تقدم حالة الترقب الشعبي الكبيرة إزاء الحكومة المقبلة من جهة، ومعها المتابعة الشديدة لمسلسل المشاورات السياسية والحزبية من جهة ثانية، وكذا الانتظار الملحوظ للبرنامج الحكومي ودرجة تجسيده للبرامج الانتخابية لأحزاب التحالف من جهة ثالثة، عناصر مؤشرات إضافية عن عمق سيرورة التحول في تعاطي المغاربة مع الشأن السياسي، والمؤطرة بالتطلع لبناء ديموقراطية حقيقية واختبار مصداقية نتائج اقتراع 25 نونبر. تغادرنا سنة 2011 على وقع هذا الترقب والتفاعل غير المسبوق من حيث درجته وحدته وفاعليه طيلة أربعة عقود من التاريخ السياسي الحديث للمغرب، مما يفرض الوعي بخصوصيته واستثنائيته وتأثيراته الكبيرة على المرحلة المقبلة من تاريخ البلاد، والناجمة عن كون مسلسل انبثاق أول حكومة في ظل دستور 2011 يؤسس لتقاليد وقواعد التنزيل الديموقراطي والتشاركي له، لاسيما وأن هذا الدستور أقر نظاما سياسيا تشاركيا تتفاعل فيه المؤسسة الملكية مع كل من المؤسستين البرلمانية والحكومية بما يمكن من بناء قواعد البناء السياسي الجديد للبلاد، وتتم فيه الملائمة التدريجية بين أدوار كل مؤسسة على ضوء الدستور الجديد، كما تتيح بروز الوظائف الجديدة والحيوية لكل مؤسسة واللازمة لضمان قوة وتوازن هذا البناء. تبعا لذلك، فإن من سمات المرحلة الراهنة كونها ذات طبيعة انتقالية معنية أساسا بتفعيل وتنزيل الدستور، والتدرج الإيجابي والمقاصدي في هذا التنزيل، مما لا ينسجم مع طموحات البعض نحو تسريع مسلسل التنزيل أو استعجال مراحله أو الاستهانة بالطبيعة التشاركية لهذا التنزيل، وسيكون من اللازم الامتناع عن الحديث العلني عن مجريات تشكيل الحكومة بعد أن دخلت مرحلتها الأخيرة ولم تتضح بعد نتائجها، باعتبار أن التواصل إنما يتعلق بالكشف عن نتائج مسلسل التشكيل وليس ما يقع أثناءه من عمليات حوار بين الأطراف والفرقاء. من الواجب هنا التذكير بأن التحول الديموقراطي في المغرب كان نتاج تفاعل إرادتين ملكية وشعبية، وآخر تجل لهذا الإلتقاء والتفاعل تمثل في اقتراع 25 نونبر والاختيار السياسي الواضح في احترام نتائجه وكسب رهان مصداقية المراجعة الدستورية، والتي كانت مهددة بأن تبقى شكلية في حال الفشل في ضمان نزاهة الانتخابات وما يليه من التقدم في مسلسل إرساء تناوب ديموقراطي تنتجه صناديق الاقتراع، ونعتبر أن التطورات الجارية والمتعلقة بتشكيل الحكومة والإعلان عنها محكومة بهذا الإلتقاء وستجعل المغرب يربح رهان بناء حكومة قوية ومسؤولة وفعالة ومنسجمة. بكلمة، إن تشكيل الحكومة المقبلة سيمثل نهاية مسلسل دستوري انطلق مع الإعلان عن نتائج الاقتراع، إلا أنه في الوقت نفسه سيؤشر على انطلاق مسلسل ثان يهم تنزيل الدستور والاستجابة للانتظارات الاجتماعية والاقتصادية والإعداد للانتخابات الجماعية، ونعتقد أن ما بني من قواعد في مرحلة تشكيل الحكومة سيشكل إطارا لضمان النجاح في هذه الاستحقاقات المقبلة، مما يستلزم عدم الاستهانة بالوقت اللازم لتكوين الحكومة.