بمداد الفخر والاعتزاز سيسجل التاريخ يوم 26 ماي 2002 لتاريخ راسخ في أذهان جماهير سوس العالمة تاريخ سيؤرخ لذكرى مهرجان تضامني مع الشعب الفلسطيني، نظمه المكتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية بأكادير بمسرح الهواء الطلق، وهو المسرح الذي عهدنا فيه عرض مسرحيات تافهة وأغاني ماجنة ورقصات مائعة، لكن هذه المرة شاءت الأقدار أن تنقلب الآية، ويحتضن فضاء هذا المسرح وبكل روح العناق والتآزر التضامني عرشا فلسطينيا لكن بطقوس مغربية سوسية. تضامن بطقوس مغربية بحضور آلاف من الجماهير الحاشدة التي تجاوبت معه بشكل تلقائي ومسؤول، ومع أنشطته الهادفة التي افتتحها الأستاذ الحسين فرحات بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، أعقبها كلمة الدكتور أحمد المنادي الكاتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية بأكادير التي بدأها بعد الترحيب بالحاضرين بضرورة الاهتمام بالقضية الفلسطينية ودعمها المتواصل، وتحسيس الناشئة بمخاطر التطبيع، منددا بالحصار الغاشم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني. من جهة أخرى، كان المهرجان مناسبة لعدد من الفرق الفنية الملتزمة للمساهمة بعدد من اللوحات الغنائية الهادفة ومنها فرقة «العناديل» ببنسركاو وفرقة الفنان أحمد أبو السعيد ومجموعته من تارودانت، وفرقة «سوس العالمة» بمساهمات أمازيغية، مساهمات عرفت تجاوبا كبيرا من خلال تصفيقات وهتافات الحاضرين. المرأة هي الأخرى كانت حاضرة في المهرجان من خلال كلمة الأستاذة نعيمة الناصري باسم المرأة في حزب العدالة والتنمية، والتي حيت فيها بإجلال المرأة الفلسطينية وما قدمته من تضحيات لقضيتها الأم مع الدعوة إلى دعمها اللامشروط ضد ألوان الطيش الصهيوني الغاشم.. ومما أعطى للمهرجان شحنة قوية، اللوحات الساخرة للفنان المراكشي «رشيد مسرور»، الذي أتحف الحاضرين بعروض فكاهية متميزة، تباينت بين تصوير مشاهد معبرة وحية عن واقع الشعب الفلسطيني، وتجسيد مظاهر الرعب والخوف الإسرائيلي جراء العمليات الاستشهادية التي تقوم بها ما سماه ب»القنابل الأنثوية» مع إثارة جملة من ألوان التقاعس والخذلان العربي الرسمي، إضافة إلى تمثيل مشاهد من المقاطعة للسلع الصهيو أمريكية. وهي العروض التي دفعت وبشكل تلقائي الحضور إلى ترديد شعارات معبرة، ومنهم من ضحك حتى البكاء. الإسلام قادم ولا مقام للصهاينة بيننا بعد ذلك أخذ الكلمة الأستاذ "عبد الإله بنيكران" الذي صفق له الحضور بحرارة قبل بدء كلمته، وعبر بدوره عن سعادته لحضور هذا المهرجان، شاكرا بالمناسبة أهل سوس العلم والجهاد الذين أعطوا درسا في تجاوب الشعب المغربي مع قضايا الأمة الإسلامية، لينطلق بعد ذلك للحديث عن قضية فلسطين التي أشار إلى أنها قضية أصبح من الحرج الحديث عنها بحكم الموت والتعذيب والإهانة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، مع العجز العربي المطبق للأسف. بيد أن الأمل، يقول الأستاذ بنكيران، يبقى سلاح من يحمل المشروع الإيماني الذي يقر بأن الإسلام قادم طال الزمن أم قصر، رغم السدود والحدود. وأضاف:»إن لم يكتب لنا الوصول، فإن ذلك سيتحقق على يد أبنائنا إن شاء الله، لذا دعا الحاضرين إلى إعادة بناء حياتهم على أسس القيم الإسلامية التي تنمي في الإنسان قيم الرجولة والحمية والشهامة، لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن الموضوع الذي شغل بال المتتبعين للشأن السياسي والإعلامي العام في الظرف الحالي، وهو الحضور الصهيوني بالمغرب في مؤتمر الأممية الاشتراكية، وكذا الاتهام المجاني لأعضاء حزب العدالة والتنمية باختلاس التبرعات الموجهة للشعب الفلسطيني. وفي هذا الصدد أشار بنكيران إلى أن حزب الاتحاد الاشتراكي ليس في ملكية أناس معينين، بل هو حزب تعاطفنا معه، وفيه رجال محترمون، لكن وللأسف فيه مجموعة قليلة من الناس يعملون حسابات سياسية وركبوا تعنتهم عندما طلب منهم عدم استقبال السفاح «بيريز» والجنرال «بن اليعازر» الذين ساموا الشر المستطير لشعب نحن جزء منه وهو جزء منا، واقترح بنكيران على الاتحاد الاشتراكي القيام بإجرائين تكفيرا عن خطئه، الأول: مراسلة حزب العمل الإسرائيلي للعدول عن بعث زعمائه السفاحين للمغرب، والثاني: تقديم اعتذار للشعب المغربي، بيد أن هذا لم يتوقع وقوعه، لأن الشيطان سول لبعض أعضاء هذا الحزب اتهام العدالة والتنمية باختلاس أموال الشعب الفلسطيني، وتساءل ما مصير تلك الأموال، خاصة وأن أغلب قياديي هذا الحزب لا يملكون منازل في ملكيتهم، بل يسكنون في منازل مكتراة، واستطرد قائلا إذا كان الاتحاديون يتهموننا بالاختلاس، فليعطونا ما يملكون من سيارات ومنازل، ونعطيهم نحن كذلك ما نملك. وارتباطا مع هذا الاتهام المفبرك، أشار الأستاذ بنكيران أن من غرائب الأقدار أن ازدادت الأموال التي يستقبلها الحساب البنكي الخاص بجمع التبرعات الخاصة لدعم الشعب الفلسطيني بعد نشر هذه التهم، وأضاف: أننا لا نريد نشر الحساب لسبب بسيط، وهو ثقتنا في الله عز وجل، وإن كان هؤلاء الذين يرغبون صراحة في كشف الحساب، فما عليهم إلا أن يتوجهوا لبنك المغرب ليتسلموا كل المعطيات الشافية عنه، خصوصا وأن وزارة الاقتصاد والمالية تابعة لهم، وهو حساب تابع في الأصل لجمعية مساندة مسلمي البوسنة والهرسك، لكن بقي مجمدا في السنوات الأخيرة وتم إحياؤه بسبب ضغط الانتفاضة بعد طلب «ائتلاف الخير» الموجه من طرف الدكتور يوسف القرضاوي حول الموضوع، وتم اختيار الأستاذ أبو زيد ممثلا لهذا الائتلاف بالمغرب. أما عن استغلال القضية في الحملة السابقة لأوانها، فصرح الأستاذ بنكيران أن حزب العدالة والتنمية لا يحتاج إلى حملة انتخابية، لأنه لا يريد الحكومة أصلا، بل يريد فقط للمغرب أن يتطور ليس بالضرورة على يد حزب العدالة والتنمية. وقد ترك الاستاذ عبد الإله بنكيران صدى طيبا لدى الحضور ووضح عددا من النقط التي كانت غامضة وأثارت نقاشا واسعا. أحمد الزاهدي