ألقى الدكتور محمد عز الدين توفيق كلمة مؤثرة في اليوم الدراسي الذي عقده فريق العدالة والتنمية يوم الخميس الماضي. كلمة ارتعش لها الحاضرون وتفاعلوا معها حتى النهاية. وقد ركز الرجل، وهو عضو بالمكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح وأستاذ جامعي بالدار البيضاء وخطيب بارز بها، على الجوانب التريوية والاجتماعية والشرعية في حياة البرلمانيين. ودعاهم إلى اليقظة النفسية والقلبية في التزامهم وأدائهم، كما حدد المنكرات الواجب مواجهتها وهي منكرات الانتخابات والبرلمان والمجتمع. وأشاد بالمكلفين أن يكونوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا وأقومها هديا وأحسنها حالا، وأنهم أحوج من غيرهم أن يتحلوا صفة طالب العلم الذي يستزيد من العلم بهذه المسؤولية. ودعا لهم بالنجاح والتوفيق في مهمتهم الثقيلة. وهذا نص كلمته كاملة ننشرها لفائدتها الكبيرة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد معشر الإخوة الكرام والأخوات الكريمات إن الله سبحانه وتعالى اختاركم لتكونوا في المكان الذي أنتم فيه الآن نوابا على هذا الشعب ممثلين له في مجلس كأنه مغرب صغير اجتمعت فيه الأطياف السياسية المختلفة والمستويات التعليمية المتباينة والوظائف والمهن المتنوعة. وعندما نستعرض مسيرتنا في المشاركة السياسية نرى أن نتائج الحزب في هذه الانتخابات توافق ما كنا نرجو ونأمل مما يؤكد أن الله تعالى يرعى بعنايته هذه المشاركة ويختار لها ما فيه الخير في كل محطة وهو ما يطوقنا بمسؤولية كبيرة وأمانة ثقيلة، فهذه المكاسب ليست لنا ولكنها ملك لدعوة الله تعالى ورصيد للإسلام في هذا البلد. إن ما نبتغيه ويبتغيه كل مسلم في هذه الدنيا الفانية أن تكون أعماله خالصة وصالحة، وإن الإطار الذي يؤطر مشاركتنا في العمل السياسي عامة وفي الانتخابات خاصة هو إقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل على إصلاح أحوال الأمة بتعاليم الدين ومن خلال مجال خطير هو العمل السياسي، وعندما ننظر إلى المنكرات التي تنتظر منا المساهمة في تغييرنا بهذا النوع من العمل الإسلامي نجدها ثلاثة أنواع:
النوع الأول: منكرات الانتخابات: مثل بيع التزكيات والتهافت على الترشيحات واستعمال الرشوة لكسب الأصوات والدعاية الانتخابية بما هو حرام وتوزيع الدعوة الكاذبة مع العلم المسبق بالعجز عن الوفاء بها وقد بذلتم بحمد الله تعالى جهدا في تغيير هذه المنكرات بالقول والفعل. النوع الثاني: منكرات البرلمان: ولعل أعظمها أن يشرع من القوانين ما يخالف دين الإسلام ويتبنى من الاقتراحات ما يصادم الشريعة الإسلامية ويتبع هذه المنكر الأكبر منكرات أخرى كثيرة منها الغياب الكثير والاستهانة بالمهمة والانصراف للمصالح الخاصة وتسخير الامتيازات المخولة للنائب دون أن يقابل ذلك وفاء بالواجبات أو تقيد بشروط تلك الامتيازات ومن منكرات البرلمان تقديم المصلحة الحزبية على المصلحة العامة وحب الظهور والزعامة وازدواجية القول والفعل وغيرها. قد بذل الفريق السابق جهدا مشكورا في تغيير ما استطاع من هذه المنكرات بدءا بتأخير الصلاة عن وقتها وانتهاء بمشاريع القوانين المخالفة للشرع الحنيف وإنكم مدعوون لمواصلة هذه المهمة بعون الله. النوع الثالث: منكرات المجتمع: ومنها منكرات التلفاز ومنكرات الشواطئ ومنكرات الفنادق ومنكرات الصحف والمجلات ومنكرات الأسواق والشوارع ومنكرات المواسم والأضرحة ومنكرات المصالح والإدارات ومنكرات المحاكم والسجون ومنكرات المنازل والبيوت ومنكرات الأعراس ومنكرات المقابر ومنكرات أخرى كثيرة هذه المنكرات إما أن تكون وراءها قوانين تحميها فيكون أمامنا تغيير المنكر المكتوب ليتغير المنكر المفعول وإما أن تكون القوانين ضدها تجرمها وتعاقب عليها فيكون علينا تفعيل تلك القوانين بالتعريف بها والمطالبة بالأخذ بها وتطبيقها... وإنكم لتتحملون مع بقية نواب الأمة أمانة تغيير كل قانون يحمي المنكر البين ويعطيه الشرعية أو يهون من أمره ويغض الطرف عنه تغيير هذه الأنواع الثلاثة من المنكرات ليست من مسؤوليتكم وحدكم فهي مسؤولية الجميع وعليكم من موقعكم أن تساهموا بما تستطيعون، وبهذا وحده نكون خير أمة أخرجت للناس وبدونه لا يكون فينا خير ونكون من شرار الناس وكما توجد في مجتمعنا هذه الأنواع من المنكر توجد فيه أنواع من المعروف والخير تحتاج إلى حماية ودفاع ومساندة والجمع بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من الشهادة على الناس حتى يبقى المعروف معروفا والمنكر منكرا وقد جاء في وصف رسولنا صلى الله عليه وسلم: «إنه كان يحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه. معتدل الأمر غير مختلق» وشرعنا قائم على جلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها. أيها الإخوة والأخوات إن الناس يتطلعون إلى الإسلام الذي ستنصرون وتنشرون فليكن الإسلام الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا وأقومها هديا وأحسنها حالا، اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فهم القدوة بعده صلى الله عليه وسلم ويأتي بعدهم من كان من آثارهم من سلف الأمة الماضين والأئمة المتبوعين الإسلام كما رضيه الله لعباده دينا قيما واضحا وسطا ليس فيه غلو المفْرطين ولا ترخص المفَرطين (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) الإسلام الموافق للفطرة كما خلقها الله تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الإسلام الذي نزل لإسعاد الإنسان في الدنيا والآخرة، وجاء ليرفع الحرج عن الأمة دون أن يجاري الأهواء أو يجامل الشهوات. الإسلام الذي يسمو بالروح دون أن يهمل مطالب الجسد الإسلام الذي يجمع الأصالة والمعاصرة ومصلحة الفرد والمجتمع الإسلام الذي يجمع ولا يفرق ويؤلف ولا يشتت الإسلام الذي يغلب العفو على العقوبة والرحمة على الغضب الإسلام الذي لا يعرفه على وجهه عاقل إلا رضيه دينا، وانحاز إلى شريعته واستظل بأحكامه. الإسلام المحجة البيضاء والصراط المستقيم والسبيل المضيء بالليل والنهار لا يزيغ عنه إلا هالك ولا يحرمه إلا محروم.
أيها الإخوة والأخوات إن الانتخابات انتدبتكم للقيام للقيام بمهمة لا شروط لها ولا مدتها مثلها مثل المهام والوظائف الأخرى وإن الإسلام شرط لكل مهمة شرطين هما القوة والأمانة، فأما الأمانة فهي شيء واحد لا يختلف من مهمة لأخرى لأنها ترجع إلى خوف الله وخشيته وأما القوة فتختلف حسب المهمة فالقوة المطلوبة في الخليفة غير المطلوبة في القاضي وقائد الجيش والطبيب والمدرس والتاجر والفلاح وراعي الغنم.. فينظر في المهمة ليعرف ما تحتاجه القوة فيها من العلم النظري والخبرة العلمية. لأن العلم بأي مسؤولية شرط في حفظها كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) وبهذا فإنكم أحوج من غيركم أن تتحلوا صفة طالب العلم الذي يستزيد من العلم بهذه المسؤولية. وتحتاجون خاصة إلى التفقه في الإسلام الذين تدينون به وتدافعون عنه إلى استيعاب مهام النائب كما ينص عليها الدستور والقانون الداخلي للمجلس وتحتاجون إلى استيعاب البرنامج الانتخابي للحزب لأن به نجحتم وهو العهد الذي بينكم وبين الشعب الذي اختاركم. أيها الإخوة والأخوات إن أعمالنا التي تكتب لنا أو علينا نوعان، نوع يمكتب ونحن أحياء ونوع يكتب ونحن أموات (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) فقدموا في فترة نيابتكم ما يسركم في حياتكم وبعد مماتكم واذكروا لقاء الله وحسابه ولا تتركوا هذه البهارج تفتنكم فإني أحسب أنكم بلغتم من العمر ومن الخبرة في الحياة ما يجعلكم تترفعون عما يقع فيه بعض الغافلين الذين تضخمت مطالبهم الدنيوية وأحاطت بهم الآمال من كل جانب فشغلتهم عما ينتظرهم.
أيها الإخوة والأخوات قال النبي صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» ووظيفتكم هذه تجعلكم أوفر الأمة حظا في النصح للأئمة والعامة على السواء. النصح للأئمة بما توجهون من أسئلة شفوية ومكتوبة وبما توجهون من مذكرات وتحقيقات وما تشاركون به من اقتراحات وما تقومون به من تواصل معهم من خلال مكاتبكم والدوائر ليس فقط للتوسط بينهم وبين المسؤولين بل النصح لهم بما يجعلهم أعزة كراما في بلدهم ووطنهم. ويقابل النصح في السنة المطهرة الغش غش الأئمة وغش العامة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «من غشنا فليس منا» فمن كتم النصيحة أو حرف الحق أو لبسه بالباطل أو نفخ في عصبية أو أيد باطلا أو انتصر لنفس في عمله هذا فقد غش الأمة بأئمها وعامتها، فهي بريئة منه والإسلام بريء منه
أيها الإخوة والأخوات إن هناك علاقة بين استقامة المرء في نفسه وإصلاحه لغيره، ومحال أن يكون المرء فاسدا مصلحا في نفس الوقت، لأن الاستقامة على دين الله تعالى هي التي تجعل صاحبها نافعا للأمة حيث تنتقل استقامته إلى مجال عمله فينفع الله به ويكون بركة على أهله وقومه فلا تظنوا أن حياتكم الخاصة مفصولة عن عملكم في البرلمان أو في الدوائر التي أنتم فيها وتأملوا هذا الحديث القدسي «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي بصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه»
أيها الإخوة والأخوات إن خصوم توجهكم سيقلون الصراع إلى عمل المؤسسة التي دخلتم إليها حتى تفشلوا في عملكم وستكسبون هذه الجولة الثانية بالتقوى والصبر (إن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا) ومهما قلتم بأن الإسلام لا يتحمل مسؤولية أدائكم وعملكم إلا أنكم استندتم إليه وجعلتموه مرجع برنامجكم وهذا الانتساب يطوقكم بمسؤولية لا يرفعها إلا القيام بكل ما هو مقدور ومستطاع لنصرة هذا البرنامج ونصرة الإسلام من خلاله. إن شرعية وجودكم بهذا المجلس مستمدة من القيام برسالتكم وهي رسالة دعوة وإصلاح تشمل زملاءكم بالمجلس وتشمل ناخبيكم وتشمل بلدكم كله بما في ذلك الذين صوتوا على غيركم أو لم يصوتوا بالمرة، بل إن رسالتكم تتجاوز حدود بلدكم لتشمل بقية أقطار المسلمين وجالياتهم في كل مكان، وكما لم تتنازلوا عن شيء من دينكم في مرحلة الترشيح فلا تتنازلوا عن شيء منه في مرحلة الممارسة واعملوا لتكون هذه المؤسسة أحسن حالا مما كانت عليه وأنكم ستبتلون بمخالطة الخلق من جميع الأصناف فتزودا لهذه الخلطة فمن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين خلقه وهذه العدة هي إقامة الصلوات في وقتها والتردد إليها في المشاجد عن السحر للمناجاة والدعاء والصلاة ونحو ذلك. لقد جعلكم الله تعالى في هذا الحزب وجمعكم في هذا الفريق وقبل ذلك جمعك الله تعالى على الإسلام وعلى الدعوة ولهذه الأخوة حقوقها ولهذا الاجتماع حقوقه فخذوا حقوق الأخوة من مثل قوله صلى الله عليه وسلم «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عبادا لله إخوانا كما أمركم المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يحقره ولا يظلمه ولا يكذبه، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه..». وخذوا أخلاق الشورى من مثل قوله تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم ولوكنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يات بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون..) واحذروا من الشح المطاع والهوى المتبع والدنيا المؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فإذا نزلت بساحتكم يستحيل العمل الجماعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فحتى يكون بلدنا مثالا يقتدى به في المغرب العربي وفي العالم العربي كونوا في غاية اليقظة والحذر وإن أمير البلاد صاحب الجلالة أراد أمرا فأعينوه عليه حتى يعلم الخاص والعام أن مشاركة الحركة الإسلامية ليست عامل استقرار فقط بل وإصلاح أيضا، وفكروا من خلال الأمة لا من خلال الحزب وقولوا الحق وارحموا الخلق واستبدلوا بنفسية الصراع نفسية الهداية فوالله لأن يهدي الله بكم رجلا واحدا كان يعادي فكركم وتوجهكم خير لكم مما طلعت عليه الشمس، وافسحوا للأخيار بينكم حتى يفيئوا إليكم ومن حاد الله ورسوله فلا تأخذكم في مواجهته لومة لائم. أخيرا قبل أن تكونوا نوابا عن الأمة كنتم ولا زلتم وستبقون دعاة إلى الله والداعية نائب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنتم نواب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الأخير: ندعو الله تعالى ونقول وكل مسلم يدعو إلى الله فهو أحد خلفائه وورثته. اللهم إنا نسألك من النعمة تمامها ومن العصمة دوامها ومن الرحمة شمولها ومن العافية حصولها ومن العيش أرغده ومن العمر أسعده ومن الإحسان أتمه ومن الإنعام أعمه. اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم اختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى رحمتك مصيرنا ومآلنا واصبب سجال عفوك على ذنوبنا ومن عليها بإصلاح عيوبنا واجعل التقوى زادنا وفي دينك اجتهادنا وإليك توكلنا واعتمادنا وإلى رضوانك معادنا. الله ثبتنا على نهج الاستقامة واحفظنا من موجبات الندامة وخفف عنا ثقل الأوزار وارزقنا عيشة الأبرار واكفنا شر الأشرار واعتق رقابنا من النار. اللهم أرنا الحق خقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ونعوذ بك أن نموت في طلب الدنيا أو يكون أكبر همنا ومبلغ علمنا. ّمحمد عز الدين توفيق