قدم قياديون في أربعة أحزاب مغربية مقاربات مختلفة لرهانات الاستحقاقات البرلمانية المقبلة، غير أنهم أجمعوا على الدعوة الى المشاركة بكثافة في هذا الاقتراع لإنضاج شروط تفعيل الدستور الجديد وتحقيق نقلة نوعية في مسار الانتقال الديموقراطي بالمملكة. وجاء ذلك في إطار برنامج خاص بعنوان "موعد مع الانتخابات" بثته القناة الثانية (دوزيم ) مساء الأربعاء وشاركت فيه قيادات من أحزاب الاستقلال، والعدالة والتنمية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والأصالة والمعاصرة، في صيغة تفاعل مع أسئلة وملاحظات عينة من المواطنين. وبينما حضر هاجس المشاركة في الاستحقاقات المقبلة كقاسم مشترك لمداخلات القياديين الحزبيين، فإن إشكالية التحالفات الانتخابية شكلت من جهتها محط جدل قوي بين الفرقاء، خصوصا على خلفية ميلاد "التحالف من أجل الديموقراطية". نزار بركة: التحالفات الغريبة تؤدي الى ضبابية المشهد السياسي انتقد نزار البركة، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ما سماه ب "التحالفات الغريبة" التي تؤدي الى نوع من الضبابية في المشهد السياسي مبديا خوفه من أن يكون لها انعكاس على نسبة المشاركة في اقتراع 25 نونبر. وقال البركة إنه "من الصعب تفسير تحالف حزب من الاغلبية مع حزب من المعارضة. لقد عملنا كفريق وينبغي أن نتقدم أمام المواطنين للمحاسبة" ، وذلك في إشارة الى تحالف الثمانية الذي يضم أحزابا من الأغلبية الحكومية وأخرى من المعارضة. وأضاف في هذا السياق أنه ينبغي للتحالفات أن تمكن المواطن من قراءة واضحة للمشهد، والحال أن تحالف الثمانية يخضع لمنطق عددي بينما يكمن الرهان في تحقيق النقلة النوعية عبر التنزيل الحقيقي للدستور. وحذر البركة من الوعود المبالغ فيها خلال الحملة الانتخابية، مبرزا أن برنامج حزب الاستقلال يراهن على تحقيق 5 في المائة كمعدل نمو، وخلق 170 ألف فرصة شغل، ليخلص الى أن حديث البعض عن خلق 200 ألف منصب شغل (تحالف الثمانية) هو من باب تضخيم الوعود، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية. واعتبر القيادي الاستقلالي أن الحكومة الحالية وفت ب 85 في المائة من التزاماتها تجاه المواطنين، مقرا مع ذلك بوجود صعوبات في مجال التشغيل، حيث لم تتمكن الحكومة من بلوغ رقم 200 ألف منصب شغل سنويا بسبب الأزمة، ولو أنها نجحت في خفض نسبة البطالة من 10 الى 9 في المائة. وقال أيضا إن الحكومة حرصت على تعزيز أوضاع الطبقة الوسطى، إذ كان من الممكن أن تنحدر 700 ألف أسرة الى دائرة الفقر لولا التدابير المتخذة في إطار صندوق المقاصة. العثماني: ينبغي القطع مع عهد التحكم والفساد بدا سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية ، مرتاحا لتزايد شعبية الحزب خلال الآونة الأخيرة، لكنه شدد في المقابل على أنه لا مجال لوجود "حزب مدلل" وأحزاب أخرى خاضعة للتضييق. وقال العثماني إن "الادارة تدخلت لصالح حزب معين في المحطة السابقة، ولا نريد تكرار ذلك"، داعيا الى التزام السلطة بالحياد الحقيقي ووقف التدخلات في تدبير العملية الانتخابية. وحذر من أن التحكم والفساد عنصران مسيئان الى المسلسل الديموقراطي، مؤكدا أن أي خلل في قواعد اللعبة من شأنه أن يبعد الناخبين عن صناديق الاقتراع ليخلص الى أن إنهاء عهد التحكم والفساد المالي والاداري يمر عبر المشاركة المكثفة التي تقطع الطريق على المفسدين ومفصلي الخرائط. وإن أعرب القيادي الحزبي عن إيمانه بالحرية المطلقة لتشكيل الاحزاب، فإنه شدد على ضرورة أن يضمن النظام الانتخابي عدم بلقنة المشهد الحزبي، وبالتالي تجاوز الصعوبات في تشكيل المجالس المحلية وفي فعالية العمل البرلماني. وحول علاقة الدين بهوية الحزب، قال العثماني "نحن لا نستغل الدين ولكننا نعمل بمرجعية اسلامية" على غرار وجود أحزاب ديموقراطية مسيحية أو بوذية، معربا عن رفضه لمقولة التنافي بين الاسلام والديموقراطية. ولم يفت رئيس المجلس الوطني للعدالة والتنمية التنويه بدور حراك 20 فبراير في دعم الاصلاحات الكبرى بالبلاد، متوقعا أن تضطلع الحركة الشبابية بدور مهم في تسريعها مستقبلا حتى تكون في مستوى التطلعات. وأرجأ العثماني أي حديث حول تحالفات الأغلبية الحكومية المقبلة لمرحلة ما بعد اقتراع 25 نونبر. فتح الله ولعلو: أمامنا فرصة لمصالحة المغاربة مع السياسة من جهته، اعتبر فتح الله ولعلو، نائب الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، محطة الانتخابات المقبلة فرصة لإعادة الاعتبار للسياسة بمعناها النبيل وبعدها الأخلاقي، موضحا أن الدستور الجديد أعطى المغرب فرصة لولوج مرحلة جديدة من الاصلاحات. وحدد ولعلو الرهان الاساسي للاقتراع المقبل في اقبال المغاربة على التصويت من منطلق أن "إخلاء الملعب يفسح المجال أمام المفسدين"، داعيا الى محاربة اليأس والعدمية والفساد من أجل خلق شرط تطبيق الدستور والدفع بالانتقال الديموقراطي. وأكد القيادي الحزبي أن الصف الاتحادي ملتئم لانجاح المحطة المقبلة. "سنكون في الموعد" ، يقول السيد ولعلو، الذي كشف عن تجديد كبير في صفوف مرشحي الحزب: 82 في المائة من المرشحين جدد و 17 برلماني فقط سيعاد ترشيحهم. وحول رؤيته للمشهد الحزبي، قال السيد ولعلو إن الحاجة ماسة الى ثلاثة أنواع من الاستقلالية كشرط لانضاج الانتقال الديموقراطي : عن الادارة، عن الدين وعن المال. وتابع أن "الأحزاب الحقيقية هي التي يفرزها المجتمع بتناقضاته"، وقال "لا نريد تحالفات تدوخ المغاربة وتشجع العزوف عن التصويت. لا فائدة في خلط الهويات السياسية". وعلى صعيد آخر، أبرز ولعلو أن تحالف الحزب في اطار الكتلة بمناسبة المحطة المقبلة يستحضر تحولات السياق الدولي والاقليمي وانتعاش المطلب الديموقراطي، ويستعيد سياق تفعيل الكتلة الديمقراطية خلال بداية التسعينات، انسجاما مع تدشين مرحلة انفتاح سياسي آنذاك في المملكة. وعن المحددات الكبرى للبرامج الانتخابية المقترحة، شدد القيادي الاتحادي على ضرورة تحقق المصداقية من خلال بلورة برامج تعكس هوية كل حزب، منبها الى أهمية الوعي بمصادر تمويل الالتزامات المعبر عنها، وابتكار وسائل تقوية البيت المغربي والمغاربي وإيجاد بدائل للنمو مع البلدان المنبثقة اعتبارا للأزمة التي تعرفها أوروبا. حكيم بنشماش: مناهضة تحالف الثمانية دليل ثقافة سياسية بالية أمام الانتقادات الموجهة الى التحالف من أجل الديموقراطية، الذي ينضوي فيه حزب الأصالة والمعاصرة، أعرب حكيم بنشماس نائب الأمين العام للحزب، عن رفضه للمنطق السياسي الذي يدفع البعض الى اصدار "حكم قيمة قاس" ضد التحالف، داعيا الى تجاوز نظرية المؤامرة التي تستهدف أي مبادرة تتوخى تجميع الأحزاب حول برامج معينة. وأوضح أن التحالف مع أحزاب في الأغلبية يؤسس قواعد العمل من أجل المستقبل ولا شأن له بحصيلة الحكومة الحالية، معربا عن اعتقاده بأن "التحالفات القبلية تخدم مصلحة البلاد"، وأن الاختلافات الاديولوجية ليست عائقا أمام بلورة تحالفات حول برنامج مشترك. وتعهد نائب الأمين العام للحزب باستمرار تحالف الثمانية الى ما بعد الانتخابات، مؤكدا أن الأمل على المدى البعيد يكمن في تجميع العائلات السياسية الكبرى من أجل مقروئية أكبر للمشهد السياسي المغربي. ووصف بنشماش استحقاقات 25 نونبر بأنها "محك حقيقي لمصداقية الفاعلين السياسيين وللوقوف على مدى نضج الظروف لتحقيق النقلة النوعية التي كرسها الدستور الجديد". وقال في هذا السياق "نحن مقبلون على المحطة كوافد جديد ومجدد. نعتقد أننا استوعبنا مغزى التحولات الأخيرة وأنصتنا لنبض الشارع، والدليل أن 80 في المائة من المرشحين بالدوائر المحلية جدد و70 في المائة منهم ذوو مستوى جامعي". وبعد أن انتقد جوانب من أداء الحكومة خصوصا في مجال التواصل ومحاربة الفساد، خلص السيد بنشماش بدوره الى أن التحدي الأبرز يتمثل في اقناع الناخبين بالاقبال على صندوق الاقتراع، لأن عدم المشاركة "يفتح المجال أمام استمرار عمل آلة الفساد".