يربط الأستاذ محمد الشركي اخناشر صلاح الجماعة بصلاح أفرادها، مبينا أن الدعوة التي تؤتي ثمارها لا تكون إلا من صالح مصلح، وهي السبيل للتمكين الذي وعد الله عباده الصالحين. من قال أنا مسلم، فلا يكون إلا مصلحا وداعيا للإصلاح، فانتسابه للإسلام، واعتقاده الإيماني يلزمه أن يكون مصلحا ومن المصلحين، وداعيا من الدعاة إلى الله وإلى كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهو المسلم فردا وجماعة ومن ثم المجتمع الإسلامي كله جماعة إصلاحية، فالإسلام جاء لإصلاح العقيدة وإصلاح العقل، فالعقيدة تصلح بالإيمان والإسلام قلبا وتنفيذا والعقل يصلح بالعلم والمعرفة. فالإسلام رسالة تهم الشخصية الإنسانية في مجموعها، وليس جانبا من جوانبها فقط، ومن ثم كان القلب والعقل أجهزتها الرئيسية، فالقلب يصحو ويصلح بالإيمان بالله عز وجل، والعقل يعقل بالعلم والمعرفة. ورسالة الإسلام رسالة عينية ملزمة لكل فرد، وليست فرض كفاية، إذا مارسها البعض سقطت عن الباقي، فالقرآن يبين لكل فرد عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأمر مسؤولية فردية، قال تعالى (أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) والتابع مرتبط بالمتبوع، وإذا كان الأمر إلى الأول فإنه يلزم الثاني، وقال سبحانه (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة). والدعوة مرتبطة بالإصلاح، ولا تكون دعوة إلا إذا كانت من مصلح في أقواله وأفعاله، بل صالحا في نيته وضميره، ولذلك كان شرط الإحسان سابقا وبرهانا على سلامة الداعي شخصية وقولا وسلامة الإصلاح الذي يدعو إليه، قال الله تعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين). وتشجيعا للدعوة والإصلاح، وتبني تلك الدعوة والإصلاح أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله العظيم أن توصيل تلك الدعوة التي تعتبر إسهاما في هداية الشخص إلى الإسلام والإيمان هي خير من الدنيا وما فيها، فقال عليه الصلاة والسلام في حديث متفق عليه (فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم). وإن الأمانة الفردية والجماعية في الدعوة إلى الله وإلى الإصلاح لتحمل كل واحد تبعات تكتسي صبغة فردية، كما تكتسي صبغة جماعية، لتصبح مهمة المجموع، ومسؤولية المجموع دعوة وإصلاحا ومن ثم تتأكد مسؤولية الأمة في انتساب مسؤوليتها لكل فرد فيها ليدخل كل واحد أو يخرج من صفة خير الأمة التي أخرجت للناس، فإيمانها المجموع من إيمان كل فرد، وبصلاحها المنطلق من صلاح كل إنسان فيها. قال الله عز وجل في شأنها (كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف) صالحين تدعون إلى الإصلاح وتنهون عن المنكر تبتعدون عن الفساد وتنهون عنه وتومنون بالله توحدونه وتعبدونه وتطيعونه . وبذلك اندرج العمل عمل المسلم فردا والمسلمين جماعة في مهمة موحدة هي ما حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه: (بلغوا عني ولو آية). وفي قوله: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) والمجتمع في إطار وحدة نظامية وحكم موحد له كل السلطات التقريرية والتنفيذية يعتبر مسؤولا وله القدرة على تحقيق رسالة ربه بين أهله وذويه، وهو في هذه الحالة يعيش نعمة ربه، نعمة القدرة على تحقيق الرسالة الإسلامية والدعوة الإصلاحية، فهذا التمكن في التقرير والتنفيذ هو فرصة ونعمة ليقوم أفراد المجتمع أفرادا وجماعات لتحقيق رسالة الإسلام كما أرادها الله عز وجل وحققها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. والله عز وجل هو الذي مكن لهذا المجتمع هذه النعمة لينظر كيف يعمل كل فرد وكيف يعمل كمجتمع، قال الله تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور). وهم في إطار هذا التعايش الإيماني بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله، والإصلاح بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر تشملهم رحمة الله عز وجل، قال الله تعالى: (والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إنه عزيز حكيم). فهل لنا من دور أفرادا وجماعات ومجتمع في هذا المجال للحفاظ على نعمة التمكين؟ وإلا فقول الله عز وجل ثابت وقائم وعلينا فهمه وإدراكه: (إن الله لم يكن مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). محمد سعيد الشركي اخناشر