تمثل الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر الجاري عدة رهانات لعل من أهمها أن المواطن مطالب بأن يمارس كامل مواطنته عبر التوجه الى صناديق الاقتراع من أجل إعطاء دفعة لدينامية الاصلاحات التي تم اطلاقها بفضل الدستور الجديد . فمع اقتراب يوم الاقتراع يظل الرهان الأساسي هو نسبة المشاركة, التي يأمل مختلف الفاعلين السياسيين أن تكون مرتفعة, أو على الاقل, تكون هامة تعكس انخراط المواطن في مسلسل بناء النظام الديموقراطي بالمغرب . وإذا كان البعض قد يبدي نوعا من اللامبالاة يغذيها بعض الارتياب إزاء نتائج الانتخابات, فمن المهم التأكيد على أن المعطيات قد تغيرت في ما يتعلق بالاقتراع المقبل, وذلك بفضل التحول الحاسم الذي خلقته المقتضيات المجددة للدستور الجديد الذي تمت المصادقة عليه في استفتاء يوليوز الماضي . وقد أراد المشرع بذلك إحداث قطيعة نهائية مع بعض الممارسات التي عفا عنها الزمن من خلال وضع ترسانة من الآليات , بالتشاور مع مختلف القوى السياسية وفعاليات المجتمع المدني بهدف إعطاء الإنتخابات المصداقية اللازمة في أي نظام ديمقراطي وإحاطتها بالضمانات الكفيلة بترجمة الصورة الحقيقية للمشهد السياسي الوطني ووزن القوى السياسية المتنافسة . وهكذا نص الدستور في فصله الحادي عشر على أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي, مع التذكير بأن السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المترشحين, وبعدم التمييز بينهم . وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن المواطن أصبحت له جميع المحفزات للمشاركة في عملية التصويت واتخاذ قراره بحرية في اختيار من سيمثله, وبالتالي وضع بصمته على تشكيل المشهد السياسي وتدبير الشأن العام . وفضلا عن ذلك فإن القانون الأساسي حذر من أن كل شخص خالف المقتضيات والقواعد المتعلقة بنزاهة وصدق وشفافية العمليات الانتخابية, يعاقب على ذلك بمقتضى القانون, كما أن السلطات العمومية بدورها تتخذ الوسائل الكفيلة بالنهوض بمشاركة المواطنات والمواطنين في الانتخابات . وهذا يفرض على الاحزاب السياسية الالتزام الجاد والتحلي بالمسؤولية والنزاهة خلال العملية الانتخابية , وذلك بالنظر إلى الدور الذي أناطه بها الفصل السابع من الدستور, الذي نص على أن تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي, وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية, وفي تدبير الشأن العام . كما يتعين على هذه الاحزاب أن تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين, والمشاركة في ممارسة السلطة, على أساس التعددية والتناوب عبر الوسائل الديمقراطية . إن مشاركة المواطنين في انتخابات يوم 25 نونبر الذي سيكون يوما تاريخيا, ستكون حاسمة بالنظر إلى الصلاحيات التي يخولها الدستور الجديد للحكومة والبرلمان . فمن خلال عملية التصويت, سيلعب كل مواطن دورا في التأثير على الواقع اليومي والمساهمة في تشكيل الخريطة السياسية والتأثير على مسار السياسة الحكومية في المجالات التي تعنيه في المقام الأول, علما بأن الفصل 47 من الدستور ينص على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب, وعلى أساس نتائجها وأنه باقتراح من رئيس الحكومة يعين جلالته أعضاءها وبموجب الدستور الجديد فإن الحكومة, المنبثقة عن إرادة الناخبين, ستتوفر على صلاحيات واسعة لا سيما في مجال وضع السياسة العامة للدولة والسياسات القطاعية انطلاقا من البرنامج الذي تعده ويحظى بثقة البرلمان وسيكون بإمكان المواطن المغربي, من خلال آلية التصويت التي تعد حقا شخصيا وواجبا وطنيا, الاضطلاع عبر البرلمان, بدور مراقبة حسن سير وأداء المؤسسات والمصالح العمومية وفق آليات فعالة وضعت لهذا الغرض . ومن بينها على الخصوص لجان تقصي الحقائق التي يمكن إحداثها بمبادرة من جلالة الملك أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو ثلث أعضاء مجلس المستشارين في أي من المجلسين بهدف جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة أو بتدبير بعض المصالح أوالمؤسسات والمقاولات العمومية وإطلاع المجلس الذي شكلها على نتائج أعمالها . وهناك عنصر آخر كفيل بأن يدفع المواطن المغربي إلى انخراط أكبر في العملية الانتخابية, بالنظر إلى الرهان الذي يمثله هذا الاقتراع بالنسبة للجهوية المتقدمة التي اختارها المغرب كآلية للتدبير اللامركزي للشأن المحلي . وفي هذا السياق, فإن البرلمان المقبل سيكون مدعوا إلى سن القوانين التنظيمية الكفيلة بإخراج هذا النظام الجهوي إلى حيز الوجود, من خلال تحديد شروط التدبير الديمقراطي لشؤون الجهات وشروط المداولات واتخاذ القرارات على مستوى المجالس الجهوي وباقي الجماعات الترابية, وكذا اختصاصاتها والاختصاصات التي تتقاسمها مع الدولة وتلك التي سيتم نقلها إلى الجهات وباقي الجماعات الترابية, فضلا عن نظامها المالي وتحديد مصادر مواردها . ومن جهة أخرى, فإن الحوافز التي تجعل المواطنين يقبلون بكثافة على صناديق الاقتراع يوم 25 نونبر الجاري حوافز كثيرة ومتعددة بحيث أن جميع العمليات المتعلقة بالاقتراع , بدءا من وضع اللوائح الانتخابية وتنظيم مكاتب التصويت ومرورا بتحديد آليات المراقبة والملاحظة التي ساهم فيها خبراء أجانب, وكذا الالتزام بمعايير الشفافية والنزاهة المنظمة للحملة الانتخابية, تمت وفق المعايير الدولية الجاري بها العمل في هذا المجال . وكان صاحب الجلالة الملك محمد السادس قد شدد في خطابه إلى الأمة بمناسبة تخليد الذكرى الثامنة والخمسين لثورة الملك والشعب, على الأهمية الكبرى التي تكتسيها الانتخابات التشريعية المقبلة والمسؤوليات الجسيمة التي تقع على عاتق مجموع الفاعلين المعنيين بها . وقد أكد جلالته في هذا الصدد أنه يتعين على كل الفاعلين السياسيين, التحلي بالوضوح في المواقف الملتزمة بتعزيز مصداقيتها, ونبذ الأحكام المسبقة على نتائج الانتخابات قبل إجرائها, والقطع مع التشكيك السياسوي فيها, الذي لا يخدم سوى أعداء الديمقراطية, ونزوعات السلبية والعدمية . وأكد جلالة الملك بهذه المناسبة أن الانتخابات المقبلة تشكل محكا حقيقيا بالنسبة للجميع, من حكومة وبرلمان وأحزاب ومواطنين, وفعاليات جمعوية وإعلامية, يقتضي منهم تحمل مسؤولياتهم التاريخية, وجعل المصالح العليا لبلادنا, فوق كل اعتبار .