وقفنا في الأسبوع الماضي مع دعاء: الله يرحم الوالدين وهو الدعاء الجميل الواسع الانتشار في المجتمع المغربي والذي يجري على كل لسان، ويرد في أكثر من سياق، ويستعمل في أكثر من مجال...وغير بعيد عنه نود أن نقف قليلا مع دعاء آخر يهم الأبناء وهو قولنا حين نرى أبا أو أما ترافق ولدها أو أولادها : الله يصلح ويرد هذا الدعاء أيضا في المجالس التي يتم فيها ما يسميه بعضنا التعارف مستدلين بالآية الكريمة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا (الحجرات: 13 ) فإذا ذكر الأبناء كان جواب الحاضرين: الله يصلح !! وهذا الدعاء يدل على وعي بأهمية الصلاح وأنه المطلوب في الذرية، وإنما تكون الذرية قرة عين على قدر صلاحها، وهل تقر عين الصالحين والصالحات إلا بالصالحين والصالحات.؟ وفي هذا المعنى ورد دعاء عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (الفرقان: 74 ) و دعاء : الله يصلح إذا تأملناه وجدناه يتضمن رسائل عديدة: فهو تذكير ضمني للوالدين بأن يهتموا بصلاح ذريتهم، وهو التكليف العام الذي ترشد إليه نصوص قرآنية كثيرة لعل من أجمعها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً (التحريم: 6 ) وهو ذات الأمر الذي جاء مفصلا في توجيهات كثيرة لعل من اجمعها الوصايا الواردة في سورة لقمان. وهذا الدعاء قد يكون أيضا فتحا لباب الأمل مما يعانيه الوالدان مع أبنائهم، ففيه تذكير بأن الصلاح نطلبه جميعا، ولكن لا نستطيع منحه لمن نحب إلا بتوفيق من الله تعالى ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (القصص: 56 ) وهذا الدعاء تأطير ضمني للولد المدعو له، بان صلاحه مطلب اجتماعي. فيدعم هذا الدعاء ما يطلبه الوالدان من أبنائهم من الصلاح، ومن الناس من لا يزال يذكر كيف أن الدعاء له بالصلاح كان عنده أشبه ما يكون بالسياج الاجتماعي. وهذا الدعاء إقرار من الداعي بأن صلاح الذرية هو من اهتماماته وإن لم يكن أبا و لا أما. وهذا هو الباعث على هذا الدعاء، والذي قد يتحول إلى مبادرات أخرى نصحا أو تأديبا أو تبليغا... ذلك لأن الدعاء بالصلاح، الأصل فيه، أن يكون ترجمة لرغبة في الصلاح والإصلاح على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع. والصلاح والإصلاح لا يكتفى فيه بالدعاء، بل لابد من الأخذ فيه بالأسباب التي أرشدت إليها الشريعة الإسلامية ومن ذلك: أولا صلاح الوالدين،والأمر لا يقتصر على اختيار الزوج أو الزوجة، ذلك لأن العبرة إنما هي بالصلاح المستمر والمعمر... وذلك مطلوب قبل الزواج وعنده وبعده وهو مرحب به متى تحقق، وإنما العبرة بالخواتيم وفي الآية : وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ثانيا العمل التربوي على مستوى الأسر وهو الذي أرشدت إليه كما سبق آيات قرآنية وأحاديث كثيرة ويشمل ذلك تحصين المعتقد، وغرس العبادات ،وإشاعة القيم . وإذا أخذنا الصلاة مثالا فقد أمر الله بها في قوله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا (طه: 132 ) ومدح من يأمر بها: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ (مريم: 55 ) . ثالثا عدم تقييد الصلاح بعمر الوالدين وهذا يدفع كل معاني الاستعجال و اليأس. ومن المهم أن نذكر هنا قول يعقوب لبنيه كما في سورة يوسف: يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (يوسف: 87 ) إن يعقوب لم يتسرب إليه اليأس رغم كل الإكراهات ولذلك استطاع نقل عدم اليأس لذريته أيضا... رابعا عدم تقييد الصلاح بتصور الوالدين له، ففي حالات كثيرة يكون ما ينكره بعض الآباء والأمهات معروف في أصله لكنهم لا يقبلونه لأنه يتجاوز رؤيتهم للمعروف، وهنا يجب التذكير بأن المعروف هو ما عرفه الشرع، والمنكر هو ما أنكره الشرع، بغض النظر عن عاداتنا وتقاليدنا و مألوفاتنا!! خامسا عدم تقييد الصلاح بجهد الوالدين، وتوسيع قناعة مختصرة مفادها: صلاح الأبناء مسؤولية المجتمع. وشتان بين من يمارس دوره ولو بالدعاء، وبين من يكتفي بترويج السلبيات وتضخيمها وجعلها مدخلا للحديث عن فشل الوالدين ؟! وخلاصة القول إن من تقدمنا من المصلحين ساهموا في نشر صيغ سهلة يسيرة تجري على كل لسان تلخص كثيرا من الأهداف في عبارات جامعة و مركزة !! فلنقل جميعا: الله يصلح وفي الحديث ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك و لك مثل ذلك.