علاقة المرأة بالمسجد هي علاقة من نوع خاص، تختلف عن تلك العلاقة التي تربط الرجل بالمسجد، فالمسجد بالنسبة للمرأة له طبيعته النفسية المريحة وله أثره التربوي الواضح على رواده، وخاصة فئة النساء. لقد تطور حضورهن لأداء الصلوات بالمسجد، ولسماع الدروس الدينية أو الفقهية أو تعلم أحكام التجويد أو للتحفيظ..، وهو مشهد يرتجى منه، ليس زيادة الوعي الديني فحسب، بل زيادة الوعي الثقافي والاجتماعي بما ينعكس على حياتهن بشكل إيجابي. لكن تلك الركعات التي يتوق المصلون لأدائها في جو صاف، قد تحيلها بعض التجاوزات التي تصدر عن بعض رواد المسجد من النساء، إلى حركات تعوق استشعار السكينة في المسجد، وتفقد بيت الله هيبته وهدوءه المعتاد، بما يسبب إزعاجا وتشويشا على المصلين. تجاوزات.. تعيق أداء الصلاة صخب يعلو هناك، ضجيج وبكاء أطفال يسود الأفق، وصوت خافت يتسلل إلى مسامع إمام المسجد وهو يتلو آيات القرآن ...ضوضاء وجلبة ناتجة عن كثرة الأحاديث بين النساء في المسجد..، معاتبات لا تنتهي وخلافات حول أماكن الصلاة قد تصل في كثير من الأحيان إلى مشاجرة..هذه بعض من المشاهد التي أصبحت تؤثث فضاء مساجد النساء، في ظل الإقبال الكبير المسجل في صفوفهن على بيوت الله. فمن النساء من تجلب أطفالها للمسجد، ولا تكترث لما يصدر منهم من إزعاج من بكاء وصراخ، ومنهن من تصادف زميلاتها أو جاراتها فينخرطن في دردشات لا تنتهي، ومنهن من تقوم بافتعال المشاكل بحجة أن أخرى قامت مقامها في الصلاة و أنه مكانها المخصص و المعتاد أن تقوم بالصلاة فيه، ومنهن من تتغاضى عن ما يثير المشاكل داخل المسجد، وبمجرد انتهاء الصلاة ينقلن شجارهن خارج المسجد، وكأنهن لم يكن داخل بيت الله. بل منهن من تقوم بقراءة القرآن بصوت عال جهرا، بحجة أنه كلام الله ولا حرج في ذلك، لكنها لا تراعي من هي قائمة تصلي أو تلك التي تجلس على يمينها أو شمالها... بل إن بعض النساء يأتين بقارورات والقيام بالتوزيع علي باقي المصليات أثناء الاستراحة بين الركعات وأثناء خطبة الجمعة... هذه بعض من السلبيات كشفت عنها المصليات أنفسهن داخل عدد من المساجد المشهورة، وإن كانت تسجل جهودا إيجابية في التقليل من مثل هذه التجاوزات في كثير من مساجد النساء بفضل بعض القائمات على تدبير شؤونها. اللواتي يحرصن على أن يدللن كل السبل التي تساعد على أداء المرأة للصلاة ببيوت الله، بخشوع تام واندماج روحاني لا يعكره ما قد يطرأ على المساجد من أجواء يجلبها بعض المصليات تنقل الآخرين إلى بيئة منافية لما هو متوقع. تجاوزات تحكي مريم (20 سنة) صورة لها، مبدية انزعاجها الشديد من وجود الأطفال الذين يفوق عددهم الكبار، والصخب الذي يرافق محاولة أمهاتهن في إسكاتهم، فلا تسمع الإمام ولا تنتبه معه. ورغم إيمانها بأهمية تعويد الأبناء منذ الصغر على الصلاة فإنها تعترض على إحضار الأطفال ما دون الأربع أو الثلاث سنوات، وتضيف أحيانا ووسط الصلاة نسمع صراخ الأطفال أو لعبهم في باحة المسجد، وهذا لا يجوز، فمن يرغب بإحضار ابنه يجب أن يكون في سن يستوعب أو يقبل الالتزام والوقوف مع المصلين أو يجلس هادئا. بدورها تؤكد فاطمة (أستاذة) على السلبيات التي ترافق صلاة النساء بالمساجد، مبينة أن الحل لذلك يتمثل في وضع البنات الصغيرات في الصفوف الأخيرة حتى لا يشوشن على المصليات، وإرشاد وتوعية النساء بالآداب المفروض التحلي بها في بيت الله، وليس منعهن من دخول المسجد، لأن صلاة الجماعة أفضل، ففي البيت ربما يتكاسلن عن أدائها.فيما تقول عائشة (ربة بيت) وعلامات الانزعاج تبدو عليها :أحب الذهاب للمسجد والصلاة فيه، ولكني لا أرتاح هناك حيث إن بعض النساء يحضرن أولادهن وبناتهن فلا نسمع الإمام الذي يبدأ الصلاة بسبب أصواتهم المرتفعة. المسجد للعبادة ويشدد علماء الدين على أن ذهاب النساء إلى المسجد لفوائد ترجى، مثل سماع موعظة دينية، أو درس من دروس العلم، أو سماع القرآن من قارئ خاشع مجيد، فيكون الذهاب إلى المسجد بحسبهم لهذه الغاية أفضل وأولى ، موضحين أن كثيرا من النساء إذا بقين في بيوتهن لا يجدن الرغبة أو العزيمة التي تعينهن على أداء صلاة التراويح منفردات، بخلاف ذلك في المسجد والجماعة. لكن ينبغي لمن أرادت الذهاب للمسجد أن تستحضر أنه مكان عبادة يجب الالتزام بآداب زيارته ، ذلك أنه على المتعبد أن يتأدب بآداب المجلس، فلا يتكلم كثيرا ولا يحدث غيره ويقضي وقته بالطاعة والذكر. لأنهن إنما ذهبن للمسجد ليحصلن على الأجر والثواب لا الوزر والعقاب، فينبغي عليهن الابتعاد عن السباب والقذف واللعن. فكما يتبع كل صلاة دعوة خاشعة أو سجدة نوافل أو تلاوة من آيات الله البينات، قد يتبع أيضا صلاة البعض بعض المواقف التي قد تفقده أجر ما عمل من ثواب وما أبلاه من بلاء حسن داخل المسجد في حال لم يلتزم بآداب المسجد. ويبين الفقهاء أن حديث النساء في المساجد-كمثيله حديث الرجال- لا يجوز أن يرتفع الصوت به لغير حاجة، خاصة الدنيوي منه، فلم تجعل المساجد لهذا، إنما جعلت للعبادة أو العلم، داعين إلى الحرص على الصمت في بيت الله، حتى لا يشوش على المصلين، فإذا كانت الحاجة إلى الكلام، فليكن ذلك بصوت خافت وبقدر الحاجة. فالمساجد بيوت الله تعالى، وهي أحب البقاع إلى الله لأنها بنيت لعبادة الله تعالى، ومن أحب الله تعالى أحب بيوته، وأكثر من زيارته لها، فقال الله تعالى: {وأَن المساجد لِلَه فَلَا تدعوا مع اللَّه أَحدا} ومن هنا كان لهذه المساجد حرمة عند الله تعالى ولها آداب يجب على المسلم أن يلتزم بها، ومما يأسف له الإنسان أن يجد تقصيرا كبيرا عند البعض بحقوق المساجد، وحقوق المصلين فيها فيشكل البعض مصدرا للإيذاء والإزعاج لكثير من عباد الله القاصدين لهذه المساجد. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اعتكف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقرآن فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، أو قال في الصلاة حضور مشروع ولكن... وفيما يتعلق بمسألة إحضار الأطفال إلى المسجد، يفيد الفقهاء بأنه أمر في أصله مشروع، كما دلت على ذلك الأدلة الصحيحة، لما في إحضارهم إلى المسجد من فوائد كثيرة، ولكن التأكيد كل التأكيد منهم على أنه ينبغي للآباء أن يحوطوهم بالعناية والإرشاد، لكي لا يكونوا سببا في التشويش على المصلين، وأما إذا كانوا سببا للتشويش على المصلين والعبث بالمسجد وممتلكاته وكانوا مع ذلك لا يأتمرون بأمر، ولا ينتهون عن نهي، فلا يجوز إحضارهم إلى المسجد حينئذ، لما يترتب على إحضارهم من هذه المفاسد. موقف الأئمة وعن موقف بعض أئمة المساجد من تلك التجاوزات ومعرفة دورهن في التحكم فيها و الحد منها، أكد من اتصلنا بهم، على أن دور إمام المسجد ينحصر في توجيه النساء بمخالفة تلك التصرفات لآداب المسجد، وتنبيهن من خلال النداء عبر الميكروفونات إلى عدم أصطحاب الأطفال الرضع لأنه يثير الجلبة ويصرف المصلين عن أداء الفرائض والسنن ولا يليق بوقار المسجد. وقد يتطلب الأمر إلى تدخل حارس المسجد لفض أي اشتباك بين السيدات المترددات علي المسجد. في حين يشير بعضهم إلى أنه إذا تعرض المصلون اثناء الصلاة لمشادة او مشاجرة، فإن الصمت هو أول الاختيارات.