بحلول سنة 2012، يعرف الشأن التعليمي بالمغرب، نهاية ما سمي "بالبرنامج الاستعجالي للنهوض بالتربية والتكوين"، والذي تبلور بعد تقييم لمسار إصلاح التعليم بالمغرب، وبعد انتقادات دولية ومحلية للمنظومة التعليمية الوطنية، البرنامج رصدت له ميزانيات ضخمة، لم يعلن بعد عن تقييم رسمي لحصيلته، إلا أن أغلب المشتغلين والمتتبعين للمسألة التعليمية ببلادنا، يكادوا يجمعون على أن أزمة التعليم مستمرة، في مختلف أبعاده المرجعية والبيداغوجية والاجتماعية و التدبيرية. اليوم، ومع نهاية سنة 2011، ظهرت دعوات لعقد مناظرة وطنية لإصلاح التعليم بالمغرب، بنفس تشاركي، يساهم فيها جل مكونات الشأن التعليمي التربوي بالمغرب، من هيآت حكومية وصية، ومجالس تعليمية وأساتذة وطلبة ومراكز للدراسات ونقابات تعليمية. "التجديد" تفتح ملف إصلاح التعليم بالمغرب، نناقش في البداية اهم مرتكزات الدعوة إلى مناظرة وطنية حول إصلاح التعليم بالمغرب، ونستحضر تاريخ إصلاح التعليم بالمغرب منذ "الاستقلال"، ونستقرأ آراء عدد من الفاعلين، كما نحاور الأستاذ محمد الدرويش، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي بالمغرب حول الموضوع. دعوة لمناظرة وطنية حول إصلاح التعليم تعتبر منظمة التجديد الطلابي، أن "قضية التعليم مركزية في انشغالاتها"، وترى في ندائها الأخير الذي دعت فيه كل الأطراف المعنية بالشأن التعليمي بالمغرب، أنه "منذ الاستقلال، ظل قطاع التعليم بمختلف فروعه ومستوياته رهينا لمقاربات ارتجالية وفوقية، منفصلة عن حاجيات البلد وتطلعات الشعب نحو الرقي والازدهار"، تضيف الوثيقة، "مما أبقى البلد تابعا للخارج وفاقدا للسيادة العلمية والمعرفية، ولم تستطع الإصلاحات الكثيرة عدديا والعديمة أثرا تجاوزها"، واعتبرت المنظمة الطلابية أن "مقاربة الميثاق الوطني للتربية والتكوين وقانون الأصفار الثلاثة 00.01 للإصلاح الجامعي، حققت فشلا بشهادة التقارير الدولية والوطنية". من جهة أخرى، تعتبر التجديد الطلابي، أن فشل تلك المقاربة، يعود ل"غياب الإرادة السياسية الصادقة في النهوض بالوضعية التعليمية إلى مستوى تطلعات الشعب، وتحديات الوطن"، ثم إلى "اعتماد مقاربة فوقية بدل المقاربة التشاركية، والاعتماد فقط على توصيات المؤسسات المالية الدولية في الإعداد والارتجالية في التنزيل، دون إشراك الفاعلين الرئيسيين في قطاع التعليم الوطني"، و"ضعف الرصد العلمي عبر دراسات دقيقة وموضوعية في تشخيص أزمة قطاع التعليم وتجلياتها المختلفة والاكتفاء بالمقاربة السياسية الضيقة"، وكذا "تذبذب الرؤية الاستراتيجية للتعليم وغياب مشروع مجتمعي متكامل كخلفية مؤطرة للسياسات التعليمية المتتالية". واعتبرت منظمة التجديد الطلابي، أنه بالنظر إلى "التحولات السياسية والاجتماعية التي يعيشها المغرب، وبالنظر لما يلعبه التعليم من دور في النهوض الحضاري للشعوب، ولما له من انعكاسات على التقدم والازدهار"، تقول المنظمة في نداءها، "فإننا نعتبر أن الظرفية تفرض مباشرة حوار وطني واسع من أجل إصلاح تعليمي، يستجيب لحاجيات بلدنا من المعرفة وبناء تحول مجتمعي يكون عمادا للنهضة والتحرر ويعيد للمغرب إشعاعه الحضاري ومكانته التاريخية"، ووجهت اللجنة التنفيذية للمنظمة الطلابية، ندائها للحكومة المغربية وللمجلس الأعلى للتعليم ولمكونات الحركة الطلابية وللنقابات المؤطرة لأساتذة التعليم العالي وللنقابات المؤطرة لموظفي التعليم العالي، وللأحزاب ومراكزالدراسات.. عبد الحفيظ اليونسي، نائب الكاتب العام للجامعة الوطنية لقطاع التعليم العالي، وبعد ان نوه بالمبادرة الطلابية الداعية إلى عقد مناظرة وطنية حول التعليم بالمغرب، يرى أن هناك معطيات بنيوية معيقة لأي إصلاح يعرفه القطاع، ومن بين هذه العوائق البنيوية، يذكر اليونسي في تصريح ل"التجديد"، "غياب رؤية واضحة لهذا الإصلاح، بحيث أن كل المحاولات الاصلاحية لا تأخذ بعين الاعتبار الواقع الحقيقي للجامعة المغربية"، ثم "هناك عقلية تنفيذية هيمنية اقصائية للأطراف فاعلة في الجامعة ومحيطيها"، يضيف المتحدث، "فالمخطط الاستعجالي سياسة عمومية فوقية منفصلة عن هموم ومشاكل الجامعة"، وشدد المتحدث على أن حديثه لا ينطلق من واقع افتراضي، ويقول "فبعد مرور أزيد من سنتين على تطبيق المخطط، وأزيد من عشر سنوات على الإصلاح الجامعي وكذا البيداغوجي، لا تزال الجامعة تعرف مشاكل حادة تهدد سيرها العادي، كمرفق عمومي، فبالأحرى أن تكون في عمق إشكالات المجتمع"، ليطرح اليونسي السؤال التالي، "لماذا فشل كل هذا؟، ليخلص إلى أن "مختلف الفاعلين بحاجة الى الإنصات لبعضهم البعض، لبلورة سياسة عمومية تشاركية". ولتجاوز ما سماه اليونسي ب"الوضعية التي تتهدد الجامعة الوطنية بالسكتة القلبية"، يقترح "التحرك على مستويين، مستوى استعجالي يهم بالدرجة الأولى البحث عن حلول لمشاكل البنية التحتية لتفادي الاكتظاظ، إضافة إلى مشكل التأطير التربوي، من خلال ترشيد التوظيف في تخصصات الجامعة بحاجة اليها"، يضيف المتحدث، "أيضا تحسين الخدمات الاجتماعية للطلبة، واعتماد نظام تحفيزي لموظفين مع توصيف مهامهم، ثم هناك قضايا تحتاج إلى تعميق البحث والنقاش من قبيل النظام القانوني، اذ لا مناص من المراجعة الجذرية للقانون 00.01، والتوافق على مرجعية جديدة غير مرجعية الميثاق الوطني للتربية والتكوين، اضافة إلى ضرورة المراجعة الشاملة للنظام البيداغوجي لأن الثقافة التدبيرية للجامعة الوطنية والبنيات التحتية وعدد ونوعية الاطر التربوية والادارية غير قادرة على تنزيل هذه الهندسة البيداغوجية، المنقولة اصلا عن تجارب خارجية في بيئة مختلفة". تاريخ الاصلاح التعليمي بالمغرب سنة 1957: إنشاء اللجنة العليا لإصلاح التعليم، والتي أقرت تعريب التعليم الابتدائي، إضافة إلى توحيد البرامج، وتحديد سلك ابتدائي في 5 سنوات، والثانوي في ست سنوات، وأسست لظهور المبادئ الأربعة: التوحيد والتعريب والمغربة والتعميم، كما شهدت نفس السنة إحداث جامعة محمد الخامس كأول جامعة مغربية بعد الاستقلال. سنة 1958 تم إنشاء اللجنة الملكية لإصلاح التعليم، والتي تراجعت عن قرارات اللجنة السابقة، وخاصة ما يتعلق بالتعريب و إعادة المستوى الابتدائي إلى ست سنوات وأجبر التلاميذ على إعادة نفس القسم، كما أقرت الفرنسية في الحساب والعلوم. سنة 1959: إنشاء لجنة التربية والثقافة وإصدار ظهير بإحداث الجامعة وتنظيمها. سنة 1960: إحداث معهد الدراسات والبحوث حول التعريب، وإقرار التعريب في المواد العلمية بالنسبة للمستوى الابتدائي، لتتوقف مسيرة التعريب بعد سنتين. سنة 1964: انعقاد المناظرة الوطنية الأولى حول التعليم بالمعمورة بحضور 400 شخصية، وتقرر أن "لغة التعليم في جميع المراحل هي اللغة العربية، ولا يشرع في تعليم اللغات الأجنبية كلغات إلا ابتداء من التعليم الثانوي"، لكن المخطط الثلاثي الموالي1965/1967 الذي واكب مرحلة الاستثناء سياسيا، تراجع عن التعميم والتوحيد والمغربة بعد تقليص ميزانية التعليم، وعرف المخطط بمشروع بنهيمة الذي نسب اليه تصريح شهير سنة 1966 أكد فيه أنه "إذا سار التعليم على هذه الوتيرة (..) فإن ميزانية الدولة ستتضرر". سنة 1967 سيتوقف تعريب العلوم والحساب في الابتدائي وتوقف مغربة الأطر. سنة 1970: انعقاد المناظرة الثانية والمعروفة بمناظرة إفران الأولى، وفي نفس السنة سيصدر 500 من علماء ومثقفي المغرب بيان يحذر من ازدواجية اللغة ومن التحقير الذي تواجهه اللغة العربية ويدعو إلى التعريب العام، وهو ما انعكس على المخطط الخماسي 77-73 الذي قرر العودة إلى سياسة التعميم ومغربة الأطر. سنة 1975: صدور ظهير خاص بالإصلاح الجامعي. سنة 1978: تأكيد الملك على استمرار الازدواجية في التعليم. سنة 1980: مناظرة افران الثانية للتعليم وهي ثالث مناظرة وطنية حول التعليم، و التي تبعها صدور مشروع إصلاح التعليم وإحداث شعبة الدراسات الإسلامية، وفي نفس السنة ظهر المخطط الثلاثي 1980/1978، الذي أكد على تنمية التمدرس بالقرى، وبالمقابل الحد من القبول في المؤسسات العليا، كما عمل على توحيد مدة التكوين في 4 سنوات. د سنة 1981: أصدرت وزارة التعليم "ميثاق وطني للتعليم" الذي تبنى استراتيجية محو الأمية. سنة 1983: اعتبر التعليم قطاعا غير منتج، وصدر مرسوم يفرض رسوما للقبول بالمؤسسات الجامعية، لكنه لم يطبق، كما تم تقنين التكرار بحيث لا يسمح بتجاوز سبع سنوات في التعليم الابتدائي، و انعكست هذه السياسة الجديدة على نسبة المطرودين التي سجلت ارتفاعا سنة 1984. سنة 1985: في إطار المقاربة السياسية للتعليم، صدر إصلاح جامعي جديد، أكد على التعليم إجباري في سن التمدرس، كما كرست انتقاء شديد على مستوى التعليم العاليأ وعمل على تشجيع التعليم الخاص وتشجيع التكوين المهني وإلغاء نفقات تجهيز التعليم العالي. منتصف التسعينات: دعا الملك الحسن الثاني إلى تشكيل "اللجنة الوطنية المختصة بقضايا التعليم"، والتي بدأت أشغالها في غشت 1994 وانتهت من أشغالها في 1995، وأكدت على تعميم التعليم وإقرار إلزامية التعليم للفئة العمرية 6-16 سنة، كما اعتبرت اللجنة، قضية المجانية نتيجة حتمية لأوضاع الأسر المغربية، إضافة إلى توحيد التعليم وتعريب المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، واعتبار اللغة العربية محورا أساسيا للتعليم. 1995: تقرير للبنك الدولي دعا إلى مراجعة مبدأ المجانية، وضرورة تحويل التعليم لخدمة اقتصاد السوق. سنة 1999: تم تشكيل لجنة ملكية استشارية للتربية والتكوين برئاسة مزيان بلفقيه ومكونة من 34 شخصية، والتي أعدت مشروع "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، وانطلق الإعداد لمشاريع القوانين المتعلقة بتطبيقه ابتداء من فبراير 2000، ومنه قانون 00.01 الخاص بالإصلاح الجامعي وتنزيله ابتداء من الموسم التعليمي 2003/2004. سنة 2008: المجلس الأعلى للتعليم، يعد تقريرا يؤكد انتقادات البنك الدولي لمسار الإصلاح بالمغرب، وهو ما انبنى عليه مشروع البرنامج الاستعجالي 2009/2012.