تتنازع عقوبة الإعدام اليوم وجهتا نظر متقابلتان: الأولى تدعو إلى إلغاء هذه العقوبة، والثانية تدافع عن بقائها. تستند الأولى إلى تأويل فلسفي وقانوني وحقوقي ل»مفهوم حق الحياة»، وتستقوي بالتراكم الذي حصل في النضال الحقوقي الدولي، وتحتكم في ذلك إلى تجربة الدول التي ألغت عقوبة الإعدام. أما وجهة النظر الثانية، فبالإضافة إلى التأويل الفلسفي والقانوني والحقوقي الذي تستند إليه في تفسيرها لمفهوم الحياة، فإنها تعزز حججها بتأويل شرعي، وحجاج قانوني جنائي لا ينفصل عن التصور الفلسفي لمفهوم العدالة. وتبرز مقاربة أخرى جديدة تحاول أن تتحرر من هذه الحدية، وتعيد تقييم النصوص القانونية التي ترتب هذه العقوبة، وتقدم اجتهادا تجديديا ينبني على التمييز بين طبيعة الجرائم التي يرتب عليها القانون عقوبة الإعدام ، والتضييق ما أمكن في مجالات تطبيق هذه العقوبة. بيد أن المراقب لمسار التدافع بين وجهتي النظر السابقتين، يلاحظ أن النقاش العمومي بدل أن يتأطر داخل السقف الوطني، فقد مضى في ذات المسار الخاطئ الذي سبق انتهاجه في تجربة «الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية»، ولم يؤد إلى أي نتيجة، مما أدى إلى العودة إلى المسار الطبيعي، الذي أثمر مدونة الأسرة، والتي كانت حصيلة نقاش وتوافق من داخل السقف الوطني. إن الاختلاف في تأويل مفهوم «الحق في الحياة» الوارد في الدستور، لن يحسم لهذه الجهة أو تلك بمنطق إلغاء حكم الإعدام أو الإبقاء عليه، فتطبيق هذا المنطق في سياق مجتمعي دون استحضار كل الأبعاد الفلسفية والدينية والقانونية والجنائية والاجتماعية، يمكن أن تكون كلفته كبيرة، وفي المقابل، فإن الارتهان إلى رؤية تقليدية للنصوص الشرعية للدفاع عن المجال الواسع لتطبيق عقوبة الإعدام من غير اعتبار للتحولات المجتمعية، ولا الاجتهادات التجديدية التي قدمت في هذا الباب، يمكن أن تؤدي إلى نكوص حقوقي لا يمكن نسبته إلى المرجعية الإسلامية. إن الضرورة التي يفرضها تطوير النقاش المجتمعي للخروج بهذا الموضوع من منطق المغالبة يقتضي استحضار ثلاث نقاط أساسية: 1 تأطير النقاش بالمصلحة المجتمعية وداخل السقف الوطني: وما يعنيه ذلك من تجاوز الحجج التي تعتمد مجرد المسايرة لأجندة الحراك الحقوقي الدولي، والرهان بدل ذلك على الحجج التي تمتلك قوتها داخل سياقها المجتمعي وليس خارجه على أن يكون النقاش برمته محكوما بالمصلحة المجتمعية. 2 تفعيل الاجتهاد والنظر التجديدي: وهو أمر يخص كل وجهات النظر التي تنطلق من مرجعية نصية سواء كانت حقوقية «كونية» أو شرعية دينية، فكما يقع الاختلاف في تأويل النص الديني، يقع أيضا الاختلاف في تأويل دلالة «الحق الإنساني»، بل يقع الاختلاف في طرق الوصول إليه، وقد يقع التداخل والخلط بين حق الفرد وحق الجماعة. و من ثمة، فإن من شرط النقاش العمومي في هذه القضية، أن يتحرر من الرؤى الجامدة، وأن يسترشد بفهم تجديدي مقاصدي يراعي مصلحة المجتمع في الحال والمآل. 3 البحث عن كل الخيارات الممكنة في التعاطي مع هذه القضية: وهذا يقتضي القطع مع منطق المغالبة الذي يراهن على أن يؤول النقاش إلى أحد النتيجتين، وإقصاء الخيارات الأخرى، في حين يمكن أن تؤول دينامية النقاش المجتمعي إلى نتائج أخرى مثل التقليص من مجالات تطبيق الإعدام، كإعادة النظر في ترتيب عقوبة الإعدام على الجرائم السياسية، واشتراط عدم تطبيق حكم الإعدام إلا بعد مدة كافية لتفادي إيقاع الحكم ظلما... خلاصة القول، إن النقاش المجتمعي، كما قاد إلى بناء رؤى توافقية ترجمها النص الدستوري أو النص القانوني، بحيث لم يعد هناك خلاف حول تنزيلها، فإن بإمكانه اليوم أن يقود إلى نفس النتائج في قضية عقوبة الإعدام إذا تم الالتزام بنفس الضوابط التي أثمرت التوافقات السابقة لاسيما إن أتيح للمقاربة الاجتهادية التجديدية أن تأخذ مكانها الطبيعي داخل النقاش العمومي.