ينقل الأشخاص والبضائع إلى مختلف الدواوير بجماعات مختلفة، ويستطرد حسن بالقول أنه لا خيار له أمام تعقيدات الحياة خاصة بالعالم القروي الذي استقر به، فقرر جازما أن يشتغل لضمان دخل قار وإلا فإنه سيتخلف عن قطار الحياة، والانتظار لا يجدي شيئا، وببشاشة قال حسن أنه وجد لدى والده قبولا حسنا باقتراح ولوجه هذا الميدان، فاقتنى له سيارة من نوع بوجو عائلية وشرع في شغله تاركا ماضي الأحلام التي قال عنها أنها لن تتحقق، وقضى حسن اليوم بهذه الحرفة قرابة 15 سنة ويعيل أسرة إلى جانب والده الذي يجمعه به سكن موحد ونفقات مشتركة، ونسي البحث عن وظيفة لتقدمه في السن وهو يشارف الأربعين من العمر. شكاوى أرباب سيارات الأجرة مع تفاقم ما بات يعرف بظاهرة النقل السري، وما اعتبره أرباب سيارات الأجرة من الصنف الكبير منافسة غير قانونية في قطاع النقل، يمارسها من يسمون بالخطافة ينطلقون من مراكز عديدة، ترتفع أصوات السائقين من ذوي سيارات الأجرة، منددين بالنشاط السري الذي تجاوز الحدود حسب ما أفادوا به، فوجدوا أنفسهم مدفوعين برفع شكاياتهم إلى الجهات المسؤولة للحد من نشاط أرباب النقل السري، وبدورها تتحرك النقابات منددة بأصحاب هذا القطاع، وقال أصحاب سيارات الأجرة في تصريحات متفرقة إن هذا النشاط يهدد مصدر رزقهم ويعرضهم للإفلاس إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فيما ذهب متتبعون لواقع المواصلات وتنقلات الأشخاص بهذا الوسط إلى ضرورة تنظيم قطاع، لنقل الأشخاص بديلا عن النقل السري يفي بالأغراض المختلفة، وإخضاعه لتشريعات تقننه وتهيكله لحاجة الناس إليه، وفي هذا الصدد دعا متتبع إلى ضرورة تدخل السلطات المختصة لمراعاة الحياة الاجتماعية والاقتصادية لمهنيي هذا القطاع، بدءا بإحداث قوانين تنظمه وتحسن جودة فاعليته، وانتهاءا بخضوع ممتهنيه إلى ضوابط وقوانين تشريعية تستن لهذا الغرض، لا سيما وأن أبناء العالم القروي ينشدون فك العزلة عنهم، تلبية لحاجياتهم اليومية من تعليم وتطبيب وتسوق...ويبقى النقل السري واقعا يمارس علنا، ومحاربته مغامرة، وتنظيمه مطمع اجتماعي واقتصادي، لكنه معاناة لا نهاية لها، أما إيجاد بديل عنه فغاية ترجى.