يبقى النمو الإقتصادي أحد أكبر إشكالات الدول في العصر الراهن, حيث تتجادبه عوامل ومعيقات عديدة, معقدة ومتشابكة, يأتي على رأسها أنه ليس معادلة وطنية فحسب, بل ذو أبعاد عالمية بامتياز. لقد أصبح العالم مجالا مفتوحا, يكاد يمتلك كل معالم الدولة الواحدة, بما فيها تواجد حكومة عالمية (منظمة الأممالمتحدة ومؤسساتها, البنك اادولي...) . وتبعا, أصبحت الأسواق والشركات والرأسمال بلا حدود... وأصبحت المشاكل, الإقتصادية والمالية والإنتاجية والطاقية والمناخية ... ذات تداعيات دولية, حيث لا يمكن حلها إلا من خلال تدبير يأخذ بعين الإعتبار إكراهات العلاقات والمصالح والمنافسة الدولية. لقد كان التبادل التجاري العالمي يحكمه لقرون طويلة امتدت حتى بدايات القرن الماضي مبدء التخصص الإنتاجي بين الدول, في ظروف كانت فيه القدرات الإنتاجية محدودة أمام الطلب المتزايد على شتى المنتوجات الجديدة, وأمام الحاجيات الكبيرة التي كانت تطبع كل المجالات. فكان التحدي هو التمكن من أداة الإنتاج الصناعي وتطوير القدرة الإنتاجية, التي تطورت في كل دولة بحسب توفر الموارد الأولية, حيث تخصصت كل دولة في صناعة أو صناعات محددة, وساهمت في هذا التخصص عوامل عديدة أخرى, طبيعية كانت, تاريخية, جغرافية أو ذات علاقة باختيارات وطنية. إلا أن هذا التقاسم الطبيعي للإنتاجية العالمية ما فتئ أن تم تجاوزه إثر تطورالقدرات الإنتاجية للدول والشركات, مما فرض مبدءا جديدا أكثر حدة, وهو التنافسية. هذا في وقت لم تعد فيه الأسواق الداخلية كافية لاستيعاب كل القدرات الإنتاجية وضمان النمو المستمر, مما ساهم في عودة القاعدة التاريخية التي تجعل الحرب أداة لرقي الدول وازدهارها من خلال الإستيلاء على ثروات الأخرين بالقوة, وساهمت السياسات التجارية الحمائية للدول الكبرى بشكل كبير في تأجيج فتيل الحروب بينها. ولذلك, بعد الحرب العالمية الثانية والدمار الشامل الذي أحدثته , حاول زعماء الدول المتقدمة أن ينهوا عصور النزاعات العسكرية من خلال جعل مصالحهم الإقتصادية مشتركة ومترابطة من خلال فتح الأسواق الوطنية أمام التجارة الحرة المتبادلة ورفع القيود أمام حركة السلع والأموال والأشخاص, مما يجعل مصالحهم المشتركة مبنية على السلم والتعاون وضمانة ضد الحروب والنزاعات. هذه الموازنة الجديدة ظهرت جليا في ديباجة إعلان تأسيس منظمة الأممالمتحدة, وعلى أساسها تم بناء السوق الأوروبية المشتركة الموحدة. وفي هذا الإطارتواصلت الجهود من أجل تفكيك الترسانة الجبائية الحمائية للدول على مدى عقود متوالية, حيث بدأت مع انتهاء الحرب العالمية الثانية بتوقيع الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة سنة 1947, وتوجت بتأسيس منظمة التجارة الدولية سنة 1995. وتعد هذه السيرورة نجاحا للنظرية الإقتصادية الليبرالية التي تدعو إلى فتح الأسواق والمنافسة الحرة بناء على فرضية قوية تتلخص في أن التخصص والمنافسة كأساسين للإقتصاد العالمي ستكون لهما مردودية عامة ومشتركة عالية, حيث كل بلد بتخصصه في مجال اقتصادي صناعي أو خدماتي معين سيتمكن من التفوق في طرح منتجات أكثر تقنية وبأقل تكلفة, فيكون ذلك مدخلا لتجارة عالمية متوازنة. في هذا الإطار, وداخل هذه السوق العالمية المنفتحة والتنافسية, يجب أن نثمن ما اتخذه المغرب من خطوات في مجالات إقتصادية محددة فيما سمي بالمهن الدولية للمغرب, وهو منهاج يجب الإصرار عليه. ومن الجدير تعميق وتوسيع هذا البرنامج بإعطاءه أفقا أوسع ووسائل أكبر, ومن اللازم في هذا الأفق تعميق النظر في عناصرقوة اقتصادنا وبلدنا وربطها بفرص التبادل التجاري التي يمنحها محيطنا الدولي, بما تكون به سياساتنا التنموية أكثر وفاعلية, حيث سيتمكن المغرب من تحقيق التفوق ومراكمة الخبرة والتقنية في مجالات يملك فيها عناصر التنافسية والغلبة الإقتصادية داخل السوق الدولية.