إقبال كبير ذلك الذي شهدته المساجد في السنوات الأخيرة. تحتل النساء -إلى جانب الشباب- صدارة عمار بيوت الله رغم صغر المساحات المخصصة لهن، سواء في صلوات الجمعة أو صلوات التراويح في شهر رمضان.. تستعيد المرأة زمام المبادرة برحلة جديدة إلى الله تعبدا وتعلما وتفقها، وتجتاز المتاريس والعقبات المنصوبة في طريقها، لتصدق أمير شعراء العرب في هذا العصر وهو يقول: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق «الربورتاج» التالي يكشف عن جوانب من عودة النساء إلى المساجد وحاجتهن إلى تزكية الروح بالعبادة والذكر، وتزكية القلب بالعلم والفقه. بداية الرحلة الله أكبر، الله أكبر...يتعالى النداء من مآذن المدينة عبر تناغم جميل في نسق واحد وآن واحد، دلالة قوية على وجود إله واحد هو الساكن في قلوب المتعطشين، والمحرك لوجدان المتلهفين. فالله أكبر كبيرا والحمد لله بكرة وأصيلا. يأتون من كل الأزقة والفِجاج، ترى أبواب البيوت تفتح قبل المسجد فتنفتح معها أبواب الخيرات والبركات، يتوافد المصلون شيبا وشبابا وأطفالا، نساء ورجالا، فأما الرجال فلا قبل لها بهم، وأما النساء فإنها سلكت مع زمرتهن بخطاها إلى «مسجد الموحدين» –مسجد الحي- بتابريكت سلا، وفي صدرها تختلج نية أداء صلاة الجمعة المباركة، ولسانها يردد اللهم....أعظم لي نورا. رفعت ناظرها إلى الصومعة الشامخة بعلو الإسلام وشموخه، صومعة يتخللها اللون الأخضر، هذا اللون الذي لطالما كان ذا دلالة قوية لدى المغاربة ارتباطا بالمساجد. خاص بالنساء.. في الجهة اليمنى من المسجد باب سمته الطول كتب عليه»خاص بالنساء» وهو مقصدها. ولجته وبدأت تعتلي درجاته لتصل إليه، لأنه يوجد بالطابق العلوي. ها هن النساء المصليات مابين راكعة وساجدة وجالسة تمسك بين أناملها مصحفا أو مسبحة، لا تسمع منهن إلا همسات خافتة توصلهن إلى السموات وربها مناجاة أو دعاء. أدت تحية الإسلام وأعقبتها بتحية المسجد وجلست على حصير من البلاستيك فلا زرابي هنا، هو مكان طويل بطول المسجد لكن عرضه لا يتجاوز الثلاثة صفوف. يحده جدار فيه من الفجوات السداسية الشكل ما يمكننا من رؤية الصفوف الأمامية للرجال وكذا المحراب والمنبر. أما الجدران فعلقت عليها سبورتان لابد أنهما من أجل دروس محو الأمية، وإعلانات هنا وهناك: أدعية دخول المسجد، وأذكار ما بعد الصلاة، وإعلان عن دروس الوعظ المقامة مرة في الأسبوع وأما المكتبة فتحوي العديد من المصاحف المخطوطة بالخط المغربي لرواية ورش عن نافع. داخل المسجد.. الله أكبر، الله أكبر....صدح صوت المأموم وأتبعه بحديث « ...ومن لغا فلا جمعة له»، وبعد حين اعتلى الإمام المنبر وبدأ بإلقاء خطبته. فساد المكان سكون فيه رهبة تنطق باسم السكينة التي اعترت الصدور، وصمت فيه رغبة تقول: هذا كلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لنستمع ونتدبر ونتفكر عسى أن ينفعنا دنيا وآخرة... أدينا صلاة الجمعة، وما إن سلمنا ثم دعونا وابتهلنا وأمنا على دعاء الإمام حتى امتدت الأيادي إلي من كل صوب تصافح وتدعو بالقبول، تفرست في هاذي الوجوه فإذا هي من كل الأعمار، طاعنات في السن وأخريات كهلات وشابات وطفلات صغيرات فحمدت الله تعالى أن أنعم علينا بالإسلام دينا.حديث حميمي ذاك الذي يجمع النساء بعد الصلاة، تصافح بالأيدي وسؤال عن الأهل والأبناء، هو حب يشع من بين الأضلاع في مكان لا يمكن للإنسان فيه إلا أن يغمر حبا، بعيدا عن ضوضاء الدنيا ومشاكلها، فهنا سكينة وحب وبحث في جنبات هذا المسجد عن الرحمة والمغفرة والتيسير والتوفيق.