من مسلمات العمل الإسلامي المنظم وأساسياته، أن الإنسان هو جوهر أي عمل وروحه، وعموده الفقري الذي بدونه لا يكون لأي عنصر آخر أي قيمة أو دور، فإذا اتسم الإنسان المنتسب لحركة مجتمعية تراهن على تخريج الإنسان، بالفعالية والمبادرة واليقظة الفكرية والاستيعاب التصوري، كان ذلك عنصر قوة لتلك الحركة، ذلك أن الدعوة إلى الله تعالى والعمل على إقامة الدين واجب على كل مسلم ومسلمة، وهذا الواجب يؤدى على الصورة الفرديةً ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني .. ) وعلى الصورة الجماعية (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ..) . ولذلك فإن التصور الإسلامي يجعل من الفرد الصالح المصلح أساس الجماعة، ومن الجماعة الرسالية أساس الأمة، ومن الأمة الشاهدة أساس الحضارة الراشدة، مما يدل على أن الفرد في العمق هو أساس الفعل الحضاري، مصداقا لقوله تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. ومن ثم يجب على الفرد أن يكون مستوعبا لدوره ورسالته في العطاء والعمل بفعالية، غير متكل على عمل المؤسسة أو الجماعة، لأن عمل المجموعة في نهاية المطاف هو نتاج لعمل الأفراد، ومدى المساهمة التي يقدمونها في المشروع العام، دونما اتكال أو انتظار أو تعليق لمسؤوليات النجاح أو الفشل على الآخرين، ولا يصح أن يتحول التباهى بأعمال الجماعة ومؤسساتها وتخصصاتها، إلى حالة من الاسترخاء، عوض أن يكون محفزا على المزيد من العطاء. ومن الأسئلة التي تحتاج إلى تعميق النظر، السؤال عن التراكم في العمل المنظم وما يطرحه من تحديات جديدة على العمل الإسلامي، وما إذا كان مقبولا أن تصبح إنجازات الجماعة بديلا عن عمل الفرد وكدحه وبذله، وما إذا كان مقبولا أن يؤدي تطور العمل المؤسساتي إلى سيادة اتكالية الفرد بدل عطائه، وانتظاريته بدل مبادرته، واستهلاكه بدل إنتاجه؟ و هذه الأسئلة تسعى للتفكير في سبل الوصل بين مساهمة الفرد في تقدم الجماعة وإنجازات الجماعة الحاضنة والمحفزة لجهود ومبادرات الأفراد. ولذلك فالعمل الجماعي المنظم له دور أساسي في توسيع المجال الحيوي للحركة الإسلامية، سواء تعلق الأمر بالجانب التنظيمي والهيكلي أوبالجانب المؤسساتي والعلائقي، وهي الجوانب التي مكنت الحركة من تحقيق مكاسب نوعية ساهمت في تعزيز انفتاحها على المحيط والنخب، وتطوير حضورها ومشاركتها المجتمعية، وينبغي أن ننتبه إلى صيرورة هذا الكسب وموقع الفرد منه، حتى لا نفقد ميزتنا التنافسية التي ترتكز على بناء الإنسان الصالح المصلح. إن الإنسان النموذجي في المجموعة، هو ذلك العضو الذي ينتسب للجماعة ويؤمن بقيم الشورى والانضباط لقرارات المؤسسات، ويجتهد في استيعاب أفكارها ومتابعة مواقفها من خلال البيانات والتصريحات والمقالات التي ينتجها قياديوها، لكن فوق هذا وذاك، يقوم بعمله، ويسأل في كل وقت وحين، عن دوره في تفعيل وإنجاز مشروع الجماعة والمؤسسة، وعن إضافاته النوعية في مسيرتها، وعن عمله اليومي لأجل تطورها ونجاحها.فلا ينتهي دوره بانتهاء لقاء، أو بإنشاء تخصص يكون مسؤولا عنه أو عضوا فيه، وإنما تبقى روح العمل فيه متوقدة حية ومتجددة العطاء بلا فتور أو استرخاء. وإذا كانت العادة قد جرت على الاستدلال بغزوة أحد، على عواقب عدم الامتثال لأمر لله ورسوله ، فإن التوجيه النبوي الذي جاء في صحيح البخاري عن البراء رضي الله عنه قال : (لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشا من الرماة وأمر عليهم عبد الله حين قال لهم: (لا تبرحوا: إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا)، هذا التوجيه، فيه تنبيه وتحذير من أي تراخٍ أو استرخاء أو تَخَلٍّ ، كيفما كانت الأحول سواء ظهر النجاح أو تبين الفشل، فلا يسمح بالتخلي عن المواقع والمهام ، ولا يجوز التراخي ولا التساهل ولا التكاسل في أدائها، كما لا يجوز التحول عنها ولا الانشغال بما سواها، بل لا بد من الاستمرار في أدائها بنفس الحرص وبنفس الفعالية إلى آخر لحظة، وإلى آخر رمق. وإذا كان الاستمرار في أداء المهام داخل المعركة لا ينتهي إلا بنهايتها، فإن مهام الدعوة إلى الله، لا تنتهي . فلا يجوز فيها التراخي ولا التهاون، بل على الداعية أن يستمر في مهامه إلى أن يلقى الله، فإذا لقي ربه وهو عنه راض، فذلك هو الفوز العظيم. إن مقاصد العمل الإسلامي نبيلة، ومجالاته كثيرة ومتعددة، وتحدياته كبيرة، وانتظارات المجتمع منه لا حدود لها، مما يستلزم أن يكون إنسان النهضة والإصلاح، يقظا في عمله، مبادرا وفعالا، يفعل أكثر مما يتكلم، وينتج أكثر مما يستهلك؛ وبكلمة واحدة ، إن روح المؤسسة وميزتها التنافسية إنسانها، وإذا فقدت المؤسسة إنسانها تحولت إلى جسد بلا روح.