عرفت سنة 2011 أحداث ومحطات مختلفة وسمت المشهد الإعلامي، غير أن عددا كبيرا من المتتبعين والمختصين اعتبروا أحداث هذه السنة إعلاميا ليست بالكبيرة أو الاستثنائية، مسجلين بهذا الخصوص كنقط عريضة ما خطه دستور 2011 في فصله 28 من اعتبار حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. بالإضافة إلى الحوار الوطني حول الإعلام والجتمع والذي أنجز على أساس مداولات جلسات الحوار ومذكرات الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والبحوث الميدانية، وأسفر عن صياغة وثيقة أطلق عليها اسم «الكتاب الأبيض» والذي رصد ترصد حوالي 150 توصية تتعلق بدسترة بعض الحقوق والحريات والالتزامات الأساسية، وبالتشريع (جانب القانون)، والإجراءات المواكبة للنهوض بالقطاع في كل المجالات. كما سجل ذات المتابعون حدث اعتقال المدير المؤسس لجريدة المساء رشيد نيني وما واكب هذا الحدث من تفاعل اعتبر في مجمله هذا الاعتقال تعسفيا وذي صبغة انتقامية تروم النيل من الشخص والجريدة التي يديرها وهو الحدث الذي قوبل بحملة تضامن دولية وعربية ووطنية واسعة مطالب بإطلاق سراح نيني غير ان القضاء الذي قيل الكثير أيضا حول استقلاليته قضى بسجن رشيد نيني لمدة سنة نافذة. ** قال الخبير الإعلامي، عبد الوهاب الرامي، في حديث ل: «التجديد» إن ما يمكن اعتباره إنجازا فعليا خلال سنة 2011 هو الدستور الجديد الذي قال بانه بدأ يخطو نحو دمقرطة التعاقد الاجتماعي. معززا الاعتقاد الذي أضحى سائدا اليوم والمتعلق بالحاجة الملحة لمراجعة أنماط التفكير السائدة قبل الحراك العربي، وذلك من منطلقين أساسين حسب الرامي: «يفيد الأول أنه لا يوجد هناك شيء ثابت على المستوى الوضعي الإنساني، ويخلق هذا المعطى حاجة ثانية تتمثل في إلحاحية وضرورة التطوير المستمر للفكر الاجتماعي والسياسي ومخرجاته المادية الملموسة استجابة لانتظارات المواطنين التي لم تعد تعرف المهادنة». ويعني الثاني حسب الرامي، أن العولمة أدت إلى تعميم الفكر الحقوقي في صيغته المرتبطة بالفرد، وهو ما يناقض الفكر الشمولي. خالصا إلى ضرورة تقييم الإنجازات نوعيا وبالنظر إلى الغايات المجتمعية المتوخاة، وليس فقط الركون إلى مراكمة الإحصاءات حول مجالات بذاتها، أو اعتبار بعض الشعارات بديلا للمضامين الحقيقية للتقدم والحداثة والتنمية والديمقراطية، كما كان يحدث من قبل. أما عن الجانب الحرياتي فقال الرامي إن مؤسسة القضاء هي حجر الزاوية والذي كلما كان مستقلا ومتشبعا بالروح الحقوقية وبالديمقراطية، كلما كان أقرب إلى إنصاف المواطنين عامة، بل إن بإمكانه أن يساهم في دمقرطة المجتمع وتنظيم علاقة الدولة بالمجتمع. معتقدا أن إخراج قانون صحافة يليق بالمرحلة وكذلك المجلس الأعلى للصحافة، والقانون التنظيمي للوصول للمعلومات، وتأسيس قضاء متخصص في قضايا الصحافة، وإعادة النظر في الإعلام العمومي ليكون فعلا عموميا من الأولويات التي يمكن أن توحي بأننا في تطور نوعي في مجال الحريات، انطلاقا من قاعدة «حرية الصحافة أم الحريات». وبخصوص علاقة الإعلام بالمجتمع ومدى عكسه لتعددية فأكد الخبير الإعلامي أن قيمة التعددية يجب أن تتوفر في كل الإعلام، وأضاف يجب على الإعلام ألا يكون إقصائيا، ويتحتم عليه هنا التمييز بين الانتقائية المهنية والانتقائية الإقصائية التمييزية. «ولا يجب على الإعلام أن يعكس التعددية المجتمعية فقط بل عليه أن يساهم في صونها، لأنها تشكل ضمانة ضد التسلط والهيمنة والكليانية.» والمنتظر من الإعلام اليوم أن يتحول إلى إعلام مشاركة، وقرب، وتفاعلية، وأن يساهم من خلاله الصحفيون في تنظيم المعلومات والمعرفة اليومية التي يتلقاها المواطنون من كل صوب وبمختلف الوسائط، وخاصة منها تلك الوافدة عبر التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال. وأوضح أن الإعلام العمومي هو المدعو أساسا إلى إعطاء النموذج في مجال التعددية، على الأقل لأنه يمول من جيوب كل المواطنين وبمختلف تلويناتهم، ولذلك لن تكون التعددية منّة منه، بل دينا عليه. من جهته قال الإذاعي محمد عمورة، رئيس الجمعية المغربية لمهنيي الإذاعة والتلفزيون، في تصريح ل«التجديد»، «لا أريد أن أكون متشائما، لكن على مستوى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون فإننا لم نشهد إيجابيات تذكر». وسجل صاحب برنامج مسابقات مفتوحة إن القائمين على العمل بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون ما يزالوا لم يستوعبوا ولم يفهموا الأهمية القصوى للإعلام وما يفترض أن يقوم به لمسايرة تطلعات المواطنين بهذا الخصوص. مؤكدا أن إن موجهة الدبلجة للأفلام التركية والمكسيكية وبالطريقة المبتذلة التي يتم بها لا يمكنها إلى أن تذمر الذوق المغربي. كما قال عمورة أيضا أن هناك تراجع على مستوى الشركة وأنها تعمد إلى تهميش الكفاءات المهنية على حساب بعض المتطفلين على المجال والمحسوبين عليه. وبكلمة واحدة يقول عمورة إن الإعلام العمومي بعيد كل البعد عن ما يطلبه المواطن اليوم خاصة في ظل استهداف للذوق المغربي من خلال الأفلام المدبلجة وهي البعيدة كل البعد عن موقوماتنا الحضارية والثقافية والقريبة من مشروع خفي تقف ورائه جهات معينة تستهدف قيم المغاربة. كما أن هذا المشروع يقول عمورة يريد طمس كل ما هو مهني ومغربي أصيل والتمكين لثقافة الأفلام المدبلجة وثقافة «الجرة والكمانجة والقعدة» والأغنية الشعبية المبتذلة. وعلى الرغم من كل هذا يؤكد عمورة لم نشهد حوارا وطنيا سياسيا حقيقيات يمكن أن يتطرق للإشكالات الحقيقية للإعلام العمومي بالمغرب. وعن موضوع الحوار البي مهني الذي أقدمت عليه الشركة، قال عمورة، إنها محاولة للهروب إلى الأمام وتريد الإيحاء بأن هناك حوار حقيقي يخرج بتوصيات لكن كل ذلك كان مجرد تمثيلية، لأنه لم يستحضر بالفعل الأراء المختلفة لكفاءات الإذاعة والتلفزة كما أن جل النقابات تم تأسيسها تحت الطلب ونسبت إلى النقابات الأكثر تمثيلية من أجل تريب المطالب الحقيقية لكفاءات الإذاعة والتلفزيون. أما المغادرة الطوعية، التي قامت بها الشركة فقال عمورة أنها كانت تستهدف الكفاءات لكن لا أحد منهم أقدم على المغادرة بستثناء بعد الحالات الصحية أو التي ملت أجواء الاشتغال بالشركة. واستغرب عمورة كيف يتم الإقدام على فتح باب المغادرة في الوقت الذي يتم فيه إدخال أناس آخرين من النافذة وتوقيع العقود معهم. إلى ذلك اعتبر محمد العوني، رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير، أن حراك حركة 20 فبراير كان له وقع على كل القطاعات بالمغرب، كما استأثرت باهتمام قطاعواسع من الإعلام سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، كما كان الإعلام يضيف العوني حاضرا بقوة في مسيرات الحركة والتي طالبت وما تزال بدمقرطة هذا المشهد وبجعله إعلاما يعكس تعددية المجتمع المغربي وبأن يكون إعلاما متحررا وبأن يكون في خدمة المواطنين. كما قال العوني إن سنة 2011 إعلاميا هي أيضا سنة اعتقال الصحفي رشيد نيني وأيضا الحوار الوطني حول الإعلام على الرغم من أنه من البرلمان وإن كان السؤال الحقيقي حسب العوني هو علاقة الإعلام بالسلطة وليس بالمجتمع وعلى الرغم من ذلك «فإن السلطة رفضت خلاصاته وهو ما يفسر غيابه حتى الآن» أما عن المشهد الإعلامي فأضاف العوني أن اختلالات هذا المشهد يتصدرها هيمنة الدولة على الإعلام العمومي وغياب الحرية بمعناها الكامل مما جعلنا يقول المنشط الإذاعي أمام إعلام متخلف عن ما وصل إليه المغاربة من نضج مما جعلهم يلجئون للإعلام الأجنبي. وأوضح العوني ضمن تصريحه ل«التجديد»أن نظرة السياسة الرسمية للإعلام هي نظرة مختلة ولا تعبر عن انتظارات المواطنين والمواطنات، وقد انعكس ذلك من خلال الهجوم الذي تم على المنابر التي تمثل الصحافة المستقلة وما يتعرض له ما بقي منها من تضييق ومنع للإشهار المتحكم فيه من طرف جهة واحدة بالدولة. كما أن لأزمة الإعلام حسب العوني دائما أوجها قانونية وهي التي مثل لها بوضعية قانون الصحافة والقوانين المنظمة لعمل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وتقنين البث وعدم تقنين مجال الإشهار وحرية النشر...، كما سجل وعلى المستوى الاجتماعي غياب إطار ملائم للإعلاميين الذي قال العوني بأن معظمهم يعاني الفاقة واستهداف عيشه وكرامته وحقوقه. من جهته قال عبد الرحيم أبو المواهب، رئيس قطاع التواصل والعلاقات العامة بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، إن الشركة تعرف فترة ازدهار استثنائية بالنظر إلى العديد من الإجراءات التي أقدمت عليها في هذا الباب، والتي منها موضوع الحوار البي مهني والذي اعتبره حوارا جديا بين الإدارة والمهنيين وعده سابقة من نوعه خاصة أما ضمه لثلاث نقابات الأكثر تمثيلية، معتبرا الحوار خلص بأرضية للإصلاح من شأنها إصلاح أوضاع الإعلام العمومي، موضحا أن هناك توصيات مهمة ستصدر عن قريبا وهي بمثابة خلاصة للقاء الذي تم بين المهنيين والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون. كما اعتبر أبو المواهب في تصريح ل «التجديد» أن من بين النقاط المضيئة خلال سنة 2011 هي موضوع دفتر التحملات الذي أصبحت تشتغل به الشركة والذي يحدد العديد من ضوابط سير الشركة بمختلف أقطابها، وهو المشروع الذي أعدته الحكومة ويراقب من طرف الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. واستحضر إلى جانب ما سبق مبادرة المغادرة الطوعية التي أقدمت عليها الشركة والتي تهدف بشكل رئيس يؤكد عبد الرحيم إلى تخفيض كتلة الأجور بالشركة بما يخدم تجويد وترشيد مصاريفها.